غزة 31 يناير 2018 / تصاعدت حدة التحذيرات من انهيار شامل للأوضاع الإنسانية في قطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ منتصف العام 2007 وسط مطالبات حقوقية بتدخل دولي عاجل.
ويواجه قطاع غزة الذي يقطنه ما يزيد عن مليوني فلسطيني نقصا حادا في الخدمات الأساسية بفعل انقطاع التيار الكهربائي معظم ساعات اليوم وتلوث مياه الشرب.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة اليوم أن أزمة الوقود تسببت في توقف مولدات كهربائية في سبعة مراكز صحية في القطاع، مطالبةً الجهات المانحة بالتدخل الفوري لإنهاء الأزمة قبل تفاقمها.
وجاء ذلك بعد ثلاثة أيام من إعلان الوزارة عن توقف مستشفى بيت حانون ومستشفى الدرة للأطفال في القطاع وتحويل مرضاها للمستشفيات الأخرى بسبب نفاد الوقود.
وبحسب وزارة الصحة في غزة فإن مرافقها تحتاج 450 ألف لتر من السولار شهريًا وفقًا لانقطاع التيار الكهربائي (من 8 إلى 12 ساعة) يوميا.
وتهدد أزمة الوقود 702 مريض في المستشفيات ممن يحتاجون إلى غسيل كلى من مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيا، و100 مريض من قسم العناية المركزية، و113 من الأطفال حديثي الولادة في حال عدم القدرة على تشغيل مصادر الطاقة البديلة.
ويأتي هذا التطور في ظل أزمة متفاقمة أصلا في مستشفيات قطاع غزة منذ عدة أشهر بسبب نفاد 230 صنفا من الأدوية ونسبة عجز في المستلزمات الطبية بنسبة 28 في المائة.
ويعاني مرضى قطاع غزة من الحالات المستعصية من عدم قدرتهم إلى السفر للخارج بفعل قيود إسرائيل على حركة المرور من خلال حاجز (بيت حانون/إيرز).
كما أن معبر رفح البري بين قطاع غزة ومصر لم يتم فتحه منذ مطلع العام الجاري وكان تم فتحه لنحو 21 يوما للسفر في الاتجاهين طوال العام الماضي.
في هذه الأثناء، حذرت مؤسسات محلية من انهيار اقتصادي وشيك في قطاع غزة بفعل الركود التجاري وانعدام السيولة النقدية والتفاقم القياسي في معدلات الفقر والبطالة.
وأعلن التجار ورجال الأعمال أنهم سيمتنعون ليوم واحد عن استيراد بضائع وسلع من خلال إسرائيل عبر معبر (كرم أبو سالم/كيرم شالوم) التجاري الثلاثاء المقبل في خطوة احتجاجية على التدهور الاقتصادي.
وكان التجار ورجال الأعمال أعلنوا منتصف الأسبوع الماضي إضرابا تجاريا شاملا في قطاع غزة لنفس السبب.
ويقول مسئولون واقتصاديون محليون إن جميع الواردات إلى قطاع غزة عبر معبر (كرم أبو سالم/كيرم شالوم) التجاري مع إسرائيل تراجعت بشكل حاد خلال الأشهر الأخيرة.
ويوضح رئيس لجنة تنسيق إدخال البضائع إلى قطاع غزة التابعة للسلطة الفلسطينية رائد فتوح ل(شينخوا) أنه "في الشهور الأربعة الأولى من العام الماضي كان يدخل من 800 إلى ألف شاحنة يوميا إلى قطاع غزة لكن الرقم ظل يتراجع طوال الأشهر الستة الماضية حتى وصل لأقل مستوى حاليا".
ويضيف فتوح "نسجل هذه الأيام دخول 300 إلى 350 شاحنة يوميا، فيما التراجع في الواردات طال كافة السلع والأصناف بسبب ضعف القدرة الشرائية في الأسواق المحلية، كما يبلغنا التجار".
