بكين 19 أغسطس 2016 / طرح سؤالان مرة أخرى أمام الصين، وهما هل لابد أن يكون للصين حضور في منطقة الشرق الأوسط؟ وما السبيل الذي ينبغي أن تتبعه لتعزيز هذا الحضور؟ وذلك بعدما قام وفد عسكري صيني بزيارة لسوريا مؤخرا توصل خلالها الجانبان إلى توافق حول تعزيز تدريبات الأفراد وتقديم مساعدات إنسانية لسوريا.
ويجيب الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمعهد الصين للدراسات الدولية المعاصرة تيان ون لين في تصريح لصحيفة ((غلوبال تايمز)) الصينية الشهيرة قائلا انه أولا وقبل كل شيء ، لا يمكن أن تغيب الصين لمدة طويلة عن قضايا الشرق الأوسط. فمن الناحية الإيجابية، تتزايد أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للصين يوما بعد يوم وبات دور هذه المنطقة أكبر فأكبر في الهيكل العام للمصالح الصينية، حيث أصبحت الدول العربية، بالنسبة للصين، أكبر مورد للنفط وسابع أكبر شريك تجاري وسوقا هامة للمقاولات والاستثمارات الخارجية، كما إن هذه المنطقة تقع في إطار مبادرة "الحزام والطريق" عند نقطتي الوسط والالتقاء.
ومن الناحية السلبية، تمر المنطقة بأكثر مراحلها اضطرابا منذ مائة عام، حيث تتشابك الإشكاليات المتمثلة في الصراعات الطائفية وانتشار الإرهاب ..إلخ. وأدت التوترات في المنطقة إلى موجة اللاجئين المتدفقة على أوروبا مما يهدد الأمن الاجتماعي ، وإذا ما استمرت حالة التوترات هذه لفترة طويلة، قد تمتد التهديدات إلى الصين يوما ما. وتحتاج إعادة الاستقرار للشرق الأوسط إلى جهود مشتركة من دول المنطقة والمجتمع الدولي، لهذا، لن يساعد غياب الصين عن المنطقة على حل القضايا هناك، فلابد أن يكون للصين حضور في قضايا الشرق الأوسط بصورة ملائمة ووفقا لقدراتها الخاصة، على حد قول تيان ون لين.
وأشار إلى أن هناك حاليا مجالا لتوسع سياسات الصين تجاه الشرق الأوسط. فمنذ فترة طويلة، تشارك الصين في البناء الاقتصادي بالمنطقة، لكن نسبة مشاركتها في المجالات المتعلقة بالنواحي الأمنية والسياسية والعسكرية محدودة، والآن ينبغي عليها السعي إلى أن يكون لها حضور في هذه النواحي الثلاث، مضيفا أن ثمة تغيرات بدأت تحدث في هذا الصدد، وباتخاذ الأزمة السورية مثالا على ذلك، نجد أن الصين استخدمت في الأمم المتحدة حق النقض (الفيتو) حول سوريا عدة مرات وعينت مبعوثا خاصا لها للأزمة السورية وقدمت مساعدات إنسانية للسوريين.
وحول السؤال الثاني، قال الخبير المتخصص في الشؤون الشرق أوسطية تيان ون لين إن الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط في غاية التعقيد، لهذا من الضرورة بمكان أن تتبع الصين المبادئ الثلاثة التالية لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط:
أولا، لابد للصين من توظيف مزاياها السياسية توظيفا كاملا. فمقارنة بالدول الغربية، تعد الميزة السياسية أبرز جوانب التفوق لدى الصين. فبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، تتمسك الصين بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وهو ما يجعلها تحظى بدعم مزيد من دول الشرق الأوسط. كما تتفق سياسات الصين، التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته للمنطقة في يناير الماضي والمتمثلة في عدم السعي إلى تنصيب وكيل وعدم التحدث عن أي مجال نفوذ وعدم محاولة سد أي فراغ، تتفق مع مصالح دول المنطقة. وبهذه الميزة السياسية، ستصبح الصين قوة إيجابية لاستقرار الشرق الأوسط.
ثانيا، لابد أن تؤكد الصين مجددا على المنفعة المتبادلة وبناء "مجتمع ذي مصير مشترك". فصحيح أن التعاون الاقتصادي يمثل جزءا محوريا لتعميق العلاقات بين الصين وبلدان الشرق الأوسط. لكن التعاون الاقتصادي لا يعني شراء النفط أو بيع المنتجات فحسب، بل يعني أيضا مساعدة دول المنطقة على التصنيع ولاسيما أن انخفاض مستوى التصنيع في الشرق الأوسط يقف إلى حد كبير وراء التوترات وارتفاع مستوى الفقر وتصاعد معدل البطالة. وتسعى الصين حاليا إلى تحقيق تعاون دولي في القدرة الإنتاجية، وتمتلك القدرة ولديها الرغبة في نقل القدرة الإنتاجية المتفوقة لديها إلى الدول العربية لتساعدها على تسريع عملية التصنيع.
واختتم تيان ون لين حديثه بالمبدأ الثالث والمتمثل في ضرورة أن تتفق قدرة الصين مع رغبتها وتشارك في قضايا المنطقة بالشكل الملائم، موضحا أن قوة الإشعاع تتوقف على البعد الجغرافي حيث تقع منطقة الشرق الأوسط بعيدا عن أراضي الصين، ومن ثم ينبغي أن تكون مشاركة الصين في قضايا المنطقة في حدود قدراتها.