غزة 11 أبريل 2017 / يهدد خصم جزء من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة بما يتجاوز 30 في المائة بزيادة حدة التدهور الاقتصادي وركود الحركة التجارية في القطاع المحاصر إسرائيليا منذ عشرة أعوام، بحسب مختصين اقتصاديين.
وعزت حكومة الوفاق الفلسطينية بدء فرضها خصومات على رواتب موظفي السلطة في غزة إلى معاناتها من ضائقة مالية جراء تراجع المساعدات الخارجية وإلى تداعيات الانقسام الفلسطيني الداخلي.
ويقول رئيس جمعية رجال الأعمال في قطاع غزة علي الحايك، إن الإجراء الحكومي بخصم رواتب موظفي في غزة من شأنه مفاقمة "الأزمات المتشعبة" التي يعانيها الاقتصاد المتعثر أصلا في القطاع.
ويشير الحايك إلى "انعكاسات خطيرة متوقعة أن تلحق في الدورة الاقتصادية في قطاع غزة جراء الخصومات على رواتب موظفي السلطة في غزة، خاصة في ظل التدهور الاقتصادي الحاصل منذ عشرة أعوام ومعدلات الفقر والبطالة".
وينبه إلى أن قطاع غزة بحاجة إلى مضاعفة ضخ المساعدات المالية لمختلف فئاته، وليس الإقدام على الخصم من الرواتب "بما تمثله من شريان حيوي للحركة التجارية والانعاش الاقتصادي شهريا".
وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة الذي يقطنه ما يزيد عن مليوني نسمة منذ منتصف عام 2007 إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الأوضاع فيه بالقوة بعد جولات اقتتال مع القوات الموالية للسلطة الفلسطينية.
ويتضمن الحصار الإسرائيلي قيودا على عمل المعابر سواء لحركة الأفراد أو البضائع.
ودفعت سنوات الحصار المتتالية إلى تفاقم أزمات نقص الخدمات الأساسية لسكان قطاع غزة وأن تصبح نسبة البطالة في أوساطهم من بين الأعلى في العالم بحيث وصلت إلى حوالي 42.7 في المائة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ويقول الخبير الاقتصادي من غزة حامد جاد إن ركودا حادا طرأ على الحركة التجارية العامة في القطاع منذ فرض خصومات على صرف رواتب موظفي السلطة في غزة عن شهر مارس الماضي.
ويضيف جاد أن خصم رواتب موظفي السلطة "يمس جميع القطاعات التشغيلية والإنتاجية في غزة، ويؤثر سلبا على دورة الحركة التجارية وعملية الإنتاج اللتين تعتمدان على ما يتوفر من سيولة نقدية من رواتب الموظفين الحكوميين".
ويشير جاد إلى أن هذا التطور سيعمل على تراجع الإنتاج المحلي وتقنين الاستيراد من الخارج نتيجة انخفاض المشتريات واقتصارها المتوقع على الحد الأدنى الذي يلبي الاحتياجات الاستهلاكية الأساسية.
وينبه إلى أن النشاط الاقتصادي العام في قطاع غزة يقوم أساسا على الطابع الاستهلاكي البحت نتيجة الحصار الإسرائيلي وحظر دخول المواد الخام، وبالتالي فإن تراجع الحركة الشرائية ينبئ بمزيد من التراجع في العجلة الاقتصادية المتعثرة أصلا.
وبحسب الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، فإن عدد موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة يقدر بنحو 58 ألف موظف (مدني، وعسكري)، تقدر فاتورة رواتبهم بمبلغ 21 مليون دولار أمريكي.
ويؤكد مسؤول الإعلام في غرفة تجارة وصناعة غزة ماهر الطباع، أن خصم رواتب موظفي السلطة في غزة سيدفع "بتداعيات خطيرة وكارثية" على كافة مناحي الحياة في القطاع في ظل ما يعانيه من أزمات متراكمة.
ويقول الطباع إن الخطوة تنذر بخلل كبير في حركة دوران السيولة النقدية ونقصها من الأسواق ما من شأنه مفاقمة الأوضاع الاقتصادية والتسبب بمزيد من الركود التجاري وارتفاع معدلات البطالة القياسية أصلا.
