تعليق: الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأمريكي تكثف سباق التسلح في شرق آسيا

بقلم/ سونغ وي، باحث في المعهد الوطني للتنمية والاستراتيجية بجامعة الشعب الصينية

نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال" الامريكية يوم 10 فبراير الجاري عن مصادر عسكرية مجهولة قولها إن وزارة الدفاع الامريكية تنظر في نشر بعثة مشاة بحرية الى شرق آسيا ردا على الارتفاع السريع للقوة العسكرية الصينية، وأن أمريكا ستخفض وجودها في الشرق الأوسط تحقيقا لهذه الغاية. كما أفادت أن تقرير الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الذي أعلنت عنها أمريكا يوم 1 يناير وضع المنافسة الاستراتيجية الطويلة الاجل مع الصين وروسيا على راس أولوياتها. ومنذ أن نشر هذا التقرير الجديد، بدأت وزارة الدفاع الامريكية في اتخاذ الخطوات الملموسة بإرسال الدفعة الأولى من المعدات الى آسيا.

قدم دونالد ترامب بعد توليه منصبه الاستراتيجية الامنية واستراتيجية الدفاع الجديدتين. وكشف عن أن الاولوية الرئيسية لأمريكا في استراتيجية الامن القومي الحالية هي المنافسة الاستراتيجية بين الدول، وليس مكافحة الارهاب. مما يعني أن العلاقات الدولية في عيون الحكومة الامريكية قد عادت الى سياسة القوة العظمى التقليدية، وتتراجع مكانة القضايا الامنية غير التقليدية. وفي التفكير الامريكي للاستراتيجية الاجنبية، تطور العالم مرة اخرى الى معسكرين متعارضين: امريكا من جانب والمعارضين لأمريكا من جانب آخر. ووفقا لمقدمة " تقرير استراتيجية الدفاع الوطني" الأمريكي الصادر في يناير 2018، تعتبر الصين وروسيا هاتان " القوتان التنقيحتان" المنافستين الرئيسيتين الجديدتين لأمريكا.

ولا يوجد فرق جوهري بين الاستراتيجية الامنية الجديدة و" استراتيجية اعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادئ " التي طرحها اوباما سابقا. لكن سياسة اوباما الخارجية واقعية وليبرالية، جنبت الصراعات المباشرة مع الصين، والاستمرار في تأكيد قبول " الصين القوية والمزدهرة"، متطلعا الى ادراج الصين في النظام الدولي القاتم. ويمكن النظر الى سياسة ادارة ترامب في شرق آسيا والمحيط الهادئ على أنها " اعادة التوازن بين الهند والمحيط الهادئ". والسبب أن ادارة ترامب حددت بوضوح الصين وروسيا انهما منافسين رئيسيين، وقررت " السعي لتحقيق السلام بالقوة".

وعليه، ستوسع امريكا قوتها العسكرية بالكامل في هذه المنطقة، وتبيع أكثر للأسلحة والمعدات الأكثر تقدما للحلفاء. وفي المستقبل المنظور ستركز امريكا على المزيد من القوات في استراليا وسنغافورة واليابان والفلبين ودول اخرى. وفي الوقت نفسه، تقوم امريكا ببيع أسلحة ومعدات متقدمة إلى اليابان والهند.

ومن ناحية أخرى، ستعمل الحكومة الامريكية بقوة على تعزيز اقامة نظام الهند ـ المحيط الهادئ. ويستند النظام الاخير الى مفهوم ما يسمى منطقة الهند ـ المحيط الهادئ، لكن الاثنين مختلفان. وإن ما يسمى بمفهوم الهند والمحيط الهادئ هو انكماش لمنطقة الهند والمحيط الهادئ، يظهر العلاقات الوثيقة على نحو متزايد بين المحيط الهندي والمحيط الهادئ، ويبين ان الاثنين قد أصبحا واحدا كاملا، وبطبيعة الحال، يدل على أهمية الهند. ويهدف تركيز امريكا على بناء نظام الهند ـ المحيط الهادئ إلى سحب الهند الى اعمالها التجارية في شرق أسيا والمحيط الهادئ. ومن الواضح أن ضم الهند الى آلية قمة شرق أسيا، حتى الوقت الحاضر، امريكا واليابان واستراليا والهند، فضلا عن البلدان الأربعة التي تتعاون امنيا، من الواضح أن فكرة نظام الهند ـ المحيط الهادئ هي في إطار استراتيجي من شأنه سحب الهند لتحقيق معا التوازن مع الصين

قد يعود شرق آسيا إلى حالة سباق التسلح في التسعينات بعد انتهاء الحرب الباردة، بعد ما يقرب من 15 عاما من التعاون الإقليمي في شرق اسيا، وفي ظل فكرة إدارة ترامب "السعي الى السلام بالقوة". والتوقعات بتواجد التكامل والانقسام في نفس الوقت في الشرق آسيا في المستقبل غير مؤكد. ولن تكون بلدان رابطة أمم جنوب شرق أسيا والهند بقيادة امريكا، وتكون رهينة لأمريكا ضد الصين، لكن، قد تميل المنطقة إلى الانقسام والمواجهة.