ترجمة وتحرير/ د. فايزة سعيد كاب
يصادف هذا العام الذكرى الأربعين لتطبيق الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، وأظهرت الصين على مدار أربعين عاما منطقا فريدا للإصلاح في العالم، متخطية النموذج الراسخ للمعرفة الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة عند الناس. ومع ذلك، اعتاد الناس منذ فترة طويلة النظر الى الإصلاح في الصين بعيون النظريات الغربية وحتى استخدام الغرب كنموذج لتقييم ومراجعة عملية الاصلاح في الصين. وقد اوجد مثل هذا الخطأ تباينا غريبا: الإصلاح في الصين ناجحا على الدوام ولكنه دائمًا خاطئًا نظريًا. لذلك، العالم بحاجة الى الخروج من " النظرية المركزية الغربية " لفهم الاصلاح في الصين.
يعتقد لي تشنغ، محرر في قسم التعليقات بصحيفة الشعب اليومية، ومؤلف كتاب" فلسفة الإصلاح في الصين " في تعليق نشر في صحيفة الشعب اليومية، أن العودة الى التقاليد الصينية والبحث عن موارد أيديولوجية من الثقافة الصينية أمر ضروري لفهم عملية الإصلاح وتفسير واستكشاف سر نجاح الإصلاح في الصين بشكل صحيح. من بينها، التقاليد التقدمية وثقافة الاعتدال رمزان لا غنى عنهما. حيث تتميز ثقافة الاعتدال في الممارسة العملية المتسامحة وقابلة للاختلاف، كما يمكن ايجاد التسامح وقبول الاختلاف في عملية الاصلاح على مدى 40 عاما، والذي وفر اطارا معرفيا جديدا تماما لكتابة قصة الاصلاح الصيني.
واستدل لي تشنغ في تعليقه الى التفاعل الإيجابي بين ابتكارات الفلاحين التلقائية والتصميم العقلاني للحكومة الذي شهدته عملية الاصلاح الريفي والذي بدوره شكل “الهيكل الديناميكي المزدوج للإصلاح"، وهذا شكل التسامح القوة الدافعة للإصلاح في الصين. ويعتبر نظام المسار المزدوج للأسعار الذي يتجه نحو نظام تسعير السوق في عملية اصلاح الاسعار تسامحا مع طريقة الإصلاح. واختيار المناطق المختلفة نموذجا للتنمية المختلفة ووفقا لخصائص اقليمية مختلفة طوال عملية الاصلاح هو تسامحا وقبولا للاختلاف مع المناطق ايضا. كما تجسد التركيبة التاريخية بين الاشتراكية واقتصاد السوق قدرة الشعب على إدارة التناقضات وتكامل المزايا. والصين لم تميل نحو اي طرف في تصميم برنامجها الاصلاحي، وإنما تمسكت بالاختلاط لتشكيل "ميزة مختلطة" تعوض فيها عيوب عناصر مختلفة ببعضها البعض وتبرز الفوائد.
واشار لي تشنغ الى أن "حكمة التسامح وقبول الاختلاف" تتميز بالخصائص الصينية والشرقية الفريدة ذات دلالات عامة ومنيرة. وينعكس ذلك في التفكير العملي، الذي يدعو الى المضي قدما من الواقع، دون تحديد فرضيات ونظريات مسبقا، ولم يبدأ في التفسيرات المنطقية من نقطة مجردة، ولكن بالنظر الى التوقيت والمواقف والسيناريوهات المحددة واختيار تركيبة استراتيجية مرنة وفقا للمنطق العملي لحل المشكلة.
ويعتقد لي تشنغ أن هذا تفكيرا علميا ومعتدلا ايضا. حيث يعتبر التفكير المعتدل كل عنصر اقتصادي او نظرية اقتصادية على حد سواء عقلاني ومقيد. وينبغي ابراز ميزاته في الممارسة بسبب العقلانية، ولا يكون مطلقا لأنه مقيد، وبدلا من ذلك، ينبغي جمعها مع عناصر اخرى لتشكيل مزايا تكميلية. كما أن هذا التفكير لا يزال تقدميا. حيث لا يسعى الاصلاح الى كسر النظام القديم وانشاء نظام جديد بين عشية وضحاها، وإنما يدعو الى الانتقال خطوة بخطوة بين النظام القديم والنظام الجديد، وعدم السعي الى تحقيق الافضل في كل خطوة، وإنما أن تكون الخطوة التالية أحسن من سابقتها، والاقتراب باستمرار من الوضع الأمثل.
كما تتجسد حكمة التسامح وقبول الاختلاف في التفكير المنهجي أيضا حتى يتم تشكيل نتيجة متضافرة في الإصلاح. ولم تخلو مسيرة أربعين عاما من التكتيك والاستراتيجية، ومما لا شك فيه، فإن الإصلاح هو شق صغير أدى الى تغيير كبير، كما أظهرت الاصلاحات في المجالات المختلفة علاقة الترابط والتنسيق.
وخلص لي تشنغ الى أن الإصلاح في الصين لا يزال شابا، وأن الصين اليوم لا تنقصها قصصا مثيرة، وإنما ينقصها أسلوب متميز في الكتابة. وأن حكمة التسامح وقبول الاختلاف في فلسفة الإصلاح الصيني لا تتميز بالثقافة والخصائص الصينية فحسب، وإنما أن تكون مقبولة من قبل العالم أيضا. وتعتبر هذه محاولة نشطة للخروج من " النظرية المركزية الغربية" على المستوى المعرفي، وفرصة لبناء نظام الخطاب الصيني أيضا.