بغداد 15 مايو 2018/ شكل فوز تحالف سائرون المدعوم من الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر بالمركز الأول في الانتخابات العراقية التي جرت السبت الماضي مفاجئة كبيرة قد تقلب الموازين رأسا على عقب وتعيد رسم الخارطة السياسية من جديد في العراق.
واختلفت الانتخابات هذا العام عن بقية الانتخابات السابقة بعد تسجيلها لنسبة متدنية في التصويت وهذا يعود لفشل السياسيين في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن، بالاضافة إلى أن أغلب السياسيين مازالوا يتكررون بالمشهد السياسي منذ عام 2003 وحتى الأن ولم يقدموا أي شئ يقنع المواطنين لانتخابهم مرة أخرى فضلا عن الاحباط الذي اصاب العراقيين.
وأظهرت النتائج الأولية تقدم تحالف سائرون في ست محافظات بما فيها العاصمة، وقائمة الفتح بزعامة هادي العامري القيادي في الحشد الشعبي بأربع محافظات، وهذا يؤشر أن المواطن العراقي يريد الاصلاح ومحاربة الفساد، وتوفير الأمن فانتخب سائرون لانها تحارب الفساد بقوة وتطالب بالاصلاح، وكتلة الفتح التي كان لها دورا كبيرا في محاربة الارهاب ما ادى لتحسن الوضع الامني وتحقيق الاستقرار بعموم البلاد.
وسجلت الانتخابات التي شارك فيها نحو 11 مليون ناخب من أصل 24.5 مليون عراقي يحق لهم الادلاء باصواتهم، نقطة تحول في تاريخ العملية السياسية العراقية بعد أن غابت عنها اللغة الطائفية والتوتر الطائفي، فضلا عن عدم تدخل القوات الأمنية في العملية الانتخابية .
وقال المحلل السياسي ناظم علي الجبوري لوكالة انباء ((شينخوا)) " إن الأمور سوف تتغير بالمرحلة المقبلة وستختلف الحكومة عن سابقاتها، وستخرج تحالفاتهما عن دائرة الطائفية هذه المرة وستكون حكومة جامعة، ولا يحتاج إلى الكثير من الذين كان لديهم ثقل بالعملية السياسية سابقا".
وأضاف "أن تنافس قائمة سائرون مع الفتح على تشكيل الحكومة سيخلق العديد من المشاكل خاصة وأن انسحاب قائمة الفتح من التحالف مع قائمة النصر بقيادة العبادي كان بسبب مواقف الصدر من الميلشيات التي يسميها بالوقحة".
وتابع " أن فوز الصدر شكل صداعا لايران بسبب توجهه نحو علاقات عربية متزنة، فقد أثارت زيارته للمملكة السعودية ولقاءه بولي العهد محمد بن سلمان الكثير من التساؤلات حول دور محتمل للسعودية، التي تتنافس في العراق بقوة مع إيران بعد أن كانت إيران خلال السنوات السابقة توحد الشيعة في تحالف واحد لكن هذا التحالف انفرط عقده".
ويستند الصدر الذي يرأس تيارا من أقوى الحركات السياسية بالعراق، على إرث والده (محمد صادق الصدر) الزعيم الشيعي العراقي القومي القوي، الذي كان يعتز بالهوية العربية لشيعة العراق،.الأمر الذي سيضمن تحقيق شيء من التوازن بالعراق، بحيث لا تميل موازين القوة لصالح المجموعات المنحازة لإيران، أو تلك التي تسعى إلى إخراج العراق من مدار نفوذ إيران.
وتوقع الجبوري بأن تشكيل الحكومة لن يطول مثل كل مرة قائلا "إن الرسالة قد وصلت للجميع بان الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيسي ولا تسمح لإيران بأن تنفرد في فرض سيطرتها مثل ما حدث في الاعوام السابقة، والايام حبلى بالمفاجئات".
وتؤكد الاوساط المراقبة للشأن العراقي ان هناك ثلاثة لاعبين اساسيين سيكون لهم التأثير الأكبر على تشكيل الحكومة المقبلة وهي المرجعية الدينية الشيعية بالنجف الاشرف، والولايات المتحدة وايران، فعلى أي طرف يريد تشكيل الحكومة عليه أن يحظى على الأقل بمباركة المرجعية وواشنطن، بعد تراجع دور ايران نتيجة انشغالها بقضية الملف النووي.
إلى ذلك قال المحلل السياسي صباح الشيخ لـ ((شينخوا)) "إن فوز تحالف سائرون شكل بروزا لدور الاحزاب الوطنية والمدنية، وحيد دور الاحزاب المنافسة المدعوة من قبل ايران، ما شكل نقطة تحول في العملية السياسية العراقية".
