بكين 17 أغسطس 2018 /هذا العام...تمر خمس سنوات على طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق. فمن التصميم على أعلى مستوى إلى الزيارات الكثيفة رفيعة المستوى، ومن المفهوم إلى العمل، ومن الإطار إلى المشروعات...شهدت السنوات الخمس الماضية وراثة روح طريق الحرير القديم وتلاحم الإستراتيجيات المتعددة وكذا تنمية مستمرة للمبادرة.
فلقد أثبت التاريخ تدريجيا ماهية روح المبادرة المتمثلة في السلام والتعاون والانفتاح والشمولية والتعلم من الآخر وتحقيق المنافع المتبادلة والتنمية المشتركة وكذلك نوايا الصين المخلصة في تقاسم ثمار تنميتها مع العالم وبناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية وتحقيق الرخاء المشترك للعالم أجمع.
وتهدف مبادرة "الحزام والطريق" إلى بناء طريق يربط الصين برا وبحرا بجنوب شرقي آسيا ووسط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا، وتصب في صالح دعم أهداف التنمية المستدامة.
وتقوم المبادرة كرؤية على مشروع يزيد عمره على ألفي عام وهو "طريق الحرير" الذي كان يمتد من الصين عبر آسيا الوسطى وصولا إلى شواطئ المتوسط، ومن هناك يمتد بحرا إلى أوروبا التي كانت تستقبل البضائع الصينية والآسيوية الثمينة ومن بينها البهارات والخزف والحرير الصيني.
يذكر أنه مع الدفع المستمر للمبادرة، تجاوزت نتائج بنائها توقعات الصين. فقد ذكر مركز بيانات مبادرة الحزام والطريق التابع لمركز المعلومات الوطني في تقريره لعام 2017 أن التعاون بين الصين والدول الواقعة على الحزام والطريق أخذ يتعمق بشكل مستمر خلال السنوات الأربع الماضية، أما التنسيقات السياسية والاتصالات والروابط فتعززت ومرونة حركة التجارة تزايدت والتواصل المالي تحسن وقلوب الشعوب تآلفت وتقاربت. وبوجه عام، يجرى التعاون بين الصين والدول الواقعة على الحزام والطريق بكل سلاسة، فقد أورقت شجرته وها هي تطرح باستمرار ثمارها.
وأشار التقرير إلى أنه في عام 2016، أصبحت موضوعات مثل "التعاون في المشروعات" و"ثمار المبادرة" و"التعاون بين الشركات" وغيرها محط اهتمام وسائل الإعلام الأجنبية ومستخدمي الإنترنت الأجانب وحلت محل الأعمدة التي كانت تفرد لقراءة وتحليل "النوايا الإستراتيجية" للمبادرة؛ وتحولت دفة مجالات الاهتمام من التأثير والفرص وتنمية الصين عند بداية طرح المبادرة، إلى التعاون بين الشركات والتلاحم بين الإستراتيجيات وتشييد البنى التحتية والتعاون في المشروعات وغيرها.
وبالنسبة للتعاون بين الصين والدول العربية، ففي عام 2014، دعا الرئيس الصيني الدول العربية إلى دعم مبادرة "الحزام والطريق" خلال الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني - العربي، حيث قال إن الصين والدول العربية تنعمان بتفاهم وصداقة متبادلين بفضل طريق الحرير، وهما شريكان طبيعيان في بناء المبادرة.
وخلال السنوات الأربع التي تلت طرح الرئيس شي لهذه الدعوة، انخرطت الصين والدول العربية في "تواصل وتعاون مثمر"، وفقا لما ذكره عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي.
فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية في عام 2004 عند تأسيس المنتدى 37 مليار دولار، فيما وصل إلى أكثر من 190 مليار دولار في عام 2017.
وكانت أبرز الأمور في الآونة الأخيرة زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بهدف تعزيز التعاون الثنائي وتطوير الشراكة الإستراتيجية بين البلدين.
وجاءت زيارة الرئيس شي بدعوة من نظيره الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وتعد أول زيارة يقوم بها رئيس صيني للإمارات منذ 29 عاما، وحظيت بأهمية سياسية وتاريخية وإستراتيجية كبيرة، كما لاقت إشادة واسعة من مختلف الأوساط في الصين والدول العربية.
