بقلم جيانغ فنغ، أستاذ في جامعة الدراسات الأجنبية بشانغهاي
الأخبار الكاذبة بصفتها نوع من الكذب، ينطبق عليها أيضا المثل القائل "إن حبل الكذب قصير". وفي الوقت الحالي، تتعاطى مختلف الدول بحذر شديد مع هذا النوع من الأخبار، كما قامت بعض الدول بوضع قوانين وتدابير للتصدي لها. أما الإفتراضات الكاذبة فعادة ماتكون أطول عمرا، لأنها غالبا ما تصدر عن بعض الخبراء ومراكز الأبحاث، مايكسبها تأثيرا كبيرا.
لذلك فإن الإفتراضات الكاذبة عادة ماتكون أكثر ضررا من الأخبار الكاذبة، لأنه بإمكانها أن تدفع نحو إتخاذ سياسات خاطئة، مثل إفتراضات "إنهيار الصين"، "إرهاق الصين للعالم" و"التهديد الصيني"، وغيرها من الإفتراضات التي تتردد في أمريكا وأوروبا.
نحبذ أن نطلق على هذه التوقعات تسمية الإفتراضات الكاذبة، لأنها كانت دائما إفتراضات وأمنيات تتعارض مع الواقع والحقائق.
يروج البعض في أوروبا وأمريكا في الوقت الحالي إلى إفتراض كاذب آخر، يرى بأن الصين ستكون القوة الرئيسية لعصر "مابعد الغرب" و "مابعد النظام". في هذا الصدد، ذكر إجتماع ميونخ ذائع الصين في تقريره السنوي الذي أصدره في فبراير 2017، أن الشعبوية والقوى غير الليبرالية بصدد زعزعة النظام العالمي الحالي الذي انبنى على "منظومة القيم الغربية". وأضاف التقرير، بأن العالم بصدد الدخول إلى عصر "مابعد الغرب" و"مابعد النظام".
واعتبر التقرير المذكور أن ظاهرة ترامب تمثل تيار الشعبوية المتصاعدة في الغرب. أما القوى التي وصفها بغير الليبرالية، ففسرها التقرير على أنها روسيا أو الدول الإستبدادية، وقام بضم الصين التي تشهد نموا سريعا إلى هذه الخانة من الدول أيضا.
من جهة أخرى، ترى بعض مراكز الأبحاث الغربية أن السياسة السلطوية باتت أكثر جاذبية، ولم ينس أن يدرج الصين في هذا الإطار أيضا. كما رأى بأن الصين تمثل تحديا للنظام العالمي الذي إنبنى على أسس القيم الغربية. وقد غذّى هذا الإفتراض الكاذب مخاوف بعض الساسة الغربيين، ونادى بعضهم بضرورة التصدي إلى التهديد "النظامي" الذي تمثله الصين للغرب.
يظهر التاريخ البشري بأن بنية النظام العالمي كانت دائما تتشكل وتختفي في إطار التفاعل بين الحضارات. وأي نظام إقليمي أو عالمي يعد إسهاما وتراكما لتجارب وحكمة مختلف الحضارات، وليس مجرد نتاجا لحضارة واحدة. مع ذلك، لا ننكر بأن الغرب قد قدّم إسهاما أكبر نسبيا في إرساء النظام التجاري العالمي في العصر الحديث، لاسيما منذ بدء تطور الرأسمالية الصناعية. لكن، يجب أن لايتحول هذا إلى مبرر للهيمنة، أو سببا لإقصاء الآخرين من عملية بناء النظام العالمي.
إن رغبة كل دولة وحضارة في التنمية لا يمكن احتواؤها إلى الأبد، ومع النمو السريع الذي تشهده الإقتصادات الناشئة، باتت هذه الدول تقدم إسهاما كبيرا للإقتصاد العالمي، بما في ذلك إسهامها في النظام الغربي. وهذا الإنجاز، كان من المفترض أن يمثّل شيئا مفرحا للدول الغربية التي تؤمن بـ"المساواة بين البشر"، لكن على العكس مارأيناه هو الخشية والذعر، ومنطق "أنا ومن ورائي البحر". وخير مثال على هذا، ماصرّح به الممثل التجاري الأمريكي الحالي روبرت ليثايزر، بأن "ماتفعله أمريكا وكيفما تفعله، هو القواعد".
الدول الأوروبية حصلت هي الأخرى على منافع كبيرة من نمو الدول الناشئة. لكنها إلى الآن لم تتجاوز تلك النظرية القديمة التي تقول بـ"البقاء للأصلح"، ولاينتبهون إلى مجتمع المصير البشري المشترك الذي بات يمثل سمة العصر. على العكس باتت الدول الغربية تنظر إلى الدول الناشئة المفعمة بالحيوية، وخاصة الصين التي تنمو بوتيرة سريعة على أنها منافس على النظام.
تردد بعض مراكز الأبحاث الغربية وبعض الخبراء الغربيين مقولة ترى بأن الغرب كان ينتظر بأن تصبح الصين عضوا "مسؤولا" في النظام الدولي الحالي بعد تحقيقها للتنمية الإقتصادية. لكن الوضع الحالي، كان على عكس ما انتظره الغرب، حيث حولت الصين قوتها الإقتصادية إلى رصيد سياسي في الصراع مع الغرب. أما بعض الساسة في ألمانيا فيرون بأن "النظام الديمقراطي بات على حافة الخطر"، وأن الصين بصفتها "قوة غير ديمقراطية" تعمل على تخريب هذا النظام.
أمام هذا الوضع، تبادر بعض الشخصيات الأوروبية الحكيمة للتنبيه إلى خطورة "سوء الفهم" بين الصين وأوروبا. وعبرت عن أملها في تعزيز التبادل بين وجهات نظر الجانبين، لتجنب ترسخ "الإفتراضات الكاذبة". ولا شك أن العلاقات الإقتصادية والتجارية والسياسية القوية بين الصين وأوروبا، تحتاج إلى تعزيز التبادل الثقافي عالي المستوى بين الجانبين، وتعميق المعرفة المتبادلة للأفكار ووجهات النظر. إلى جانب ضرورة أن نشرح بوضوح بأن الصين تمثل مشيّدا للسلام العالمي ومساهما في التنمية العالمية وحامية للنظام الدولي.