دمشق 2 يناير 2017 /تعاني مدينة دمشق ، والتي يعني اسمها باللغات القديمة "مدينة المياه " ، منذ أكثر من عشرة أيام تقريبا من شح شديد في المياه ، الأمر الذي انعكس سلبا على حياة سكانها ، فجعلهم يحارون في تأمين المياه في هذه الأيام .
ولم يخطر في بال الناس من هذه المدينة الغنية بالمياه في يوم من الأيام أنها ستكون محرومة من شيء تشتهر به مدينتهم ، خاصة وأن عين الفيجة الذي يسيطر عليها المسلحون في شمال غرب دمشق يضخ ما يقرب من 1000 لتر من ماء الشرب في الثانية في فصل الربيع ، وهذه المياه التي يقال إن طعمها أفضل من أي مياه للشرب في العالم.
ولعل الأمطار الغزيرة التي تسقط على سوريا في فصل الشتاء والتي من المفترض أن ترفع مستوى الينابيع فيها ،وخاصة نبع عين الفيجة بريف دمشق الشمالي الغربي ، لكن للأسف هذه الامطار الغزيرة تسيل في شوارع دمشق ، في حين أن الصنابير في البيوت جافة.
ويبدو أن هذا المأزق الذي زاد من حدة معاناة سكان دمشق ، إلى جانب العديد من الأزمات التي يعاني السوريون بشكل عام في سوريا في فصل الشتاء ومنها أزمة الغاز ووقود التدفئة وتقنين الكهرباء ، ولكن اتضح أن هذه الأزمات ليست مشكلة كما هي مشكلة انقطاع المياه في ظل الصراع المستمر منذ نحو ست سنوات في البلاد .
وتم قطع المياه منذ 22 ديسمبر الماضي ، عندما قطع مقاتلو المعارضة المسلحة ضخ المياه عن العاصمة للضغط على قوات الحكومة السورية للخضوع لمطالبهم في إنهاء المعارك في وادي بردى، حيث يقع نبع الفيجة الذي يغذي العاصمة دمشق بالماء .
وألقت الحكومة السورية اللوم على مقاتلي المعارضة المسلحة حيث قامت بوضع مادة المازوت ( الديزل ) في مياه النبع ، وقامت الحكومة بقطع المياه عن السكان بهدف معالجة الوضع ، في حين اتهم مقاتلو المعارضة المسلحة ، الجيش السوري بقصفه نبع الفيجة ، وجعله خارج الخدمة .
وقد لجأت الحكومة السورية إلى الآبار الاحتياطية لتأمين أجزاء من احتياجات الناس من المياه ، وتوزيعها عبر صهاريج إلى المنازل بشكل مجاني .
ولكن مع مرور أكثر من عشرة أيام على انقطاع المياه عن العاصمة دمشق لايزال المشهد قاسي ، ومعاناة الناس تزداد يوميا بعد يوم ككرة الثلج ، مع غياب شبه كلي لمعالجة هذه المشكلة بسبب وقوع نبع الفيجة تحت سيطرة المسلحين واندلاع اشتباكات ضارية هناك ما يهدد بواقع مرير في الأيام القادمة .
ويقضي نادر رشدي، وهو مهندس متقاعد يبلغ من العمر 60 عاما ، يعيش في حي المزة غرب دمشق، معظم وقته في المطبخ يمشي ذهابا وإيابا وينظر إلى صنبور المياه ، عله يجد ضالته " الماء " الذي بات يحلم به سكان دمشق ، لملء اسطوانات فارغة بالمياه .
وقال " المياه تأتي ساعة كل أربعة أيام، وهذا يتطلب مني الانتباه لترقب مجيء المياه إلى منزلي لملء كل الاسطوانات الفارغة كي تكفي لمدة أربعة أيام قادمة " .
وأضاف "عندما تأتي المياه، يقرع الباب على جاره بحيث كل منهما يساعد الأخر في ملء الاسطوانات ووضعها في خزان كبير على سطح البناية .
وانتشرت مشاهد في شوارع دمشق الناس وهم يحملون صفائح الماء وزجاجات المياه ، ويصطفون قرب الحدائق العامة لملء أوعيتهم بالماء في جميع أنحاء المدينة.
وينتظر الطبيب أيمن محمد، مع أولاده وقتا طويلا كي يملؤون أوعيتهم الخاصة ، ليتغلبوا على أزمة المياه الخانقة في دمشق .
وأضاف يقول " لقد عانينا ساعات طويلة من انقطاع الكهرباء وندرة متكررة في غاز الطهي، ولكننا لم نشعر قط بوطأة المر إلا عندما انقطعت المياه شعرت بهذا الوضع الرهيب".
ومن جانبها قالت هناء سالم ، وهي سيدة سورية تعيش في حي كفر سوسة ، " نعيش هذه الأيام أقسى أزمة مرت علينا خلال السنوات الماضية " ، مؤكدة " لا يمكننا أن نعيش بدون مياه لفترة أطول " .
وأضافت " لدي أطفال صغار ، وهناك استهلاك كبير للمياه " ، لافتة إلى أنها قامت بشراء صهريج مياه يتسع لألف ليتر بـ 25 الف ليرة سورية أي ما يعادل 45 دولارا يكفي لمدة أربعة أيام ، مؤكدة أنها " لا تستطيع أن تشتري بشكل دائم صهريج كل أربعة أيام " .
ولتهدئة مخاوف الشعب، فتحت الحكومة مراكز لبيع المياه المعبأة في زجاجات بمعدل السعر الرسمي، لمنع احتكار محتمل من قبل التجار.
كما حددت الحكومة السورية مصادر المياه في العاصمة للناس لملء الحاويات الخاصة بهم مجانا.
ومع ذلك، فأن الجهود التي تبذلها السلطة لم تفلح في تعويض النقص الحاصل في المياه لأكثر من خمسة ملايين نسمة في دمشق، ووضع حد لهذه المشكلة خلال الأيام الماضية .
ويقوم الجيش السوري بقصف مكثف على مواقع المسلحين في وادي بردى خلال الأيام القليلة الماضية، وفقا لنشطاء، والمسلحين في وادي بردى ينتمون لتنظيم " جبهة النصرة " المرتبطة بالقاعدة، والتي استبعدت من وقف إطلاق النار الشامل الذي تم في سوريا منذ منتصف ليلة الجمعة الماضية .