بقلم/ يانغ تشانغ شو، سفير صيني سابق
شهد "مؤتمر ميونيخ للأمن" في نسخته الـ54 الذي اختتم اعماله في مدينة ميونيخ الألمانية مؤخرا العديد من المواقف وقلة تبادل الآراء والإجماع، وعدم سعي الاطراف المعنية بالنزاع الى التوصل الى حل توافقي وتخفيف العلاقات المتبادلة من خلال التشاور بين الطرفين. وفي الخطاب الرئيسي لهذا الاجتماع "الحياة بعد الموت"، زعم أن العالم بلغ حافة الهاوية ثم تراجع. وفي مقابلة مع الصحفيين أشار رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن فولفغانغ ايشينغر الى أن القيادة العسكرية الامريكية والروسية وصلتا الى درجة خطيرة للغاية من عدم الثقة المتبادلة، وأن سوء الفهم بين أمريكا وروسيا سيؤدي الى الصراع العسكري الذي لا يريد المرء ان يراه. ما هي اهم النقاط التي تم الكشف عنها خلال المؤتمر؟
النظام العالمي الذي يهيمن عليه الغرب يسير نحو النهاية
قال أحد المشاركين في المؤتمر أن امريكا تسير وحيدة في ظل فكرة "امريكا الاولى" للرئيس الامريكي ترامب. كما لا تزال العلاقات متوترة بين الدول الاوروبية وامريكا. وفي وقت مبكر من مايو 2017، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد زيارة ترامب لألمانيا: " ان عصر الاعتماد على قوة الاخرين أصبح الى حد ما تاريخا". والآن " ينبغي على الاوروبيين السيطرة بأيديهم على مصيرهم." كما افادت وسائل الاعلام الالمانية أن عدم تلقي خطاب ممثل امريكا في المؤتمر اهتماما كبيرا دليل على أن أمريكا لم تعد القوة العظمى في الحفاظ على النظام الدولي. كما أن تخفيض امريكا للتمويل الدبلوماسي يدل على أنها تتعامل مع مصالحها الخاصة، وغير مبالية ولا تسال في الشؤون الدولية. وتلقت الدول الاوروبية التي تمثل الدول الغربية الايجابية اللوم على امريكا التي فقدت قيادتها في الشؤون الدولية. ووفقا للتقرير الرئيسي لمؤتمر ميونيخ للأمن فإن شعوب الدول الغربية فقدت الثقة في السياسيين ووسائل الاعلام.
مخاوف بشأن الصعود الصيني
أشار وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الى أن روسيا والصين تسألان عن النظام الغربي، يجب على أوروبا وامريكا الحفاظ على شراكة وثيقة. وأن أوروبا لا تحتاج الى تعزيز منافستها مع الصين فقط، وإنما بحاجة الى تضاعف الجهود للوقاية من الصين من جميع النواحي. كما استشهد التقرير الرئيسي لمؤتمر ميونيخ للأمن بعدد كبير من نتائج استطلاع تبين أن بالمقارنة مع 15 عاما مضت، يعتقد الكثير من الناس في العديد من البلدان بما في ذلك أمريكا وإسبانيا وألمانيا ان " قوة السلطة" يمكن ان تحل المشاكل أكثر من الديمقراطية. وتشير " قوة السلطة" في التقرير الى أن نموذج الحكم في الصين أكثر فعالية. وهذا أكثر ما يثير قلق الدول الغربية. حيث اعربت وسائل الاعلام في غرب اوروبا منذ فترة ليست بعيدة عن انها غير راضية لتجنب الرئيس الامريكي ترامب والرئيس الفرنسي ماكرون الحديث عن حقوق الانسان في الصين خلال زيارتهما الى الاخيرة، الذي من شانه تشجيع البحث عن المتاعب في الصين في ظل قضية حقوق الانسان. ومن الواضح أن الدول الغربية تشعر بالقلق ازاء تراجع امريكا واحتمال حل الصين محله، مما يجعلها تبذل كل ما بوسعها لتعزيز قمع مكانة الصين، ومنعها في كسب المزيد من الصوت.
شدة خلافات أطراف النزاع، وعدم التخفيف من المشاكل الرئيسية
تعتبر امكانية أن يؤدي زيادة التناقضات بين امريكا وروسيا الى نشوب حرب في الشرق الاوسط الاكثر قلقا في المؤتمر. وتعتقد وسائل الاعلام الالمانية أن الازمة بين الدول الغربية وروسيا ستواصل التعميق ومن الصعب أن تشهد تغييرا. ولم يكن رد وزير الخارجية الروسي متسامحا، وإنما اتهم بشدة الاتحاد الأوروبي. وقد فشل ممثلو روسيا والمانيا وفرنسا واوكرانيا في التوصل الى اي اتفاق. واقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العام الماضي اشراف قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على مراقبة اتفاق الهدنة في شرق اوكرانيا، وتحصل على الدعم الالماني. ولكن، يبدو أن تنفيذ المقترح لا يزال في المستقبل غير المنظور. وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خلال المؤتمر عن إطلاق الحرب غير مباشرة مع إيران. وحذر من مواصلة إيران توسيع تواجدها في سوريا الذي قد يؤدي الى تدخل عسكري اسرائيلي. ويعتقد الناس أن امريكا ستدعم سياسة اسرائيل.
إن الخلافات بين الأطراف المعنية بالقضية السورية خطيرة ومعقدة، تتداخل فيها مصالح مختلفة. ولا ترغب امريكا ان يكون لروسيا اليد العليا في سوريا، وتعهد تركيا بتدمير القوات المسلحة الكردية في سوريا، يثير بالتأكيد مواجهة امريكا والناتو. وبالإضافة الى ذلك، التنافس بين المملكة العربية السعودية وإيران من شانه تعزيز الأزمة في المنطقة.
ويبدو أن وضع أوروبا صعب في لعبة القوى، وعاجزة عن فعل اي شيء امام فقدان الدول الغربية قيادتها للنظام الدولي، وقلق من ان يذهب الشرق الاوسط الى هاوية الحرب.