رام الله/غزة 29 ديسمبر 2016 / انتقد الفلسطينيون بشدة خطاب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي ألقاه يوم أمس (الأربعاء) حول رؤية إدارته للصراع الفلسطيني الإسرائيلي رغم أنهم يرون أنه حمل بعض الإيجابيات، فيما اعتبرته إسرائيل منحازا ضدها.
وتحدث كيري في خطابه الذي جاء قبل نحو 22 يوما من تسليم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مهامها لإدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عن أن حل الدولتين "هو الطريق الوحيد للسلام العادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويمكن أن يؤمن مستقبل إسرائيل لتعيش بسلام وأمن مع جيرانها".
وقال كيري، إن "التوجهات على أرض الواقع من عنف وإرهاب وتحريض وتوسيع للمستوطنات واحتلال لا تبدو لها نهاية كلها أمور تدمر آمال السلام عند الطرفين وترسخ بشكل متزايد واقع دولة واحدة لا يمكن تغييره ولا يريده أغلب الناس".
ودعا كيري الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، إلى القبول بحل الدولتين وفقا لحدود عام 1967 مع إمكانية تبادل الأراضي وتعويض الفلسطينيين المتضررين.
ورأى كيري، أن القدس يجب أن تكون عاصمة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، مكررا دعوته للفلسطينيين إلى الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.
وفور انتهاء خطاب كيري أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بيانا تلاه أمام الصحفيين أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات أكد فيه على التزام الفلسطينيين "بالسلام العادل كخيار استراتيجي".
وقال عريقات، إنه "في حال وافقت الحكومة الإسرائيلية على وقف النشاطات الاستيطانية وبما يشمل القدس الشرقية، وتنفيذ الاتفاقات الموقعة بشكل متبادل، فإن القيادة الفلسطينية على استعداد لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي".
وأضاف إن استئناف مفاوضات السلام يجب أن يتم "ضمن سقف زمني محدد وعلى أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة بما فيها قرار مجلس الأمن الأخير 2334" الذي صدر الجمعة الماضية وندد البناء الاستيطاني الإسرائيلي وطالب بوقفه.
وأعرب عباس بحسب البيان، عن قناعته التامة "بإمكانية التوصل إلى حل عادل وشامل ودائم على أساس مبادرة السلام العربية والمرجعيات المحددة، وبما يضمن إنهاء الاحتلال بشكل تام ويؤدي إلى قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، تعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل، وبما يضمن حل قضايا الوضع النهائي وعلى رأسها اللاجئين والأسرى استنادا لقرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة".
وكان خطاب كيري جاء بعد تبنى مجلس الأمن الجمعة الماضية في جلسة تصويت له في نيويورك مشروع القرار المناهض للبناء الاستيطاني بأغلبية 14 صوتا مقابل امتناع دولة واحدة عن التصويت هي الولايات المتحدة الأمريكية.
وعقب وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي لوكالة أنباء ((شينخوا)) على خطاب كيري قائلا، إنه "لم يأت بأي جديد بل حاول أن يلخص تجربته في السنوات الأربع الأخير وتحديدا في فترة التسعة اشهر التي أشرف فيها على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية".
وأضاف المالكي، أن "هذه المواقف نوقشت، وهناك رأي فلسطيني حولها ولكن في الملاحظات السريعة التي يمكن الحديث حولها هو محاولة تمريره ليهودية دولة إسرائيل ضمن رؤية انتقائية عبر حديثه عن دولتين لشعبين يهودي وفلسطيني".
وأردف أن كيري "لا يستطيع أن يكون انتقائيا في قراءته لقرار الأمم المتحدة رقم (181) لعام 1947 وهو قرار التقسيم الذي تحدث عن دولتين فلسطينية ويهودية، ونحن ندعوه إذا كان يريد أن يتبنى القرار أن يتبناه برمته وبكل عناصره أما أن يكون انتقائي ويختار بندا من بنوده ويترك البنود الأخرى التي تتحدث عن المساحة الكلية التي تعطى دولة فلسطين فهذا غير مقبول".
وشدد المالكي، على أن الموقف الفلسطيني يقضي بأن أي ترتيبات أمنية للحل مع إسرائيل " لن تكون على الإطلاق على حساب الأرض والإنسان الفلسطيني بأي حال من الأحوال".