ودفع ذلك بتوجيه فعاليات فلسطينية دعوات إلى الاجتماع الطارئ للجنة تنسيق مساعدات الدول المانحة لفلسطين المنعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل اليوم من أجل التدخل العاجل لإنقاذ اقتصاد غزة من خطر الانهيار.
وحثت جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في غزة في رسالة وجهتها إلى الاجتماع على "التدخل الفوري لإنقاذ اقتصاد غزة من حالة انهيار كامل ستطاله في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي وعدم تقديم أي مساعدة وحلول لإنعاشه".
وطالبت الرسالة بضرورة تقديم المساعدة العاجلة للقطاع الخاص في غزة "الذي يعتبر المشغل الرئيسي في قطاع غزة بنسبة 70 بالمائة في ظل وجود مئات آلاف العاطلين عن العمل".
وفي السياق، دعت اللجنة الشعبية الفلسطينية لمواجهة الحصار على غزة اجتماع المانحين إلى ضرورة توجيه دعم خاص لإنقاذ قطاع غزة من مخاطر الانهيار.
وقال بيان صادر عن اللجنة إن الدعم المنشود يجب أن يتمثل في إكمال اعادة إعمار المنازل المدمرة "حيث 30 بالمائة من المنازل المدمرة كليا خلال الهجوم الإسرائيلي عام 2014 ما زالت دون تمويل إلى جانب دعم قطاع الكهرباء والصحة".
وشدد البيان على ضرورة العمل على رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة بشكل كامل وسريع "باعتبار ذلك الضمانة لإنقاذ الواقع الكارثي في غزة خاصة في ظل تدهوره بشكل متسارع ومخيف وكارثي".
ويفرض على قطاع غزة حصارا إسرائيليا مشددا يتضمن قيودا مشددة على حركة المعابر البرية ومسافة الصيد البحرية منذ منتصف عام 2007 أثر سيطرة حماس على الأوضاع في القطاع بالقوة.
ودفعت سنوات الحصار المتتالية إلى تفاقم أزمات نقص الخدمات الأساسية لسكان قطاع غزة وأن تصبح نسبة البطالة في أوساطهم من بين الأعلى في العالم كما سبق أن أعلن البنك الدولي.
وحذر مركز (الميزان) لحقوق الإنسان الذي يتخذ من غزة مقرا له، من أن الأوضاع الإنسانية في القطاع "تشهد تدهورا متسارعا وغير مسبوقا بات يهدد بانهيار وشيك للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل يهدد حق الإنسان في الحياة".
ونبه المركز في تقرير له إلى "التراجع المتسارع في مستويات المعيشة وفي الخدمات الأساسية التي لا غنى عنها لحياة السكان في غزة مثل الرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي وصحة البيئة".
وقال "كما يهدد التراجع المتسارع في أوضاع المعيشة حق البشر في هذا المكان من العالم بالحياة، الأمر الذي ينذر بتداعيات اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية بالغة الخطورة ويصعب التنبؤ بحدودها".
وأضاف "ربما يشكل تقليص عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تعتبر المزود الأكبر للخدمات الأساسية في قطاع غزة ضربة قاضية، تفضي إلى الانهيار التام للأوضاع الإنسانية في قطاع غزة".
وعليه طالب المركز الحقوقي بتدخل فاعل وعاجل من المجتمع الدولي لإنقاذ الحياة في غزة والحيلولة دون تداعيات أمنية وسياسية واجتماعية ستهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.
وشدد المركز على أن تجاهل المجتمع الدولي للتقارير التي أشارت إلى أن قطاع غزة لن يصبح مكانا صالحا للحياة في العام 2020، وعدم اتخاذ خطوات فعالة لمنع الوصول إلى هذه الحالة أسهم في وصول القطاع إلى هذا الوضع بهذه السرعة.
ونبه إلى أن قطاع غزة سيشهد كارثة لن يكون بالمقدور تحملها خلال أشهر إذا ما استمر تجاهل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعصف به، وأن التعامل مع المشكلات القائمة وحلها أقل كلفة من التعامل مع تداعياتها.