دمشق 10 أكتوبر 2016 / أكد محللون سياسيون في سوريا اليوم (الاثنين) أن استخدام روسيا لحق النقض (فيتو) في مجلس الأمن الدولي حيال القرار الفرنسي يعكس ثبات الموقف الروسي حيال الأزمة السورية، والذي يضع حدا للسياسيات الغربية المناصرة لمقاتلي المعارضة المسلحة في سوريا، مؤكدين أن روسيا أرسلت رسائل واضحة لتلك الدول مفادها ان التعامل المزدوج والنفاق لم يعد مقبولا.
وأشار المحللون السياسيون إلى أن الرسائل الروسية إلى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية كانت على المستويات السياسية والعسكرية، والتي جاءت عقب عدد من التصريحات والإجراءات من قبل واشنطن، بشأن تصعيد محتمل ضد الجيش السوري.
وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس (الأحد)، الضربات الأمريكية المحتملة على القواعد الجوية السورية بـ"اللعبة الخطيرة".
وتدرس واشنطن خيار استخدام القوة العسكرية ضد النظام في سوري، بحسب مسئولين أمريكيين، كما قررت تعليق مشاركتها بالمحادثات الثنائية مع روسيا حول الملف السوري، على خلفية عدم تنفيذها لالتزاماتها، في حين حذرت موسكو من أنها ستعتبر أي ضربة على المناطق الخاضعة للجيش النظامي تهديدا على العسكريين الروس في سوريا، ملوحة باستخدام منظومة الدفاع الجوى (إس-400 وإس-300) في حميميم وطرطوس لصد الهجمات.
على الصعيد العسكري، نشرت روسيا أنظمة الدفاع الجوي (إس-400 وإس-300) في سوريا، الذي كان ينظر إليه على أنه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة أن أي تدخل عسكري محتمل، أو هجمات على مواقع للجيش السوري، لن تمر دون عقاب.
وجاء نشر قوة الدفاعات الجوية على خلفية ضربات التحالف الدولي ضد الارهاب بقيادة الولايات المتحدة ضد مواقع الجيش السوري الشهر الماضي، والتي راح ضحيتها أكثر من 90 جنديا سوريا بالغارات الجوية.
وقال محللون سياسيون إن تحالف مكافحة الارهاب بقيادة الولايات المتحدة وتحول موقفها في سوريا نحو تنفيذ ضربات ضد مواقع عسكرية سورية جاء لمساعدة مقاتلي المعارضة المسلحة في حربهم ضد الجيش السوري، خاصة بعد أن حقق الجيش السوري تقدما واضحا ضد مقاتلي المعارضة المسلحة في عدد من المحافظات السورية بمساعدة من روسيا.
وأشار المحللون الى أن التوتر بين روسيا وامريكا بدا واضحا من خلال تعليق الأخيرة محادثاتها في الاتفاق الروسي الأمريكي حيال الهدنة، والذي أعقبه وابل من الاتهامات على روسيا والجيش السوري بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في حلب.
وقد اثار الهجوم العسكري السوري ضد مقاتلي المعارضة المسلحة المدعومة من الغرب في حلب مخاوف لدى الغرب من أن الجيش السوري قد يستعيد فعلا السيطرة على كامل مدينة حلب، وهو أمر يعارضه الغرب بشدة، وخاصة الولايات المتحدة.
وقال المحلل السياسي السوري شريف شحاده إن " استخدام روسيا لحق النقض (فيتو) في مجلس الأمن الدولي جاء تماشيا مع السيادة الروسية التي تدافع عن حق الشعوب والتي تقاتل المجموعات الإرهابية في كل مكان وخاصة في سوريا، وما تقوم به الولايات المتحدة الامريكية منذ عدة أسابيع عبر طرح أفكار ومشاريع قرارات تهدف إلى تقوية المسلحين على الأرض واعطائهم فرصة لشن هجوم جديد على مواقع الجيش السوري " .
ووصف شحاده الموقف الروسي بأنه " رائع من جهة مقاتلة الإرهاب "، مؤكدا أن روسيا تسعى عبر موقفها الثابت حيال الازمة السورية إلى إحلال السلام في المنطقة والعالم، وليس مناصرة الإرهاب.
وأشار المحلل السياسي شحاده إلى أن التلويح الأمريكي باستخدام الضربات العسكرية المحتملة ضد مطارات تابعة للجيش السوري بأنها " تصريحات جوفاء "، مؤكدا أن " الولايات المتحدة الامريكية تدرك أن روسيا موجود في سوريا وانها تملك أجهزة صاروخية متقدمة، وبالتالي لن تقدم على ارتكاب مثل هكذا حماقة، لان الرد الروسي سيكون قويا " .
