مقالة : توسع العملية التركية في عفرين يهدد بمواجهة محتملة مع القوات الأمريكية

أنقرة 29 يناير 2018 / تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأحد بتطهير الحدود مع سوريا من "الإرهابيين"، وهي خطوة قد تزيد من خطر مواجهة محتملة بين القوات التركية والأمريكية في هذا البلد الذي مزقته الحرب، هكذا قال خبراء أتراك.

وذكر نائب رئيس الوزراء التركي والمتحدث باسم الحكومة بكير بوزداج يوم الاثنين، وهو اليوم العاشر من عملية التوغل التركية، أن القوات الأمريكية سيتم استهدافها إذا ما امتزجت مع المقاتلين الأكراد.

بيد أنه اعتبر خطر نشوب صراع وجها لوجه يحمل "احتمالية ضئيلة" في العملية الكبرى التي شنها الجيش التركي والجيش السوري الحر يوم 20 يناير لطرد المقاتلين الأكراد من شمالي سوريا.

وتحالف المقاتلون الأكراد مع القوات الأمريكية في المعارك ضد تنظيم (داعش).

وذكر إرسان سين أستاذ القانون في جامعة مرمرة بإسطنبول خلال برنامج حواري أن "وقوع اشتباك عسكري بين تركيا والولايات المتحدة في سوريا سيضع نهاية للناتو"، الحلف العسكري الذي تعتبر الدولتان عضوتان فيه.

وأكد سين أن تركيا تقاتل من أجل أمنها الوطني في سوريا ضد ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبر إرهابية ويشتبه في تشكيلها سلطة أمر واقع على الحدود التركية، وسط حالة إحباط عميقة وانعدام للثقة بين الشريكتين بالناتو اللتين تتمتعان بـ"شراكة إستراتيجية".

وأضاف قائلا إنه فقط إذا ما نجحت تركيا، يمكن أن يكون هناك نوع من الانفراجة في العلاقات التركية - الأمريكية المتوترة عن طريق الحوار المكثف.

جاء هذا التعليق وسط تصريحات جديدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تعهد بتطهير الحدود التركية الممتدة لمسافة 900 كم من وجود وحدات حماية الشعب الكردية، في إشارة إلى أن الهجوم التركي في منطقة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد قد يمتد لمسافة 100 كم شرقا حتى مدينة منبج حيث تتمركز القوات الخاصة الأمريكية.

ولدى حديثه إلى أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، تجاهل أردوغان دعوات الولايات المتحدة تركيا إلى الحد من التوغل، قائلا إن البلدة القادمة التي سيتم استهدافها بعد جيب عفرين الكردي، ستكون منبج، ما يرفع إمكانية جر القوات الأمريكية إلى القتال الدائر بين الأتراك والأكراد السوريين.

وذكرت القوات المسلحة التركية أنه في يوم الأحد، بعد عدة أيام من الانجرار في الوحل وسوء الأحوال الجوية في المناطق الجبلية، كثفت تركيا من عملية غصن الزيتون، حيث استولت على مرتفع بارسايا الإستراتيجي قرب بلدة عزاز الحدودية.

وقد تدهورت العلاقات التركية مع الولايات المتحدة بسبب الدعم العسكري الذي تقدمه الأخيرة لوحدات حماية الشعب الكردية، التي تقول أنقرة إنها فرع لحزب العمال الكردستاني المحظور.

ودعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أردوغان في الأسبوع الماضي إلى "عدم تصعيد" الهجوم الذي تشنه قواته في سوريا، معربا عن قلقه وداعيا إلى الحد من عملية التوغل.

غير أن الأتراك رفضوا صيغة بيان لاحق صدر عن البيت الأبيض ولكن التصريحات المتكررة للمسؤولين الحكوميين في أنقرة صبت الوقود على النار في مسألة توسيع الهجوم تجاه منبج حتى أنهم دعوا الولايات المتحدة إلى "العمل فورا على سحب" قواتها هناك.

وقال أردوغان لأعضاء حزب العدالة والتنمية "سنقوم بتخليص منبج من الإرهابيين، كما وعدنا من قبل. وسوف تستمر معاركنا حتى لا يترك أي إرهابي على حدودنا مع العراق"، متعهدا بأن تمنع العملية الأكراد من تشكيل ممر والوصول إلى البحر الأبيض المتوسط.

