رام الله 3 يونيو 2014 / غلب الضيق والضجر على نبرات سائق سيارة الأجرة سلام سعيد من مدينة غزة وهو يناقش ركابه بتشاؤم مستقبل المصالحة الفلسطينية بعد يوم واحد من إعلان حكومة التوافق. وظل سعيد وهو في منتصف الثلاثينات من عمره، يدفع باتجاه واحد في حديثه بأن "الحكومة أعلنت لكن ليس ذلك هو المهم، بل ما ستفعله من أجل الشعب المنقسم والذي يعاني وحدة منذ سنوات". وعكس غياب مظاهر احتفاء الشارع الفلسطيني بالإعلان الرسمي لحكومة التوافق الفلسطينية حالة الحذر السائدة من جدية الخطوة في الإنهاء الفعلي للانقسام الداخلي. وأدت حكومة التوافق أمس (الإثنين) اليمين القانونية أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس كأول تنفيذ عملي لتفاهمات المصالحة وإنهاء الانقسام المستمر بين الضفة الغربية وغزة منذ منتصف عام 2007.
وقال سعيد موجها كلامه لثلاثة شبان كان يقلهم في سيارته وسط غزة "توفير البنزين ولقمة عيش أطفالي أهم عندي من إعلان الحكومة (..) لا نريد إعلان فقط عن إنهاء الانقسام بل نريد رؤية ذلك بأعيننا". ويضيف " مضت علينا سبعة أعوام من الانقسام وإنهاء هذا الانقسام ليس سهلا ولن يتم في يوم ليلة، لكن هل توجد إرادة فعلا لذلك أنا ما أزلت أشك بذلك كثيرا". ورغم أهمية إعلان حكومة التوافق بعد سنوات من القطيعة، فإن الشارع الفلسطيني لم يشهد أي احتفالات عامة كالتي شهدها في مايو عام 2011 عند توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس) والذي بقي إلى جانب اتفاق الدوحة في فبراير 2012 بين الحركتين حبرا على ورق إلى أن جاء اتفاق غزة في 23 أبريل الماضي الذي شكلت حكومة التوافق بعده بستة أسابيع. ورد سعيد بغضب على أحد ركاب سيارته من مؤيدي حركة حماس وهو يؤكد له أن الاتفاق سينفذ هذه المرة قائلا، "لا أحد يريد الوحدة أكثر من الشعب لكن القادة يماطلون ومصالح الناس ليست أول حساباتهم". واتفق الشاب حسن الأستاذ (25 عاما) مع سعيد وهو يقاطعه بالقول، إن حكومة التوافق مثلت "حاجة ملحة للشارع الفلسطيني" كخطوة فعلية على طريق تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام. ويضيف الاستاذ "لكن الأهم هو الخطوات القادمة، نريد مصالحة حقيقية وحكومة ترعى كل شؤون الفلسطينيين على حد سواء وتضع حد لكل همومهم ومشاكلهم". وعاد سعيد معززا رأيه بالتأكيد على أنه "يتوجب عدم الاكتفاء بإعلان الحكومة التي جاءت بعد سنوات من المماطلة ، المطلوب منذ الآن تحقيق كل ملفات المصالحة لإنهاء كل أشكال الانقسام". وأدى عدم تنفيذ اتفاقيتي القاهرة والدوحة بعد التوقيع عليهما مباشرة وحالات الشد والجذب بين الحركتين طيلة فترة الانقسام الذي دام سبع سنوات قبل تشكيل حكومة التوافق إلى حالة من "انعدام الثقة" لدى الشارع الفلسطيني في إمكانية المضي في تنفيذ ملفات المصالحة المتبقية. وبهذا الصدد تقول مني خضر (41 عاما) وهي صحفية من غزة لوكالة أنباء ((شينخوا)) " في المرحلة الحالية لا نستطيع أن نحكم أن الانقسام انتهى، فالتجارب السابقة علمتنا أن نبدي الكثير والكثير من الحذر قبل التفاؤل". وتعتبرخضر، أن الحكومة الجديدة شكلت اتفاقا للمحاصصة بين حركتي فتح وحماس أكثر منها حكومة وحدة وطنية تمثل كل الشعب الفلسطيني، لكنها تشدد على أن جوهر الحكم عليها سيكون رهن المستقبل. إلا أن الشاب محمد الحاج من نابلس شمال الضفة الغربية، بدا أكثر تشاؤما في تعليقه على حكومة التوافق "باعتبار أنها نتجت عن أزمة داخلية لطرفي الانقسام أكثر منه رغبة جدية في المصالحة". من جانبها ترى السيدة فاطمة عبد الله (40 عاما) وهي موظفة حكومية من غزة، أن التحضير الجاد لإجراء انتخابات عامة سيكون "جوهر الحكم" إن كانت حكومة التوافق خطوة فعلية للمصالحة من عدمه. ومن دون التوجه لانتخابات فورية، فإن فاطمة تعتبر أن حكومة التوافق ستمثل "مجرد تكريس لإدارة الانقسام والمحاصصة بين طرفي الأزمة الداخلية دون تغيير الأمر الواقع القائم منذ سنوات". واتفقت حركتا فتح وحماس على إجراء انتخابات عامة بعد ستة أشهر من تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية التي يعتبر ملف التحضير للانتخابات أحد مهامها الرئيسة. ولم يجر الفلسطينيون أي انتخابات نيابية أو رئاسية منذ العام 2006. وجاءت خطوة حكومة التوافق في ظل مواجهة حركة فتح استمرار تعثر مساعي تحقيق السلام مع إسرائيل وانهيار آخر مفاوضات استمرت تسعة أشهر برعاية أمريكية نهاية أبريل الماضي دون اتفاق. في المقابل تراجعت مقومات حكم حماس في غزة بشدة منذ سقوط جماعة