صنعاء 23 مايو 2018 /في يوم 22 أبريل الماضي، كان سميح دامان البالغ من العمر خمس سنوات يرقص على قرع الطبول في حفل زفاف في قرية ريفية فقيرة بالقرب من البحر الأحمر في اليمن الذي مزقته الحرب.
وعندما وصلت الرقصة ذروتها، قصفت طائرة حربية تابعة للتحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد مسلحي جماعة الحوثي، حفل الزفاف.
كان الاحتفال يقام في منطقة مفتوحة في قرية "الراقة" بمديرية "بني قيس" في محافظة حجة شمال غرب اليمن، والتي تخضع لسيطرة الحوثيين.
وقال سكان في قرية "جمعة" القريبة إنهم شعروا بالأرض تهتز تحت أقدامهم نتيجة القصف الجوي.
وقال محمد، الشقيق الأصغر لعازف المزمار "علي دامان"، "لقد تم تدمير المصابيح، التي كانت تضيئ من مولد صغير لتزيين حفل الزفاف، وانقطع صوت قرع الطبول".
"عندما اقتربت من مكان حفل الزفاف ، سمعت أصوات صراخ" .. يقول محمد وهو يجلس في البيت مع بعض الطبول التي تركت في منزلهم والتي هي من بقايا شقيقه الأكبر المتوفى علي.
وبعد بضع دقائق، ضربت غارة ثانية على بعد أمتار قليلة من تجمع الزفاف، كما قال سكان محليون، وفرت النساء والاطفال من منازلهم في حالة من الذعر خوفا من احتمال وقوع المزيد من الهجمات الجوية.
ووفقاً لسكان قرية الراقة، فقد قُتل في الغارة الجوية 33 شخصًا، بما في ذلك العريس، وجرح أكثر من 55 آخرين.
وقرية "الراقة"، لا يوجد فيها مستشفى ولا بالمناطق المجاورة ، حيث تم إرسال الأطباء وفرق الإنقاذ من مدينة "حجة" عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، واستغرق الأمر حوالي ثلاث ساعات للوصول إلى القرية النائية.
وانتقل العاملون الطبيون وعمال الإنقاذ إلى المستشفى الجمهوري في مدينة حجة، كما تم إرسال عدد من الجرحى إلى مستشفى تدعمه منظمة "أطباء بلا حدود" في منطقة عبس بالمحافظة.
وعندما زرنا قرية "الراقة"، استقبلنا الصبي الصغير سميح علي دامان، كان يردد عبارات مؤلمة، في منزل عائلته الصغير.
وما يزال سميح في حالة صدمة بعد أن فقد والده (35 عاما)، وهو رئيس فرقة الموسيقيين المشهورين بالمنطقة.
سميح يبدو على الأرجح فقد شغفه باللعب مع الأطفال، زرناه وكان يجلس بجانب أمه، والأخ الجديد جليبيب، وشقيقته اليمامة وأخته الكبرى، ويبدو أن سميح الصغير مجرد إلى حد ما، لا يتكلم كثيرا، لكن كلمات قليلة كان يكررها "لقد قتلت الطائرة أبي".
يومها أخبرت الأم البالغة من العمر 35 سنة أن زوجها توفي.
تقول الام "لقد كنت حاملة، عندما سمعت الخبر ، سقطت في غيبوبة .. ثم أوقفتني الجيران من الإناث وشعرت بألم الولادة".
واضافت : "ولد طفلي الجديد بعد ساعات من مقتل ابيه في الغارة الجوية تلك الليلة".. "أبوه لم يره ، ولن يرى أباه أبداً".
وسميح كان قد شوهد في لقطة مأساوية مفجعة سجلت مباشرة بعد الغارة الجوية من قبل بعض السكان وبالهواتف المحمولة للناجين.
وظهر سميح الى جانب ابيه وهو ينزف في المكان.. ورفض السماح لعمال الإنقاذ بانتشاله ودفنه.
وبعد نحو 24 ساعة تمكن عمال الانقاذ والسكان من اقناع سميح، برفع جثمان والده ودفنه، وفقا للسكان.
في المشاهد المتداولة، كان الصبي سميح يبدو انه لم يفهم أن والده قد مات.. بدلا من ذلك، استمر في البكاء وكان يصرخ بصوت عال في اذن والده طوال الليل "أبي.. أبي استيقظ، دعنا نذهب إلى البيت".
لقد انتشرت اللقطات المثيرة للقلق على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح سميح الصغير رمزا للرعب في الحرب الأهلية في البلاد.
فالحرب التي دخلت عامها الرابع، قتلت أكثر من 10 آلاف يمني، معظمهم من المدنيين ، وشردت 3 ملايين آخرين.
وأدرجت الأمم المتحدة اليمن ضمن واحدة من اسوء الازمات الانسانية، حيث تسببت الحرب بتهاوي نحو 7 ملايين يمني إلى حافة المجاعة، فيما تسبب وباء الكوليرا الذي انحسر أخيرا في وفاة اكثر من 1000 شخص واصابة ما يقرب من مليون اخرين.
وحينها في ابريل الماضي، استشهدت قناة ((العربية)) الفضائية الإخبارية، بتصريح لقوات التحالف الذي تقوده السعودية، قائلة إن "قيادة التحالف تأخذ التقارير التي تتحدث عن العملية على محمل الجد وسيتم التحقيق فيها بشكل كامل"، تعليقا على قصف حفل الزفاف.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسقط فيها المدنيون نتيجة غارات جوية للتحالف العربي منذ تدخله في الحرب اليمنية في مارس 2015 لدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي بعد أن أجبره الحوثيون على مغادرة البلاد.
وقالت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تقرير، إن شهر أبريل كان أكثر الشهور دموية بالنسبة للمدنيين في اليمن هذا العام، حيث قتل ما لا يقل عن 236 مدنيا وأصيب 238 آخرون، بزيادة حادة عن الشهر السابق.
وأضافت "في الأسبوع الأول من مايو، ما يزال عدد الوفيات في ارتفاع، حيث وثقت 63 ضحية من المدنيين من قبل المفوضية، بما في ذلك ستة قتلى و 57 جريحاً اثر القصف الجوي في صنعاء".
وقالت المتحدثة باسم المفوضية، رافينا شامداساني، "إن الهجمات الأخيرة ضد المواقع الكائنة في مناطق مكتظة بالسكان، بما في ذلك الضربات الجوية التي شنت في السابع من مايو ضد مكتب الرئاسة في صنعاء، تثير شكوكا جدية حول احترام القانون الدولي الإنساني"، على حسب إحاطة للأمم المتحدة في جنيف الأسبوع الماضي.