وتعهد الرئيس التركي بأنه عقب إقامة منطقة آمنة، ستقوم الحملة باجتثاث المقاتلين الأكراد وإعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات في المنطقة.

وقد تم شن الهجوم التركي بعد أيام من إزاحة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الستار عن إستراتيجية مثيرة للجدل معنية بتشكيل قوة حدودية يقودها الأكراد في سوريا وبالتالي وجود بلا نهاية في سوريا.

ويعتقد بعض الخبراء أن نزاعا أكبر سيلوح في الأفق إذا ما قرر أردوغان إرسال قواته إلى منبج، التي حررت من قبضة تنظيم داعش في 2016.

وأعلنت روسيا، اللاعب الرئيسي في سوريا والتي تسيطر على السماوات في عفرين، وإيران وحكومة الأسد اختلافها العميق مع التصريحات الأمريكية الأخيرة، لتصبح القضايا أكثر تعقيدا.

لكن في حديثه إلى أعضاء حزب العدالة والتنمية، عرض أردوغان بانجاز عملية أكبر بكثير مقارنة بما تعهد من قبل، ما يشير إلى استعداده لتوجيه الأوامر للقوات التركية مع الآلاف من المتمردين السوريين المتحالفين لعبور الشمال السوري في الطريق إلى العراق.

ولدى الولايات المتحدة 2000 جندي في سوريا، ويتمركز مئات منهم قرب منبج ومن شأن المواجهة المحتملة مع القوات التركية أن تؤدي إلى سيناريو كابوسي.

وقال اويتون أورهان، الخبير السوري بمركز "أورسام" للأبحاث بأنقرة،"هناك فرصة ضئيلة للمواجهة العسكرية بين تركيا والولايات المتحدة، لكن لو وقعت فسوف تدمر ما يدافع عنه الناتو".

ويعتقد أورهان أن عملية تركيا في عفرين لو أتت بنتائج ناجحة، فإن أنقرة وواشنطن ستبحثان عن طرق دبلوماسية لإيجاد تسوية بشأن جبهة منبج.

وأضاف أن "تركيا والولايات المتحدة لا تريدان التصادم عسكريا في سوريا، واعتقد أن واشنطن ستقوم في نهاية المطاف بتعديل إستراتيجيتها من أجل معالجة شواغل تركيا الأمنية".

وبدوره، قال ماتين غوركان، الخبير الأمني التركي، إن البيروقراطيين السياسيين والأمنيين في أنقرة يتفقون ويصرون تماما على العملية أولا إلى مبنج ثم إلى شرق نهر الفرات لتقويض التعاون الأمريكي مع وحدات حماية الشعب الكردية.

بيد أن الضابط السابق أضاف في مقالة له مؤخرا على موقع ((المونيتور)) الإعلامي إنه "كلما طالت العملية وتمددت وتضمنت المزيد من الأراضي-- ولاسيما لو أدت إلى مواجهة مع الولايات المتحدة، فمن المرجح أن تضر باقتصاد تركيا واستقرارها".

وتتمتع عملية غصن الزيتون بدعم واسع من الرأي العام في تركيا وسط جنون إعلامي مؤيد للحملة التي ينظر إليها مؤيدو أردوغان على أنها حرب ضد الطموح الأمريكي في الشرق الأوسط.

وقالت السلطات التركية إن 597 إرهابيا و5 جنود أتراك قتلوا في الاشتباكات حتى الآن.

وإذا لم تضع واشنطن وأنقرة آلية لخفض التصعيد،" فقد تتحول الأمور إلى فوضي في حال وسعت تركيا العملية إلى منبج، إذ ربما تتصادم القوات التركية والأمريكية"، حسبما حذر المحلل بمجموعة الأزمات الدولية نوح بونسي في تعليق له مؤخرا.

وهذا السيناريو قد يتسبب بخسائر بالغة للعلاقات بين الشريكين، وفقا للخبير، مؤكدا أن واشنطن تحتاج إلى تعاون تركيا للعب دورها في تسوية الحرب السورية والوصول إلى تنازلات مع أنقرة.

ولتحقيق ذلك، تريد تركيا من واشنطن أن تتوقف عن تسليح وحدات حماية الشعب فورا وتبدو واشنطن مدركة جيدا إصرار أردوغان على تطهير الحدود التركية من المقاتلين الأكراد، وفقا لمصادر تحدثت إلى وكالة ((شينخوا)).