بدأت العلاقات الصينية العربية تسلك منحى النمو الأسرع لها منذ قيام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة تاريخية إلى الشرق الأوسط حيث زار كل من السعودية ومصر وإيران على الترتيب في يناير 2016 في جولته الخارجية الأولى بالعام ذاته.
ومنذ ذلك الحين حقق التبادل الثنائي اختراقات جديدة بالتزامن مع تعزز التعاون البيني في شتى المجالات.
بروز المكانة العربية في الدبلوماسية الصينية
بات من الواضح أن الصين حريصة على توجيه دعوات إلى الدول العربية للمشاركة في الأنشطة الدولية المقامة على أرضها،وليس أدل على ذلك من حضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قمة شيامن لدول البريكس التي عقدت في مدينة شيامن الصينية في سبتمبر 2017. وبذلك ظهرت الدول العربية لأول مرة في هذا الملتقى الدولي، ما يجسد اهتمام الصين بتقوية التعاون مع العالم العربي على الدوام.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس المصري السيسي قد قام بأربع زيارات إلى الصين في أقل من 3 سنوات، إذ قام بزيارة دولة إلى الصين في ديسمبر 2014 ثم زار الصين في سبتمبر 2015 لحضور العرض العسكري الضخم بمناسبة الذكرى الـ70 لانتصار الصين في حرب المقاومة الشعبية ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية. ووصل السيسي إلى الصين في سبتمبر 2016 لحضور قمة هانغتشو لمجموعة العشرين.
وفي نوفمبر 2017، قام الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله بزيارة دولة إلى الصين كأول رئيس أفريقي يزور الصين بعد المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني. وتمت إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين أثناء هذه الزيارة. هذا وأقامت الصين علاقات شراكة استراتيجية مع 10 دول عربية.
إلى ذلك، قام العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة دولة إلى الصين في مارس الماضي حققت نتيجة ملموسة، حيث وقع البلدان مذكرات تفاهم واتفاقيات تعاون بقيمة هائلة.
تعمق التعاون في بناء الحزام والطريق
لاقت مبادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس شي في العام 2013 تجاوبا كبيرا من الجانب العربي وتم توقيع اتفاقيات تعاون بين الصين وعدة دول عربية مثل الكويت والسعودية ومصر في هذا الإطار.
وقال رائد خوري وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني على هامش معرض الصين والدول العربية 2017 إن مبادرة الحزام والطريق تهدف إلى تنشيط طريق الحرير القديم في العصر الحالي، وقد حظيت بتقدير من جميع الأطراف، بما فيها لبنان.
ففي منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي الذي عقد في مايو 2017 بالعاصمة الصينية بكين، تم توقيع اتفاقيات تعاون بين الصين والدول العربية بما فيها لبنان والعراق وسوريا ومصر والإمارات والسعودية وتونس وفلسطين. وغطت هذه الاتفاقيات مجالات متنوعة مثل الاقتصاد والتجارة والبنية التحتية والطاقة والقدرة الإنتاجية والزراعة والتمويل والإعلام والثقافة.
وفي تطور آخر، حصلت الدول العربية على 7 مقاعد من بين الدول الأعضاء المؤسسة الـ57 للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي يعد آلية هامة لبناء الحزام والطريق.
وفي ضوء الجهود الصينية العربية المشتركة، حقق التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي ثمارا وفيرة حيث بلغ حجم التجارة الثنائية 171.14 مليار دولار أمريكي في عام 2016، علما بأن الصين قد صارت ثاني أكبر شريك تجاري للعالم العربي ككل، فيما تعد أكبر شريك تجاري لتسع دول عربية مثل السعودية ومصر والعراق وغيرها ، فضلا عن أن حجم التجارة بين الصين وكل من السعودية والإمارات والعراق وعمان ومصر قد تجاوز عشرة مليارات دولار أمريكي في عام 2016.
ومن جهة أخرى، بلغت قيمة المشروعات التي تعاقدت عليها الشركات الصينية في الدول العربية 40.37 مليار دولار أمريكي بزيادة 40.8 بالمائة على أساس سنوي، وهو ما شكل 16 بالمائة من إجمالي العقود الجديدة في العالم كله.
كما تسارعت وتيرة بناء الصين لمناطق تعاون اقتصادية وتجارية في الدول العربية، حيث قامت بتأسيس مجمعات صناعية حديثة في مصر والسعودية وعمان والإمارات من أجل تعزيز التعاون في مجال القدرة الإنتاجية .
بروز التعاون التكنولوجي مع تعزيز الصين لانفتاحها
طرح الرئيس شي معادلة تعاون تتمثل في 1+2+3 بين الجانبين الصيني العربي في يونيو 2014، وتتضمن محتوى رئيسي يتمثل في التعاون في مجال الفضاء والأقمار الاصطناعية .
ومنذ ذلك الحين تعزز التعاون الثنائي في هذا المجال، حيث تم إبرام اتفاقية بين الصين ومصر بشأن التعاون في بناء مركز اختبار وتكامل وتجميع الأقمار الصناعية لصالح الأخيرة في إطار المساعي الصينية الرامية إلى مساعدة مصر على تطوير صناعة الأقمار الاصطناعية .
وعلى صعيد متصل، لفت نبأ كبير أنظار الصينيين والأجانب في ديسمبر الماضي، حيث نجحت الصين في وضع أول قمر صناعي جزائري للاتصالات في مدار أرضي، ما يعكس تنوع وتعمق التعاون العلمي والتكنولوجي بين الصين والدول العربية.
وقال الرئيس شي في رسالة تهنئة إلى نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة نجاح إطلاق القمر الصناعي (الكومسات-1)، إن هذا المشروع علامة مهمة على الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والجزائر، التي بدأت من قبل في التعاون في مجال الفضاء الجوي بين الصين والدول العربية وستلعب دورا مهما في تعزيز التنمية الاقتصادية في الجزائر وتحسين معيشة المواطنين والتقدم الاجتماعي.
وفي الوقت ذاته، حظي نظام بيدو الصيني للملاحة عبر الأقمار الصناعية باهتمام كبير من جانب الدول العربية حيث تم عقد جلسة بهذا الشأن بين الصين والسعودية في الرياض في أبريل الماضي. وبمقتضى بيان للدورة الأولى لمنتدى التعاون الصيني العربي حول نظام بيدو، فإن هذا النظام سيقدم خدمات أساسية إلى دول الحزام والطريق بما فيها الدول العربية بحلول أواخر العام 2018 بما يفيد قطاعات النقل والزراعة الأمن العام في هذه الدول.
وفي ضوء ما سلف ذكره، بات جليا أن التعاون الصيني العربي في مجال العلوم والتكنولوجيا سيشهد تعمقا أكبر في المستقبل القريب.
علاوة على ذلك، حقق الجانبان الصيني العربي اختراقات في قطاعات أخرى، ومنها القطاع المالي، على سبيل المثال، حيث بدأت التداول المباشر بين اليوان الصيني والعملتين الإماراتية والسعودية في سبتمبر 2016 بما ييسر التجارة والاستثمار الثنائي، بينما أضحى اليوان الصيني أحد العملات الرئيسية المتداولة في مصر.
الجدير بالذكر أنه تم افتتاح مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية في أبريل 2017، ومقره في جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي الصينية، الأمر الذي يعتبر علامة هامة في مسيرة العلاقات الصينية العربية وسيسهم في دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين والدول العربية وكذا تحقيق الفوز المشترك بين الجانبين.