وأشار إلى أن تحالف سائرون هو الاقرب إلى الواقع العراقي كون جمهوره من الطبقات الفقيرة لذلك سيسعى التحالف لتوفير الخدمات وإحداث نقلة في الواقع العراقي، مبينا أن التسريبات تقول إن التحالف سيلغي جميع المخصصات الممنوحة للرئاسات الثلاث ولاعضاء البرلمان وتحويلها الى مشاريع خدمية.
ويضم تحالف سائرون حزب الاستقامة التابع للصدر، والحزب الشيوعي العراقي ومجموعة من الأحزاب الليبرالية والمدنية، والتي نشأت بينها علاقة على خلفية التظاهرات المطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد خلال السنوات الماضية، وهو تحالف عابر للطوائف ويضم جميع فئات الشعب العراقي.
ولا يرى الشيخ إمكانية تحالف بين سائرون والفتح لوجود خلافات كبيرة بينهما قائلا "الصدر لديه مشاكل أصلا مع بعض الجهات في الفتح، بالاضافة إلى أن الصدر ضد التدخل الايراني بالشان العراقي في حين أن الفتح مدعوم إيرانيا"، متوقعا أن يحصل تحالف بين ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، الذي يعد أكبر الخاسرين في الانتخابات الحالية، وتحالف الفتح، وقد يضطران لان يكونا في المعارضة.
وفي أول تصريح له عن شكل الحكومة المقبلة أكد الصدر انه يسعى إلى تشكيل حكومة تكنوقراط غير متحزبة تضم العديد من الكتل السياسية ذكرها بالاسم وقد استثنى منها تحالفي الفتح بزعامة العامري ودولة القانون بزعامة المالكي.
وقال الصدر في تغريدة له على حسابه الخاص في تويتر "إننا (سائرون) بـ (حكمة) و(وطنية) لتكون (إرادة) الشعب مطلبنا ونبني (جيلا جديدا) ولنشهد (تغييرا) نحو الإصلاح وليكون (القرار) عراقيا فنرفع (بيارق) (النصر) ولتكون (بغداد) العاصمة وليكون (حراكنا) (الديمقراطي) نحو تأسيس حكومة أبوية من (كوادر) تكنوقراط لا تحزب فيها".
كما أكد المتحدث باسم الصدر صلاح العبيدي أن منصب رئاسة الوزراء غير مهم لتحالف سائرون قدر اهتمامه بتطبيق برنامج محاسبة الفاسدين وإرجاع المال المسروق ، مبينا انه ليس من المستبعد التنازل عن رئاسة الوزراء لكتلة أخرى تؤمن بالبرنامج الانتخابي وتطبقه.
ويضم تحالف الفتح، الواجهة السياسية للحشد الشعبي، مختلف فصائل الحشد الشعبي التي شاركت في محاربة التنظيم المتطرف خلال السنوات الاربع الماضية مع القوات العراقية، ولاتزال قواتها تنتشر على الحدود مع سوريا والعديد من المناطق في المحافظات السنية.
وسجل تحالف النصر المركز الأول في محافظة نينوى شمالي البلاد وثاني محافظة من حيث عدد المقاعد بالبرلمان، فضلا عن فوزه بمقاعد في اغلب المحافظات ما يجعله التحالف الثالث الفائز بالانتخابات.
وسيكون لتحالف النصر الذي احتل المركز الثالث دور مهم ورئيسي في تشكيل التحالفات المستقبلية، كون التحالف بعد الاعلان الرسمي لنتائج الانتخابات يعد أكثر أهمية من التحالفات الحالية التي لم يحصل أي منها على أكثر من 60 مقعدا ما يجعل تشكيل الحكومة من أربع كتل على الاقل.
وهذه رابع انتخابات تجري في العراق منذ الإطاحة بنظام صدام حسين والأولى بعد الانتصار على التنظيم المتطرف، والثانية منذ الانسحاب الأمريكي من البلاد عام 2011، وأول انتخابات تستخدم فيها البطاقات الالكترونية والعد والفرز الالكترونيا.
وحسب النتائج الاولية فان عدد مقاعد تحالف سائرون بلغت 54 مقعدا يليه تحالف الفتح ب 47 مقعدا، وتحالف العبادي ب 43 مقعدا وتحالف المالكي 25 مقعدا وائتلاف الوطنية بزعامة اياد علاوي اول رئيس وزراء في العراق بعد الاطاحة بنظام صدام حسين على 22 مقعدا ثم تيار الحكمة بزعامة رجل الدين الشيعي الشاب عمار الحكيم 19 مقعدا.
ويرى المراقبون ان زيارة المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد ((داعش) بريت ماكغورك للعراق وبحثه مع القادة العراقيين تشكيل الحكومة المقبلة، يظهر مدى جدية واشنطن بتشكيل حكومة عراقية بعيدة عن التأثير الايراني، متوقعين ان تحث واشطن الاطراف المناوئة لايران بتشكيل التحالف الاكبر لرئاسة الحكومة المقبلة.