ومن بين الدول العربية، تعد الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري للصين وأكبر وجهة لصادراتها. وقد سجل إجمالي حجم التجارة بين البلدين ارتفاعا نسبته 1.06 في المائة في عام 2017 مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى 41 مليار دولار أمريكي. وقد قامت شركات صينية وإماراتية باستثمارات في العديد من مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك إنشاء محطة طاقة شمسية ومحطة طاقة تعمل بالفحم النظيف في دبي فضلا عن التوسع في ميناء خليفة بالعاصمة أبو ظبي.
وقد أكدت زيارة الرئيس شي للإمارات على الأمل الكبير والعزم الأكيد لدى البلدين على تطوير العلاقات التعاونية الودية إلى مستوى أعلى، بعد 34 عاما من إقامة العلاقات الدبلوماسية.
واتفقت الصين والإمارات خلال الزيارة على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة، ما فتح فصلا جديدا في تعزيز التعاون الثنائي. كما وقع الجانبان عددا من الاتفاقيات بشأن تنفيذ مشروعات التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق.
والأكثر أهمية هو أن هذه الزيارة، التي تأتي في أعقاب المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي عقد في العاصمة الصينية بكين، تمثل الخطوة العملية الأولى التي تتخذها الصين نحو الوفاء بتعهدها بإقامة شراكة إستراتيجية ذات توجه مستقبلي للتعاون الشامل والتنمية المشتركة بين الصين والبلدان العربية.
واستضافت بكين في يوليو الماضي المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي، الذي اختتم باعتماد "إعلان بكين" والبرنامج التنفيذي للتعاون الصيني العربي للفترة 2018-2020 والإعلان التنفيذي للتشارك في بناء "الحزام والطريق".
يعد ذلك اليوم يوما تاريخيا للعلاقات الصينية العربية، حيث أعلن الرئيس شي جين بينغ في خطاب ألقاه في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي، عن إقامة الشراكة الإستراتيجية الصينية العربية .
فقد أقيمت علاقات التعاون الإستراتيجية الصينية العربية التي تتميز بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة خلال الاجتماع الوزاري الرابع لمنتدى التعاون الصيني العربي، الذي انعقد في مدينة تيانجين بشهر مايو 2010. وبعد 8 سنوات فقط من إقامة تلك العلاقات، شهد الاجتماع الوزاري الثامن الارتقاء بها إلى الشراكة التي تمثل مستوى أعلى للتعاون الثنائي، حيث لم تقم الصين هذه الشراكة مع العالم العربي ككل في السابق، ما عدا بعض الدول العربية.
لا ريب أن الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية يعد نتيجة محتومة للتعاون السريع والسليم بين الجانبين، وخاصة في إطار بناء مبادرة "الحزام والطريق"، إذ تم توقيع مذكرات تفاهم بشأن بناء "الحزام والطريق" بين الصين و9 دول عربية حتى نهاية يونيو الماضي، بينما غدت الصين أكبر شريك تجاري لعشر دول عربية.
وفي هذا الإطار، جنى الجانبان ثمارا عملية في مجالات متنوعة مثل الطاقة والتجارة والاستثمار والطيران الفضائي والأقمار الصناعية والقدرة الإنتاجية.
وما يلفت الأنظار أن الشراكة الإستراتيجية الصينية العربية تتحلى بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة والتوجه نحو المستقبل، ما يخلق فرصة تاريخية جديدة للجانبين.
إن التوجه نحو المستقبل يعد جزءا هاما لمستقبل الشراكة الإستراتيجية الصينية العربية، ولا سيما في ظل ما يشهده العالم من حالة عدم اليقين على مختلف الصعد، بينما لا تزال منطقة الشرق الأوسط تعاني أوضاعا معقدة تتخللها الاضطرابات بين الحين والآخر. ولكن بغض النظر عن احتمالات وآفاق تطورات الأوضاع مستقبلا، أصدر الجانبان رسالة واضحة مفادها أن تعاونهما الثنائي يتمتع برؤية طويلة المدى، وأنه لن يتأثر أو يتزعزع مهما اختلفت تصاريف الأوضاع والأحداث التي يشهدها العالم.
وبالفعل، زخر خطاب الرئيس شي بمعلومات وافرة للغاية تفصل وترسم ملامح خارطة طريق طموحة لمستقبل التعاون الصيني العربي، ما يرمز إلى دخول العلاقات الثنائية مرحلة تاريخية جديدة يعمل الجانبان فيها على بناء مجتمع صيني عربي ذي مصير مشترك بما يخدم مصلحة الشعبين الصديقين ومصلحة العالم بأسره.