وأشار إلى أن عباس سبق أن أعلن موافقته على تواجد قوات دولية في الأرض الفلسطينية لفترة غير محددة وبأعداد غير محددة وبما فيها قوات من حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتوفر ضمانات أمنية لإسرائيل وفي نفس الوقت أيضا ضمانات أمنية لفلسطين.
وقال المالكي "نحن نعاني كثيرا من الجانب الأمني والانتهاكات الأمنية الإسرائيلية ونحن نشاهد يوميا كيف أن إسرائيل لم تلتزم بالتزاماتها حول اتفاقية اوسلو، وهناك خروقات يومية تتم عبر اجتياحات متكررة للمناطق الفلسطينية، بالتالي نحن بحاجة لكل الضمانات المطلوبة في الجانب الأمني عبر قوات دولية".
وأضاف "أما الحديث عن توفير الاحتياجات الأمنية المطلوبة لإسرائيل دون أن يتم ربطها بضمان أن الأرض الفلسطينية ستكون أرضا مستقلة محررة تماما من أي وجود إسرائيلي كان ذلك جنديا أو مستوطنا فهذه قضية يجب أن يتم حسمها".
بدورها، حذرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، من التعامل مع رؤية كيري بديلا عن قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني، أو اعتمادها مرجعية من مرجعيات الشرعية الدولية.
وعبرت الجبهة في بيان تلقت وكالة أنباء ((شينخوا)) نسخة منه، عن رفضها المطلق لما جاء في هذه الرؤية من "مس خطير" بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها عام 1948 وفق القرار 194، واعتماد التعويض والتوطين حلا بديلا لقضيتهم، كما رفضت أي تسويق للإعتراف بيهودية دولة إسرائيل، أو المس بمكانة القدس من خلال الدعوة لأن تصبح عاصمة لدولتين.
ودعت الجبهة الشعبية القيادة الفلسطينية، إلى "عدم الوقوع في شرك رؤية كيري التي تقوم في الجوهر على حماية الكيان الصهيوني والهبوط بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وإلى عدم العودة للمفاوضات بالرعاية الأمريكية، والتمسك بعقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات برعاية الأمم المتحدة لوضع آليات إنفاذ قراراتها في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة بعاصمتها القدس".
كما اعتبرت الجبهة العربية الفلسطينية في بيان تلقت ((شينخوا)) نسخة منه، أن خطاب كيري "لم يكن متوازنا" رغم أنه تضمن بعض الجوانب الايجابية بتأكيده أن الاستيطان غير شرعي، وأن القدس الشرقية هي أراضي محتلة عام 1967.
وقالت الجبهة في بيانها "كيف لكيري أن يستند الى القرار 181 ليخلص إلى التأكيد على يهودية دولة إسرائيل دون أن يخلص إلى النتائج الأخرى للقرار ذاته معتبرا أن القدس عاصمة لدولتين متناسيا ما أكده بأنها من الاراضي التي احتلت عام 1967 مما يعني ان القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة".
واعتبرت أن كيري "تجاوز في خطابه موضوع اللاجئين، ولم يتطرق إلى القرار 194 الذي يضمن عودة اللاجئين إلى أراضيهم التي هجروا منها وتعويضهم عما لحق بهم من ضرر".
وأشارت الجبهة، إلى أن خطاب كيري "لم يتناول مواقف الاحتلال وقادته الرافضة لقرارات الشرعية الدولية وخاصة بعد ردة فعل الحكومة الاسرائيلية على قرار مجلس الأمن الأخير المتعلق بالاستيطان والتي عبرت فيه وبشكل صارخ عن رفضها واستهتارها بقرارات مجلس الامن والمنظمة الدولية ورؤية المجتمع الدولي".
وتابعت الجبهة، أن هذه التأكيدات حول القدس والاستيطان "كان يجب أن يتبناها خلال فترة عمله كوزير للخارجية طوال السنوات الماضية الذي أبدى فيها عجزه عن ممارسة أي ضغط أو تأثير على إسرائيل لوقف سياساتها وضربها بعرض الحائط لكافة القرارات الدولية وللإرادة الدولية".
ودعت الجبهة القيادة الفلسطينية، إلى مواصلة الاشتباك السياسي والدبلوماسي مع إسرائيل والتوجه إلى كافة المحافل الدولية لمحاكمتها على "جرائمها" ولوضع قرار مجلس الأمن الأخير موضع التنفيذ.
