حلب ـ سوريا 9 مايو 2018 / تشتهر محافظة حلب (شمال سوريا)عموما، ومدينة حلب القديمة خصوصا، بصناعة المعجنات والحلوى الشعبية، وتحديدا صناعة كعك السخانة التي كانت، حسب آراء بعض الباحثين التاريخيين والذاكرة الشعبية لدى الحلبيين، ترافق قوافل تجار طريق الحرير التي كانت تأتي من أقصى الشرق مرورا بتدمر وحلب وصولا إلى أوروبا غربا.
وتعد هذه الكعكة "السخانة" التي أخذت اسمها من طريق صنعتها التي يستغرق انتاجها أكثر من 17 ساعة كي تصبح كعكة صالحة للسفر الطويل، لكونها تسخن أكثر من مرة في الفرن، كي تجف تماما وتخلو من البخار كي لا تفسد أثناء السفر الذي كان يستغرق عدة أشهر.
وكانت كعكة "السخانة" تشكل أحد اهم الأغذية الرئيسة لتجار قوافل طريق الحرير الذين كانوا يتزودون بها بعد مغادرتهم مدينة حلب القديمة، متجهين إلى شمال سوريا باتجاه القسطنطينية والاناضول وصولا إلى البحر الأسود ومنها إلى أوروبا.
ويقبل أهالي حلب على شراء هذا النوع من الكعك، لاعتقادهم بأن هذا الكعك كان له تاريخ قديم، ولكونه أيضا يصنع بطريقة خاصة وله طعم لذيذ.
وقالت سلمى (32 عاما)، التي جاءت من ضواحي حلب الجديدة إلى باب النصر بحلب القديمة، لشراء كعك السخانة من أحد الافران الذي يعود تاريخه إلى أكثر من مائة عام، "هنا اشم رائحة التاريخ عندما اشتري كعك السخانة".
وأضافت سلمى، ومعها زوجها وطفليها الصغيرين لوكالة (شينخوا) بدمشق اليوم (الأربعاء) "اتيت من أحياء حلب الغربية برفقة عائلتي لشراء كعك السخانة، الذي يحبه أهل حلب كونه مرتبط بتاريخ المدينة القديمة، وكان الأجداد يصنعونه بطريقة مميزة".
وتابعت تقول "بالرغم من الخراب والدمار الذي لحق بمدينة حلب القديمة جراء سيطرة المسلحين على الاحياء الشرقية، إلا أن عبق المكان ما يزال حاضرا في اذهاننا".
وقال أبو مصطفى (51 عاما) بلهجة حلبية محببة "كعك السخانة تشتهر به مدينة حلب، وله سمعة طيبة لدى أهالي حلب"، مشيرا إلى أن الكبار والصغار يحبون هذا النوع من الكعك، مبينا أن طريقة صنعه تحتاج لمهارة من نوع خاص.
وروى موسى بدوي (46 عاما)، والذي كان يقف امام طاولة مصنوعة من الرخام الأبيض، ويقوم بحركات رشيقة وهو يصنع كعك "السخانة" بكثير من الحب، مراحل صناعة كعك السخانة.
وقال بدوي الذي يعمل في فرن عمره الزمني أكثر من 100 عام في سوق الخابية بحلب القديمة، لوكالة (شينخوا) إن "مراحل صناعة كعك السخانة طويلة حيث تيم تخمير العجين وبعدها يتم عجنه ثم يترك كي يرتاح لساعتين تقريبا، ثم نضيف له السكر والزيت، بعدها نقوم بفتل الكعك ثم ندخله مرة أخرى إلى التخمير لاكثر من ساعتين ثم يدخل إلى الفرن، وبعدها يترك كي يبرد ثم يغلف بعد ان يجف تماما".
وأشار بدوي إلى أن مرحلة صناعة كعك السخانة تستغرق حوالي 17 ساعة كي يصنع فهو يحتاج إلى عناية خاصة.
من جانبه، قال زكريا مارعي (56 سنة) إن "كعك السخانة فيما مضى من الوقت كانت تصنع على شكل دائري ويتم ربط كل 10 كعكات بخيط وتوضع في كرتونات ويتم بيعها للمسافرين".
وتابع يقول إن "هذا النوع من الكعك مشهور في حلب وخارجها وله تاريخ قديم مرتبط بأيام طريق الحرير".
من جانبه، قال الباحث التاريخي علاء السيد إن "حلب كانت تتميز بأنها قلب طريق الحرير القادم من أقصى الشرق من الصين متوجها باتجاه أوروبا الغربية والقادم من أقصى الجنوب ثم من اليمن ثم الحجاز ثم بلاد الشام ثم شمال حلب متوجها شمالا باتجاه البحر الأسود وارمنيا وبحر قزوين".
وأشار السيد، الذي يمضي معظم وقته في أسواق حلب القديمة، إلى أن هذا الشيء ميزها عبر التاريخ من الناحية التاريخية الاقتصادية والتجارية.
وتابع يقول إن "باب النصر الاثري يقع في الجهة الشمالية من مدينة حلب القديمة وهي الجهة التي تصل إلى شمال سوريا ومنها تتجه إلى منطقة الاناضول والقسطنطينية وباتجاه البحر الأسود"، منوها بأن القوافل التجارية كانت تدخل منه وتخرج، ويتم التسوق في سوق مستقيم اسمه "سوق باب النصر ويتفرع منه سوق اخر اسمه سوق الخابية" وتوضع على جانبيه سلسلة من المحلات، يتم فيه تبادل البضائع.
وأوضح أن قوافل طريق الحرير كانت تنزل في خانين، هما خان قورت بك، وخان الوزير ويتصل الخانان بالأسواق القديمة في حلب.
يشار إلى أن هذه الخانات كانت عبارة عن مكان لإقامة القوافل ، مثل الفنادق في هذه الأيام.
وبين الباحث التاريخي أن تجار قوافل طريق وأثناء مغادرتهم أسواق حلب كانوا يشتروا كعك السخانة من فرنين كانا في أول سوق باب النصر وفي أخره.
وأوضح ان هذه الافران كانت "تاريخية" وتصنع مؤن خاصة للسفر الطويل وهي كعك السخانة الذي يتميز بانه كعك خالي من أي رطوبة ويحتاج إلى معالجة وعناية خاصة كي يتحمل الظروف الجوية المختلفة فيتم إدخاله إلى الفرن أول مرة ثم يبرد ثم يتم ادخاله مرة ثانية كي يجف من البخار ويمكن ان تنتقل به عبر السفر الطويل دون ان يفسد وهو يشبه البسكويت الذي كان يعتمد عليه البحارة في غذائهم خلال ابحارهم لانه لا يتأثر بالرطوبة.
وقال إن "أي انسان يريد ان يسافر برا عبر الصحراء كان يتزود بكعك السخانة ومن هنا ارتبط اسمها بطريق الحرير"، مؤكدا أن "هذا الكعك اخترع من أجل قوافل تجار طريق الحرير".