بكين 29 أغسطس 2018 /كما جرت العادة، يشير أحدث كتاب أبيض تصدره اليابان حول الدفاع بأصابع الاتهام إلى البلدان المجاورة لها، بما فيها الصين، من أجل إثارة المخاوف والقلاقل الأمنية.
وتبرر الوثيقة التي وافق عليها مجلس الوزراء الياباني يوم الثلاثاء، قيام اليابان بتوسيع وتقوية قوات الدفاع الذاتي الخاصة بها، متذرعة في ذلك بأن جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية والصين وروسيا تشكل "تهديدات أمنية".
ومع ذلك، فإن هذه الوثيقة تكشف بوضوح أنه رغم الخطوات المبدئية المتخذة نحو سياسة خارجية مستقلة، إلا أن اليابان مازالت مترددة في الخروج من تحت عباءة الحماية الأمريكية.
وتدرك إدارة شينزو آبي جيدا أن التحركات الاستفزازية التي تقوم بها إدارة دونالد ترامب هي التي تضع المنطقة على حافة الخطر. وإن ما فعلته اليابان بتأميمها بعض جزر دياويو التي تعلن الصين سيادتها عليها في بحر الصين الشرقي هو الذي يهدد الوضع الراهن وليست الإجراءات الحازمة التي اتخذها الصين كما تزعم الوثيقة التي تلمح إلى أنشطة البناء الصينية على الجزر في بحر الصين الجنوبي.
ومن أجل الحفاظ على هيمنة نظام تحالف آسيا والمحيط الهادئ الذي تقوده الولايات المتحدة وبالتالي وضع اليابان في النظام الإقليمي، سعت إدارة آبي إلى تعزيز التعاون بين اليابان والولايات المتحدة منذ مجيئها إلى السلطة. وبرهنت مرارا على استعدادها للرقص على لحن واشنطن.
غير أن إدارة ترامب أخذت باستمرار منذ توليها مهامها ترسخ الحقيقة المتمثلة في أن نظام التحالف هذا يخدم الأهداف الخاصة للولايات المتحدة. ورفضت مرارا محاولات آبي إقامة علاقات خاصة وجعل اليابان استثناء في سياسات ترامب التجارية التي ترفع شعار "أمريكا أولا".
ونتيجة لذلك، سعت طوكيو في الآونة الأخيرة إلى تحقيق تقارب مع بكين، وهي تدرك أنهما يمكن أن تكونا نعم الجارتين وأن الصين باعتبارها نصيرا قويا للتجارة الحرة وداعية إلى حوكمة عالمية أكثر عدلا تسعى إلى التنمية الإقليمية التي ستعود أيضا بالنفع على اليابان.
ومع ذلك، فإنه في الوقت الذي لا يزال فيه الكتاب الأبيض الياباني حول الدفاع يبحث عن عيوب في ميزانية الدفاع الخاصة بالصين وتحديثها العسكري والعمليات العادية لقواتها البحرية والجوية، أثار هذا الكتاب الأبيض الشكوك حول مدى مصداقية طوكيو في سعيها إلى تحسين العلاقات مع بكين.
فالحكمة في العمل تنبثق عن معرفة السبب الحقيقي وراء المتاعب. وبدلا من الافتراء على الآخرين، ينبغي على طوكيو التفكير بعمق في سياساتها الخاصة، كون تلك السياسات السبب الرئيسي وراء حالة الذعر التي تنتابها.
وبدلا من محاولة جعل جيرانها "يرتدون قبعات لا تلاءمهم"، على طوكيو التفكير مليا في طموحاتها العسكرية وسياساتها الخارجية التي تشكل العوامل الرئيسية وراء زعزعة السلام والاستقرار الإقليميين.
ولابد لإدارة آبي من الأخذ بزمام المبادرة وفعل المزيد من أجل تعميق الثقة مع الصين والبلدان الأخرى في المنطقة، بدلا من النظر باستمرار عبر المحيط الهادئ بحثا عن دور قيادي.