الأخوان المسلمين عن سدة الحكم في مصر مطلع يوليو الماضي وواجهت الحركة أزمة مالية خانفة بفعل تشديد الحصار على القطاع. ويرى الحاج، أن الحكومة المعلنة جيدة نسبيا بالنظر إلى أنها شكلت من شخصيات مستقلة ومكلفة بمهام محددة، مشددا على أن المهم تجاوز الخلافات الحزبية الضيقة للانطلاق نحو المصالح العامة للشعب. أما بسام مطر وهو موظف حكومي من سلفيت في الضفة الغربية، فاعتبر أن أول أولويات حكومة التوافق يجب أن يرتكز على حل ملفات الحريات العامة وإنهاء مظاهر التضييق التي سادت سنوات الانقسام. وضمت حكومة التوافق الجديدة 17 وزيرا يشغلون 21 حقيبة، بينهم خمسة من قطاع غزة والباقي من الضفة الغربية. وقوبلت تركيبة الحكومة بتدقيق كبير من الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا تولي ستة وزراء لأكثر من حقيبة. وتهكم آخرون من استمرار بعض الوزراء بمناصبهم منذ سبعة أعوام وظلت تساؤلات هؤلاء تركز على القدرة الفعلية للحكومة على حل معضلات الوضع الفلسطيني الداخلي.إذ سيكون مناط بحكومة التوافق تعزيز الوضع الفلسطيني الداخلي في ظل الضعف والتراجع العام الذي يعتريه منذ سنوات، سيما ما يتعلق بملفات الصراع الرئيسية مع إسرائيل.وتقول طالبة الماجستير في جامعة (بيرزيت) في رام الله بالضفة الغربية غادة قنديل ل((شينخوا))، إن الأعباء ثقيلة على حكومة التوافق بالتحرك الجاد للتصدي لممارسات "التهويد" الإسرائيلية في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية.وتشدد قنديل، على أن إنهاء كل مظاهر الانقسام الداخلي يشكل المطلب الشعبي الأول فلسطينيا بما يؤمل معه الارتقاء برد الفعل الوطني لحماية الأرض وتمكين صمود المواطن في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وممارساته. وتؤيد الشابة فلسطين ياسين (26 عاما) من غزة، التأكيد على حجم الأعباء الشعبية المنتظرة من حكومة التوافق لوقف حالة التدهور في الأوضاع المعيشية وتوفير الخدمات الأساسية.وترى ياسين، أن أبجديات التطلعات إلى حكومة التوافق ستتركز على رفع الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007، وفتح معابره، وإنهاء أزمات الماء وانقطاع التيار الكهربائي لوقف المصاعب الحياتية الحادة للسكان.
وشكل إعلان حكومة التوافق مبعث سعادة لدى الشاب هيثم سعد في مطلع العشرينات من عمره، بتطلعه للخلاص أخيرا من واقع البطالة الذي يعانيه منذ عامين للبدء ببناء مستقبل أفضل له. وبالنسبة لسعد، فإن على حكومة التوافق أن تلامس هموم الشارع وتتصدي لمعدلات الفقر والبطالة القياسية عبر إقامة مشاريع تنموية تستوعب جيش العاطلين وتوفر لهم حياة كريمة. أما المسن أبو فيصل درويش من مخيم الجلزون للاجئين في رام الله، فلم يبد الكثير من الآمال الإيجابية تجاه خطوة إعلان التوافق، رغم تأكيده أنه يؤيد بشدة أي خطوة لتحقيق المصالحة. واكتفى درويش بالقول، إنه سيكون متفائلا قليلا لو رأى أحد الوزراء وهو يراقب بنفسه تدافع اللاجئين بانكسار للحصول على عبوة دقيق أمام أحد مقرات وكالة الأمم المتحدة للخدمات الإنسانية. ولم تغب معارضة إسرائيل لتفاهمات اتفاق المصالحة عن تعليقات الفلسطينيين على خطوة تشكيل حكومة التوافق، في ظل القلق من عقبات إسرائيلية تهدد نجاحها. ويرى وليد قباجة في نهاية الثلاثينات من عمره ويعمل رجل أعمال، أن حكومة التوافق ستساند شعبيا بقوة في أثبتت مضيها في تحقيق المصالحة في مواجهة أي عقوبات إسرائيلية تعترض عملها. ويعتبر قباجة، أن تحديات إنجاز المصالحة داخلية أكثر منها بكثير خارجية "لأن أي مقاطعة أو عقوبات إسرائيلية غير قادرة على النيل من الدعم الشعبي للمصالحة طالما يتم المضي فيها فعليا". ويستبعد مراقبون أن يتم المضي فورا في خطوات إتمام ملفات المصالحة بعد تشكيل حكومة التوافق بالنظر إلى العقبات الداخلية والخارجية السائدة. ويرى الكاتب والمحلل السياسي من رام الله مصطفى بشارات ل((شينخوا))، أن عدد العقبات ما تزال تعترض طريق المصالحة أبرزها الملف الأمني الذي يمثل العقدة الأكبر والاتفاق على إجراء الانتخابات. لكن بشارات يشدد على أن إعلان حكومة التوافق يمثل بحد ذاته إنجازا كبيرا وعلامة تحسن فارقة في العلاقة بين طرفي الصراع الرئيسين في الساحة الفلسطينية فتح وحماس.وينبه بشارات، إلى ضرورة الاستعداد لمجابهة أي مواقف إسرائيلية تعترض المضي في تنفيذ المصالحة "باعتبار أن الانقسام الفلسطيني الداخلي يمثل أكبر مصلحة إسرائيلية لتكريس الاحتلال".
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn