واصلت أسعار النفط ارتفاعها أمس الثلاثاء، حيث بلغت العقود الآجلة لخام برنت وخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 79.37 دولار و72.45 دولار للبرميل على التوالي، بارتفاع نسبته 0.2% و0.3% على التوالي مقارنة مع سعر الإغلاق السابق. وخلال الأسبوع الماضي تخطت أسعار برنت مستوى 80 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ نوفمبر 2014.
ويرى المحللون أن سعر النفط سيظل عند مستوى مرتفع بسبب نقص الإمدادات وخاصة في ظل المستجدات الجيوسياسية على الساحة العالمية، ويتكهنون بانعطافة محتملة في النصف الثاني من هذا العام في ظل سيناريوهات تشمل تخفيف حدة خفض إنتاج النفط من جانب روسيا والدول الأعضاء بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وأيضا وجود تحسن في العلاقات التجارية الصينية - الأمريكية.
-- المخاطر الجيوسياسية ونقص الإمدادات
بعد إعلان إعادة انتخاب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لولاية رئاسية ثانية مدتها ست سنوات يوم الاثنين الماضي، ارتفعت أسعار خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي وخام برنت إلى أعلى مستوى منذ ثلاث سنوات في ظل تصاعد المخاطر الجيوسياسية . فقد كانت الولايات المتحدة قد حذرت في وقت سابق من فرض عقوبات على صادرات النفط الفنزويلية حال انتخاب مادورو.
ومنذ النصف الثاني من العام الماضي، فرضت الولايات المتحدة جولات من العقوبات الاقتصادية والمالية على فنزويلا بناء على مزاعم بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية. وخلال العامين الماضيين، انخفضت صادرات النفط الخام الفنزويلية بواقع الثلث، وفي حالة تشديد العقوبات الأمريكية يرى المحللون أن انكماش الإمدادات سيزداد حدة، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع سعر النفط إلى أقصى مدى.
ومن ناحية أخرى، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أوائل مايو الجاري انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني وعزمه فرض عقوبات جديدة وأشد على إيران، بل وقرر الجانب الأمريكي استئناف فرض العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني بدءا من 4 نوفمبر المقبل، وهو ما قد يدفع سعر النفط العالمي إلى أعلى مستوى منذ ثلاث سنوات لأنه سيكون من الصعوبة بمكان على إيران الإبقاء على نفس حجم إنتاجها من النفط الذي زاد بواقع مليون برميل يوميا بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني في يوليو عام 2015.
وإلى جانب المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة، تمثلت الخلفية العامة للقضية في حالة قلة الإمدادات في السوق والقائمة منذ أن انخرطت دول أوبك وروسيا في خفض الإنتاج بدءا من يناير عام 2017، وتكشفت محصلة هذه الإجراءات في الصيف الماضي عندما وجدت أسعار النفط نفسها على أعتاب موجة من الارتفاع بعد فترة طويلة من التراجع.
وفي الواقع أثارت المخاطر الجيوسياسية المتمثلة في سلسلة القرارات والخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة مخاوف دولية جديدة لتذهب بقلة الإمدادات إلى أقصى حد، حيث أعربت وكالة الطاقة الدولية في الشهر الجاري عن قلقها من التأثير الناجم عن مسألتي الاتفاق النووي الإيراني والإمدادات الفنزويلية. وناقش وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد بن عبدالعزيز الفالح مع وزير الطاقة والصناعة الإماراتي سهيل المزروعي التقلبات الأخيرة في السوق وتعهد الوزيران بمراقبة الوضع عن كثب.
-- الرجوع إلى عصر 100 دولار أمريكي؟
يتوقع المجتمع الدولي أن يدفع فوز مادورو في الانتخابات الفنزويلية سعر النفط الخام إلى مستوى 90 دولارا أمريكيا للبرميل لدرجة أن بعض المحللين يتوقعون أن يحل عصر 100 دولار مرة أخرى خلال الأشهر المقبلة.
وفي هذا السياق، قال لين بو تشيانغ عميد معهد بحوث سياسات الطاقة في جامعة شيامن الصينية إنه "في حالة استقرار الوضع في منطقة الشرق الأوسط، لن يصل السعر إلى مستوى أعلى من 80 دولارا أمريكيا في المرحلة المقبلة، أما في حالة تفاقم الوضع الجيوسياسي الدولي، فمن المرجح أن يعود إلى عصر الـ100 دولار للبرميل".
أما سوي شياو بينغ الباحثة الصينية البارزة في العقود الآجلة، فرأت أن "سعر النفط الخام الدولي سيبقى عند مستوى عال في النصف الثاني من هذا العام، ولكن إمكانية وصوله إلى الـ100 دولار محدودة وقد يشهد انعطافة في النصف الثاني".
وشرحت رؤيتها قائلة إنه في يونيو المقبل، ستعقد دول أوبك وروسيا اجتماعا لمناقشة مستقبل خفض الإنتاج، وهي مسألة قد تشكل عاملا رئيسيا في تحديد ماهية هذه الانعطافة. وفي هذه المرة تحديدا، من المحتمل أن تتردد شركات الطاقة العملاقة بدول أوبك وروسيا في اغتنام فرصة ارتفاع سعر النفط على حساب فقدان حصتها في السوق أمام المنافسة الناتجة عن الإنتاج الأمريكي، على حد قول المحللين.
وسلط المحللون الضوء على زاوية هامة أخرى في مسألة سعر النفط العالمي ألا وهي المشاورات التجارية والاقتصادية التي جرت مؤخرا بين الصين والولايات المتحدة في واشنطن العاصمة والتي أعقبها قيام البلدين بإصدار بيان مشترك، تعهد فيه الجانبان بعدم شن حرب تجارية على الآخر. واتفقا على اتخاذ خطوات فعالة لتحقيق خفض فعلي للعجز التجاري الأمريكي مع الصين.
حيث أعرب تشين بي جين الباحث الإستراتيجي الصيني المتخصص في الأوراق المالية عن اعتقاده بأنه مع تخفيف حدة التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة وفي ظل السيناريو المتمثل في أن الصين، التي تعد أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، ستستهلك مزيدا من النفط الأمريكي، فمن المتوقع أن تتقلص حصة أوبك في سوق النفط العالمية، وهو ما قد يحد من عزم أوبك على خفض الإنتاج، ومن ثم سيتوقف ارتفاع سعر النفط.
هذا وقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لو كانغ أمس الثلاثاء أن عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي سيتوقف في واشنطن خلال عودته من الأرجنتين اليوم الأربعاء حيث سيتبادل الجانبان وجهات النظر حول العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك. وأكد لو أن الصين لا تتوقع المزيد من التقلبات في العلاقات التجارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، قائلا "إذا توصلت حكومتا البلدين إلى اتفاق ونتائج جيدة مقبولة للجانبين، فعليهما التمسك بالإتفاق، نحن بالطبع لا نريد رؤية أي تقلبات".