لا ريب أن تهديد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض المزيد من التعريفات على الواردات القادمة من الصين، يمثل تصعيدا لسياسة حافة الهاوية الاقتصادية مع بكين.
فمع سخطها إزاء تعريفات مضادة على واردات أمريكية إلى الصين بقيمة 50 مليار دولار أمريكي، توعدت الحكومة الأمريكية بفرض رسوم إضافية على صادرات صينية إلى الولايات المتحدة بقيمة 100 مليار دولار أمريكي يوم الخميس.
وترى الصين أنه من قبيل الأدب الرد بالمثل فقط. وبعيد ساعات، قالت الصين إنها "ستحارب للنهاية وبأي ثمن" وستتخذ "تدابير مضادة شاملة".
وقال متحدث باسم وزارة التجارة الصينية يوم الجمعة "لا نريد حربا تجارية، لكننا لا نهابها".
ودفعت قائمة التعريفات الصينية الأخيرة على الواردات الأمريكية، والتي شملت اللحوم والويسكي وسيارات الركاب، دفعت السوق الأمريكية إلى التراجع، فيما باتت الصناعات تواجه ضغوطا. وغدت شركة بوينغ وغيرها من كبار المصدرين الصناعيين، الذين تمثل الصين أكبر سوق لهم، على لوحة الشركات الخاسرة في بورصة وول ستريت.
وإذا ما استمرت تلك التعريفات، فإن مزارعي الغرب الأوسط وعمال شركة بوينغ هم الذين سيكابدون آلامها.
وقال مزارع لفول الصويا والذرة بولاية إنديانا، يدعى برنت بايبل، في إعلان بالتلفزيون الوطني "حقيقة أن الصين هي أكبر مستورد لفول الصويا يجعلنا أكثر عرضة للخطر. مزرعتنا وكثير من المزارع الأخرى ستكون أول ضحايا حرب تجارية".
وتتوقع وزارة الزراعة الأمريكية أن تلحق التعريفات المضادة ضررا بالمزارعين الأمريكيين الذين يعانون حاليا أصلا. ومن المتوقع أن تتراجع مكاسبهم بواقع 6.7 بالمئة هذا العام لتصل إلى 59.5 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو نصف الرقم القياسي الذي حققته الولايات المتحدة في 2013.
وثمة بدائل عديدة متاحة للصين. فشركات الطيران الصينية بوسعها شراء طائرات من شركة (إيرباص)، كما أن البرازيل والأرجنتين ستشعران بالسرور حال إمدادنا بفول الصويا.
وفي وقت سابق قال تسوي تيان كاي، السفير الصيني لدى الولايات المتحدة "إذا ما أرادوا لعبا خشنا، فسنلعب معهم بصورة أشد خشونة، وسنرى من هو أطول نَنفَسا".
وتعد توقعات إدارة ترامب بخفض عجز التجارة الثنائية بواقع 100 مليار دولار، أمرا غير معقول.
فقد ساهم اختلاف نظم المحاسبة لدى البلدين في تضخيم حسابات الولايات المتحدة لعجزها التجاري مع الصين بنحو 20 بالمئة كل عام، بحسب ما ذكر تشونغ شان وزير التجارة الصيني. ويرجع أصل هذا الخلل بالميزان التجاري إلى الهيكل الاقتصادي الأمريكي، الذي يتسم بضعف الادخار وزيادة الاستهلاك .
وقد ساهمت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة في خفض مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكيين بما يتراوح بين 1 إلى 1.5 نقطة مئوية. وفي 2015، ساعدت التجارة مع الصين كل أسرة أمريكية على توفير 850 دولارا، وفقا لدراسة أجراها مجلس الأعمال الأمريكي الصيني.
ولن يسهم تقليل الواردات من الصين في خلق وظائف داخل الولايات المتحدة، بل عوضا عن ذلك، سيعمل على ارتفاع الأسعار لدى المستهلكين الأمريكيين وسيخلق وظائف في فيتنام ودول أخرى تتحرك لتقديم الواردات التي كانت تأتي في السابق من الصين.
إن ازدراء الولايات المتحدة للترتيبات التجارية متعددة الأطراف ومنظمة التجارة العالمية، يجعلها عرضة لخطر الانعزال عن حلفائها.
كما أن تحركات الثأر المتبادل تحمل سمات صدع تجاري تقليدي يمكن أن يتفاقم. فنحن على أعتاب دوامة خطيرة تتجه للأسفل.
إن ثقة الصين وقوتها تحسنت من خلال تغلبها على الصعاب في التعاطي مع الضغوط على مدار ما يربو على 40 عاما من الإصلاح والانفتاح.
ومع مواصلتها النضال بقوة وثقة متناميتين، ستدافع الصين عن مصالحها، مهما كان الثمن.