بكين 2 مارس 2016/ ما إن انقضت عطلة عيد الربيع الصيني التقليدي حتى شهدت أسعار العقارات في الصين ارتفاعا حادا، إذ أشارت الأرقام الصادرة عن مصلحة الدولة الصينية للإحصاءات مؤخرا إلى أن أسعار العقارات في مدينة شنتشن بجنوب الصين ارتفعت بواقع 52.7% في شهر يناير مقارنة بالعام الماضي، أما أسعار العقارات في مدينتي شانغهاي وبكين فقد ارتفعت خلال نفس الشهر بواقع 21.4% و11.3% على التوالي.
ودفع ذلك بعض الخبراء الدوليين إلى التلميح بأن الاتجاه التصاعدي لمؤشر أسعار العقارات الصينية سيؤثر على اقتصاد الصين، قائلين إن هذا الوضع يثير حالة من التشاؤم إزاء مستقبل الاقتصاد الصيني.
لكن اقتصاد الصين يمر حاليا بمرحلة انتقالية من الطبيعي أن تتخللها بعض التقلبات المؤقتة، ومن ثم فإن التقلبات التي يشهدها قطاع العقارات الصيني ليست سوى جانب هامشي وصغير في الاقتصاد الصيني الواسع ولن تؤثر على الآفاق المستقبلية لهذا الاقتصاد الواعد.
إن حالة عدم اليقين التي تكتنف قطاع العقارات الصيني تثير القلق إزاء قدرة الصين على الوفاء بـ"التعهدات" التي قطعتها على نفسها بشأن تقديم مساعدات للدول النامية الأخرى وسط البيئة الاقتصادية الداخلية الراهنة. فقد أعلنت الصين في قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة قي سبتمبر من العام الماضي أنها ستقيم صندوقا بإسهامات أولية تبلغ قيمتها ملياري دولار لدعم التعاون بين بلدان الجنوب ومساعدة الدول النامية في تنفيذ أجندتها الخاصة بالتنمية لما بعد 2015, كما أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطاب ألقاه في مقر جامعة الدول العربية في يناير الماضي عن تخصيص قروض حصرية لدفع العملية الصناعية في الشرق الأوسط بقيمة 15 مليار دولار تستخدم في مشروعات تعاونية مع دول المنطقة في مجالات الطاقة الإنتاجية والبنية التحتية.
وعلى صعيد آخر، يلزم توضيح أن المساعدات الصينية للخارج التي تُمنح للدول الأقل نموا، لن تكون عبئا على الاقتصاد الصيني، بل فرصة فريدة لأنها لا تعد مساهمات أحادية من جانب الصين تعود بالفائدة على طرف واحد فقط، بل تعود بالنفع على الطرفين ولاسيما وأن الصين تمر الآن بمرحلة حاسمة من التنمية تتطلب توافر بيئة دولية أكثر استقرارا.
ففي الواقع، يتماشي تحقيق التنمية والاستقرار المشترك في الدول النامية مع متطلبات التنمية الصينية وبناء مجتمع ذي مصير مشترك. وتعتبر المساعدات الخارجية بمثابة نفقات إستراتيجية للصين، من شأنها أن توطد الصداقة بين الصين والدول الأخرى وخاصة الدول النامية وتعزز أواصر العلاقات التجارية بين الجانبين وتضطلع بدور لا بديل له في الحفاظ على المصلحة الوطنية وأمن الدولة.
إن توطيد العلاقات مع الدول النامية يشكل جوهر وأساس السياسات الدبلوماسية الصينية. ويرجع تاريخ المساعدات الصينية إلى الدول الأفريقية وغيرها من الدول الأقل نموا إلى عام 1956، حيث كانت الصين تمر بوقت عصيب اقتصاديا واجتماعيا. ورغم أن مساعداتها إلى الخارج هي مساعدات بلا مقابل ولا ترتبط بأي نوع من الشروط، إلا أنه من خلالها تراكمت ثروة دبلوماسية وصداقة أخوية يصعب تقييمها بالأموال، وبفضلها ترتفع مكانة الصين باستمرار على الساحة الدولية.
وبالإضافة إلى ذلك، تصب المساعدات الصينية للخارج في صالح تحسين مناخ التنمية في الدول النامية، الأمر الذي سيساعد الشركات الصينية على "التوجه إلى الخارج"، إذ تفيد الإحصاءات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية بأنه في الفترة ما بين يناير إلى ديسمبر عام 2014، بلغت قيمة عقود المقاولات والمشاريع الهندسية بين الصين والدول الأفريقية 70.8 مليار يوان، وهي ثروة جنتها مساعدات الصين للخارج.
وعقب البدء في تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، لم توفر المساعدات الخارجية الأجهزة المتطورة والأموال الضرورية اللازمة لبناء الاقتصاد الصيني فحسب، بل قدمت للصين أيضا خبرات ومفاهيم الإدارة التي ساهمت في دفع التنمية والتحديث في الصين.لقد أصبحت الصين الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم ودولة كبرى جديرة بأن تحمل هذا الاسم ويعتبر تقديم مساعدات للدول النامية الأخرى مسؤولية تحملها الصين على عاتقها باعتبارها أحد الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، كما يعتبر بمثابة رد جميل إلى المجتمع الدولي من الصين باعتبارها دولة تضرب نموذجا حيا لكيفية التحول من الضعف إلى القوة. إن التقلبات في قطاع العقارات الصيني لن تؤثر إطلاقا على سياسة الصين المعنية بتقديم مساعدات للدول النامية.