وأوضح ان الولايات المتحدة الامريكية الان مشغولة بالانتخابات الرئاسية ولن تقدم على مثل هذه الخطوة.
وتابع شحاده يقول إن " التوتر الروسي الأمريكي حيال سوريا سوف يتصاعد لكن لجهة تصاعد القوة الروسية على الأرض في محاربتها للإرهاب ".
من جانبه، قال ماهر إحسان وهو محلل سياسي آخر إن " المسئولين الغربيين دائما يكررون نفس الاسطوانة المشروخة ومفادها أنه إذا استعاد الجيش حلب، فإنه هذا سيؤدي إلى جذب المزيد من المتطرفين التي تسعى للانتقام، وسوف تؤدي أيضا إلى حدوث موجة نزوح جديدة للاجئين نحو الغرب "، مؤكدا أن هذه المخاوف ليس لها أي معنى.
وأضاف ان الداعمين " الرئيسيين للجماعات الجهادية في سوريا هي الدول الغربية وتركيا ".
وتابع " روسيا تحشد الآن قوات سلاح الجو على الأرض، ليس بالضرورة الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة، ولكن لإرسال رسالة لواشنطن التي من شأنها أن تكون هناك عواقب أية إجراءات عسكرية مباشرة على الجيش السوري، مع الهدف هو إضعاف النظام وفرض تسوية على ذلك ".
وحذر المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور ـ كونا شينكر، الولايات المتحدة في بيان، بـ"التفكير مرتين" قبل ضرب أي من القواعد الجوية السورية.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، اشتبكت روسيا، من جهة ، مع فرنسا وبريطانيا واسبانيا والولايات المتحدة من جهة أخرى خلال مجلس الأمن الدولي يوم (السبت) الماضي، ما افشل التصويت على مشروع قرارين في جلسة لمجلس الأمن الدولي.
وموسكو، للمرة الخامسة منذ بدء الأزمة في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، تستخدم حق النقض (فيتو) ضد مشروع قرار فرنسي، وعادت القوى الغربية المذكورة آنفا الفيتو لروسيا، من خلال رفع أيديهم ضد مشروع القرار الروسي التي طرحت في الدورة غير العادية نفسها يوم (السبت).
ودعا مشروع القرار الفرنسي إلى وقف إطلاق النار في حلب ووقف الغارات الجوية والطلعات الجوية العسكرية، وإيصال المساعدة الإنسانية إلى السكان المحاصرين في الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة بحلب، معتبرة ان كل من يرفض التصويت على القرار سيكون متهما بارتكاب "جرائم حرب".
ويحتاج قرار مجلس الأمن إلى موافقة تسعة أصوات مع عدم استخدام أي من الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس لحق النقض (فيتو)، والدول التي لها حق النقض هي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين.
وكان مندوب روسيا في مجلس الامن فيتالي تشوركين قال خلال الجلسة المخصصة للبحث في اوضاع سوريا ومدينة حلب تحديدا، أن روسيا أكدت مسبقا بأنها ستصوت ضد مشروع القرار الفرنسي، كاشفا ان مشروع القرار الفرنسي الاسباني يفرض حظرا على الطيران بشكل كامل فوق مدينة حلب.
وقال محللون سياسيون إن الفيتو الروسي هو رسالة أخرى إلى واشنطن وحلفاؤها من الغرب إن أي تحرك لدعم مقاتلي المعارضة المسلحة غير مقبول، مؤكدين أن الغارات الجوية على شرق حلب لتضيق الخناق على مقاتلي المعارضة المسلحة.
وقال المحلل السياسي أحمد الأشقر إن " الفيتو الروسي، جاء لإفشال إقامة منطقة حظر جوي في سوريا لمنع تكرار سيناريو العراق وليبيا، ومنع سيطرة القوى الغربية على المنطقة "، مؤكدا أن الموقف الروسي يجسد صدقية سياسيتها وجديتها في مكافحة الإرهاب وإحلال السلام في المنطقة.
وأوضح الأشقر أن الولايات المتحدة الامريكية حاولت عبر تعليق مفاوضاتها بشأن الاتفاق الروسي الأمريكي لممارسة الضغط على روسيا، لافتا إلى أن موسكو ترسل لواشنطن رسائل دبلوماسية وعسكرية عبر موافقها وتحركاتها على الأرض.
وأضاف المحلل السياسي إن " القوى الغربية أثبتت فشلها في حل أزمة أي بلد آخر في الماضي، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة التي لم تستطع حتى الان انهاء الحرب في العراق ".
ولاحظ المحلل السياسي أن الروس يقفون الآن في مواجهة مع الولايات المتحدة حيال الأزمة السورية، وهذا يبعد افق الحل السياسي للازمة السورية على المدى المنظور.