بكين 7 يناير 2018 / "إن الأهمية الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط في تزايد مستمر بالنسبة للصين، فهي منطقة محورية في ظل مسعى الصين إلى دفع مبادرة الحزام والطريق. والآن وفي هذه اللحظة الفارقة، تقف الصين أمام فرصة تاريخية لتعميق الترابط الإستراتيجي بينها وبين المنطقة على المدى الطويل"، هكذا قال الخبير الصيني المخضرم في شؤون الشرق الأوسط لي شاو شيان.
وذكر الباحث لي شاو شيان، رئيس معهد دراسات الشؤون العربية بجامعة نينغشيا الصينية ونائب رئيس الأكاديمية الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة سابقا، إن السنوات المقبلة ستشهد قوة أكبر في درجة الترابط بين الصين والشرق الأوسط ، مشيرا إلى أن مصالح الصين في الشرق الأوسط تتمثل في ثلاثة جوانب رئيسية ألا وهي المصالح الإستراتيجية والاقتصادية والأمنية.
وبدأ لي شاو شيان بالحديث عن المصالح الإستراتيجية للصين في الشرق الأوسط، قائلا إنها صارت تكتسب أهمية أكبر فأكبر في ظل دفع الصين لمبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ21 التي تعرف اختصارا بـ(الحزام والطريق)، فنقطة التقاء الحزام والطريق تقع في منطقة الشرق الأوسط التي يرتبط الوضع فيها بهذه الإستراتيجية الصينية ارتباطا كبيرا، مشيرا إلى أن الشرق الأوسط،بوصفه يشغل مكانة جيوسياسية بالغة الأهمية في عالم اليوم، يحمل تأثيرا لا يستهان به على بقية بقاع الأرض في ضوء ما يعج به من اضطرابات واتجاهات متغيرة، كما إن له تأثير عميق بشكل خاص على البيئة الدولية التي تقوم الصين بالعمل على إصلاحها وانفتاحها. وبطبيعة الحال، فإن هذا الترابط الإستراتيجي هو أكثر مباشرة وعمقا في الوقت الحاضر لأن الصين تحتاج الآن إلى مساعدة الشرق الأوسط لتعزيز وتنفيذ مبادرتها الإستراتيجية الكبرى.
ومن ناحية أخرى، ذكر الباحث الصيني أن المصالح الاقتصادية للصين في الشرق الأوسط تنقسم إلى شقين، أولهما: أن الشرق الأوسط يعد بقعة غنية بمصادر الطاقة مثل النفط والغاز الطبيعي بالنسبة للصين. فواردات الصين من النفط تتجاوز حاليا 60% من إجمالي احتياجاتها من النفط ومن المتوقع أن تصل إلى 70% في عام 2020، مضيفا أنه في إطار سعى الصين الحثيث إلى تطوير الطاقة النظيفة واستخدام الغاز الطبيعي بدلا من الفحم، فمن المتوقع أن تعزز التعاون في استيراد الغاز الطبيعي من منطقة الشرق الأوسط ولاسيما الخليج العربي حيث تعد هذه المنطقة أيضا مصدرا رئيسيا للغاز الطبيعي.
وثانيهما: أن الشرق الأوسط يعد سوقا ضخمة. ففي عام 2016 وصل حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 230 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يصل إلى 500 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2020. كما تجدر الإشارة بصفة خاصة إلى أنه بعد الأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008، شهدت الصادرات الصينية إلى بعض أسواق التصدير التقليدية بالنسبة للصين مثل أوروبا واليابان وحتى الولايات المتحدة نموا سلبيا أو انخفاضا واضحا. ولكن صادرات الصين إلى الشرق الأوسط ظلت تسجل معدلات نمو كبيرة،حتى أنه في عامي 2010 و2011 اللذين شهدا ما يسمي بـ"الربيع العربي"، سجلت الصادرات الصينية إلى الشرق الأوسط نموا تجاوز 10% على أساس سنوي، ومن هنا يتضح أن هذا الإقليم يعد من الأسواق الواعدة في العالم في وقتنا الحاضر.
وعلاوة على ذلك، لفت لي شاو شيان إلى أن المصالح الأمنية للصين ترتبط ارتباطا وثيقا بالشرق الأوسط ويزداد هذا الارتباط يوما بعد يوم، مفسرا أن معظم سكان منطقة الشرق الأوسط ينتمون للأمة العربية التي تعتنق غالبية شعوبها الدين الإسلامي وبالتالي يعد الشرق الأوسط قلب الإسلام، ذلك في الوقت الذي يتجاوز فيه عدد السكان المسلمين في الجزء الشمالي الغربي من الصين 20 مليون نسمة. ومن هنا يتضح أن الوضع الأمني والاستقرار في شمال غرب الصين يرتبط بشدة بالشرق الأوسط.
وتوقع الخبير الصيني المخضرم أن يمر الوضع في الشرق الأوسط بوجه عام خلال المدة من السنوات الخمس إلى العشر المقبلة بثلاث فترات، أولها: فترة إعادة بناء النظام السياسي في المنطقة، أي فترة إعادة هيكلة النظام السياسي في الشرق الأوسط بعد الانهيار؛ وثانيها: فترة التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي. في سياق التغيرات الجذرية التي يعيشها العالم العربي، وهو تحول سيأتي عاجلا أم آجلا، وثالثها: فترة استعادة التوازن بين القوى الجيوسياسية، فبعدما أصاب الهيكل الجيوسياسي في الشرق الأوسط الخلل وصار غير متوازن إلى حد كبير،لا بد من عودته تدريجيا إلى الوضع المتوازن من أجل الخروج من حالة الفوضى الراهنة.