ولم يقتصر انتقاد خطاب كيري على القيادة الفلسطينية وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية فحسب، بل اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أنه "لم يأت بجديد" تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقال الناطق باسم الحركة عبد اللطيف القانوع في تصريح ل((شينخوا))، إن "الخطاب لم يحقق أي شيء جديد، ويبدو أنه لن يكون هناك أي تغيير في السياسات الأمريكية".
وأكد القانوع، أن "حماس تريد أن ترى تغييرا حقيقيا في السياسة الخارجية الأمريكية في الطريقة التي تدعم إنهاء الاحتلال (الإسرائيلي) وتكون منصفة مع شعبنا الفلسطيني".
وشدد على ضرورة التزام واشنطن بأن "الاستيطان والاحتلال الإسرائيليين على الأرضي الفلسطينية غير شرعيين"، مشيرا إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي الأخير "يؤكد هذه الحقيقة، لذلك ما هو مطلوب ليس فقط خطابات ولكن أيضا التفسير الحقيقي للقرار على الأرض".
وانتقد المتحدث باسم حماس تصريحات كيري لقوله إن حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة في بنائها للأنفاق الارضية في قطاع غزة فإنها تضر بأمن إسرائيل.
وقال القانوع "كما لدى الاحتلال (الإسرائيلي) الحق في امتلاك ترسانة عسكرية كبيرة وشراء الطائرات الحربية، فإن حماس وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية لديها أيضا الحق في تطوير القدرات اللازمة لمواجهة الاحتلال".
بدوره، علق القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر حبيب على خطاب كيري قائلا، إنه "لم يحمل أي جديد فهو أكد على موقف الإدارة الأميركية الحالية والإدارات السابقة".
وأضاف حبيب أن "الإدارات الأميركية المتعاقبة بغض النظر عن لونها ديمقراطية أو جمهورية هي إدارات أكثر من منحازة بل هي مشاركة في المشروع الاستيطاني وفي احتلال أرضنا ومقدساتنا".
وأردف أن المطلوب من الإدارة الامريكية "ليس خطابات إعلامية بقدر ما هو إلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإنهاء إحتلالها للأراضي الفلسطينية".
وحول تصريحات كيري بشأن الفصائل الفلسطينية المسلحة ومنها حركة الجهاد الإسلامي قال حبيب، "هذه تصريحات مدانة وهو يؤكد الانحياز الأميركي الفاضح لإسرائيل".
وأضاف حبيب "كيف تعطي أمريكا الحق لإسرائيل بامتلاك الأسلحة وأدوات التدمير والقتل، فيما تحرم على المقاومة الفلسطينية اقتناء أي سلاح تدافع به عن الشعب الفلسطيني في ظل الجبروت والإجرام الإسرائيلي".
في المقابل، اعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطاب كيري بأنه منحاز ضد إسرائيل.
وقال نتنياهو، بحسب ما نقلت عنه الإذاعة الإسرائيلية، إن كيري هاجم لمدة حوالي ساعة الدمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط في الوقت الذي تشتعل فيه النيران في انحاء الشرق الاوسط وأنه أجرى معادلة مزيفة بين بناء منزل في شرقي القدس وبين اعمال إرهابية.
وأضاف نتنياهو، إن كيري لم يتطرق إلى جذور النزاع المتمثلة برفض الفلسطينيين العنيد الاعتراف بالدولة اليهودية في اي حدود.
ويرى المحلل السياسي هاني حبيب من غزة، أن خطاب كيري جاء لتبرئة والدفاع عن موقف الولايات المتحدة الأميركية بالامتناع عن التصويت في مجلس الامن الدولي مؤخرا ضد الاستيطان.
وأضاف حبيب ل((شينخوا)) "بالتالي فإن الخطاب ليس جديدا سوى في طريقة العرض والحدة وجاء للتعبير عن مواقف أميركية سابقة إزاء الاستيطان والخشية من نهاية حل الدولتين لصالح دولة ثنائية قومية بما يعني خطر على إسرائيل" .
وتوقفت آخر مفاوضات للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل في النصف الأول من عام 2014 بعد تسعة أشهر من المحادثات برعاية أمريكية من دون أن تسفر عن تقدم لإنهاء النزاع المستمر بينهما منذ عدة عقود.