ويضيف أنها تهدد كذلك بزيادة مصاعب التجار وزيادة كبيرة في أزمة الشيكات المرجعة – التي تسجل معدلات عالية أصلا- وعدم الالتزام بتسديد الأقساط والعديد من المشاكل الاجتماعية نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية للعائلات.
وينبه اقتصاديون خصوصا إلى أن الغالبية العظمى من موظفي السلطة الفلسطينية في غزة مدانون أصلا بقروض للبنوك المحلية، وخصم رواتبهم سيزيد من سوء أوضاعهم الاقتصادية ويؤثر سلبا على مساهمتهم في الحركة التجارية العامة.
وبهذا الصدد، يقدر رئيس تحرير صحيفة (الاقتصادية) المحلية في غزة محمد ابو جياب، عدد المقترضين من البنوك بـ 85 في المائة من إجمالي موظفي السلطة في غزة، وهم يتعرضون لخصم شهري لصالح أقساط القروض بين 40 إلى 50 في المائة من رواتبهم الشهرية.
ويقول ابو جياب ل(شينخوا) إن الخصم الحكومي على رواتب هؤلاء سيزيد من حرمان السوق المحلية في غزة من السيولة النقدية، ويزيد من الانعكاسات السلبية والخطيرة على المجالين التجاري والاقتصادي في القطاع.
ويضيف أن هذا التطور يهدد بالمزيد من التراجع في القوة الشرائية المنهكة أصلا، وتخلف الموظفين عن سداد ديونهم المنظمة وفقا لإيراداتهم قبل الخصم، إلى جانب زيادة الأعباء الملقاة على القطاع التجاري ورجال الأعمال، إضافة إلى تراجع الإيرادات الضريبية الحكومية.
ويهدد تراجع الإيرادات الضريبية للوزارات المختصة في غزة بالتأثير على صرف حركة حماس رواتب موظفيها في القطاع البالغ عددهم نحو 40 ألف موظف ويتقاضون أصلا ما نسبته 50 في المائة من رواتبهم شهريا منذ عدة أعوام.
وتتهم حكومة الوفاق التي تشكلت بموجب تفاهمات المصالحة الفلسطينية عام 2014 حركة حماس بعدم تمكينها من إدارة قطاع غزة والإبقاء على حكومة ظل تديرها، فيما تشتكى الحركة من "إهمال" الحكومة لمسؤولياتها في القطاع وعدم حل أزماته المتفاقمة.
وسبق أن أقرت حكومة الوفاق في 31 من شهر يناير الماضي الموازنة المالية للسلطة الفلسطينية للعام الجاري بقيمة 4.48 مليار دولار وفجوة تمويلية تبلغ 465 مليون دولار.
واشتكى مسؤولون فلسطينيون مرارا من تأثير "سلبي بالغ" على الاقتصاد الفلسطيني بفعل تراجع بنحو 70 في المائة للمساعدات الخارجية من الدول المانحة إلى الموازنة الفلسطينية.
لكن المختص الاقتصادي نصر عبد الكريم من الضفة الغربية، استبعد أن يؤدي خصم رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في غزة إلى إسهام فعلي في حل الأزمة المالية للحكومة.
ويقول عبد الكريم إن "أزمة الحكومة المالية وتراجع المساعدات الدولية لها ليس أمرا جديدا".
ورأى أن "خصم رواتب الموظفين لن يقود لحل الأزمة التي تقتضي المعالجة عبر طرق ووسائل أخرى، منها تطبيق سياسة تقشفية وخفض للنفقات وليس عبر سياسة انتقائية"، في إشارة إلى تطبيق خصم الرواتب على موظفي السلطة الفلسطينية في غزة دون الضفة الغربية.
ويعتبر عبد الكريم أن الحكومة مطالبة بالتقشف وفق خطة ومعايير واضحة، فيما أن توفير بضعة ملايين من فاتورة رواتب موظفي السلطة في غزة لن يقدم الكثير في سبيل حل الأزمة المالية.