خرجت عربات قطار يحمل شحنة من الكيماويات الخطرة عن مسارها واشتعلت فيها النيران في 3 فبراير الجاري في شرق فلسطين بولاية أوهايو الأمريكية، مما تسبب في تسرب كمية كبيرة من غاز الفينيل كلوريد وغيرها من المواد السامة. كما تسبب الحادث في إصابة السكان المجاريين بأعراض تسمم مثل السعال، والإسهال، والدموع، وفقدان الشهية، وتم العثور على عدد كبير من الأسماك النافقة في الأنهار المحلية، ما اثار قلق الناس. ومع ذلك، لم تقدم الوكالات ذات الصلة قائمة كاملة بالمواد التي يحملها القطار حتى الآن. والغريب في الأمر، أن خبر حادث خروج القطار عن مساره تناولته وسائل الاعلام الرئيسية في الولايات المتحدة في بداية هذا الشهر، إلا أنها قللت من شأن الكارثة البيئية التي سببها الحادث والأزمة الصحية التي واجهها الناس، بل وتجاهلت ذلك، في حين كثير الضجيج حول "بالون التجسس" الذي لم يكن موجودًا منذ عدة أيام. وقد أعرب بعض مستخدمي الإنترنت الأمريكيين عن أسفهم قائلين: "إن صمت وسائل الاعلام التقليدية حول حادثة تماثل حادثة تشيرنوبيل في ولاية أوهايو، أمر مخز."
لماذا تشهد الولايات المتحدة حوادث كثيرة على السكك الحديدية؟
كشف محققون اتحاديون أنه قد تم تنبيه أطقم القطارات لحدوث عطل ميكانيكي في المحور قبل وقت قصير من الحادث، وفقا لتقارير وسائل الإعلام المحلية. لماذا لم تجذب الانتباه؟ في الواقع، حادث السكك الحديدية الأمريكية ليس عرضياً. ففي 2 نوفمبر 2022 بالتوقيت المحلي، وقع حادث خروج قطار عن مساره في لويزيانا بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث خرجت ست عربات عن القضبان وتسرب حمض الهيدروكلوريك. وفي 13 فبراير، اصطدمت شاحنة ذات 18 عجلة بقطار متحرك بالقرب من هيوستن، مما أسفر عن مقتل سائق الشاحنة وإخراج ما لا يقل عن 16 عربة قطار عن المسار. ويُنظر إلى السكك الحديدية عمومًا على أنها أكثر الطرق أمانًا للنقل البري، لكن هذا العدد الكبير من حوادث خروج القطار عن مساره في غضون بضعة أشهر فقط يُظهر أن هناك مخاطر خفية خطيرة في سلامة النقل بالسكك الحديدية الأمريكية. وبسبب عمليات التسريح على نطاق واسع ونقص الموظفين على وجه التحديد، أصبحت الصناعة في الولايات المتحدة أكثر خطورة، مما أدى إلى وقوع حوادث متكررة.
لماذا يتجنب السياسيون الحديث عنها؟
وفقًا لتقرير صادر عن مجلة "نيوزويك" الأمريكية في 13 فبراير، تحدث وزير النقل الأمريكي بيت بوتجيج عن إنجازاته السياسية عندما حضر الحدث في ذلك اليوم، لكنه التزم الصمت بشأن حادث تسرب الغاز. كما لم نشهد خطاباً للرئيس الأمريكي بايدن بشأن هذه المسألة في أكثر من عشرة أيام بعد الحادث. ويحاول بعض المسؤولين في حكومة الولايات المتحدة إقناع الجمهور بأن الهواء المحلي لا يزال آمنًا. لماذا تقوم الولايات المتحدة، التي دأبت دائمًا على الإعلان عن انفتاح وشفافية المعلومات، التهرب أو التقليل من شأن حق الناس معرفة الحقيقة أو تكبيل أيدي الصحفيين بعيدًا عن المؤتمر الصحفي؟ إن اللامبالاة في التغطية ليست إلا تقصير في أداء الواجب وافتقاره لقدرات الاستجابة للطوارئ، وفي التحليل النهائي، لا يزال خائفًا من التأثير على أصواته ومنصبه.
لماذا يغض الإعلام الطرف؟
تشمل وسائل الإعلام هنا كلاً من الوسائط التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي الرئيسية. ويمكن لدرجة التغطية الإعلامية أن تعكس درجة الكشف عن المعلومات، فضلاً عن الاهتمام الذي يوليه الناس العاديون. ومع ذلك، في ظل التحكم المشترك للحد من تسخين الخبر بين الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام، لم يكن الاهتمام بالحادث عالياً، ولم يعرف الكثير من الأمريكيين حتى بشأنه لأكثر من عشرة أيام، على الرغم من أن تسرب الغاز السام مرتبط بالمصالح الحيوية للأمريكيين. على العكس من ذلك، تم ترويج لـ "حادثة البالون" منذ أيام عديدة، ولا تزال الشعبية مرتفعة. وفي الوقت الذي يتجاهلون فيه سلامة الناس، لا يدخرون جهداً في استخدام القوة الإعلامية في تلفيق "تهديد الصين" وإشاعته. وإن هذا النوع من الأساليب للسيطرة على الرأي العام، وإخفاء الحقيقة، والمليء بالتحيز يحدث في الولايات المتحدة التي تدعي أنها تسعى إلى حرية الصحافة والاستقلال والموضوعية، مما يكشف نفاق القيم الصحفية الغربية بشكل كامل.
يعكس "هدوء" الولايات المتحدة ضعف الأخيرة إلى حد ما. ويتجلى هذا الضعف في ثغرات خطيرة في صيانة البنية التحتية، وعدم كفاية قدرات الاستجابة للطوارئ وقدرات التعبئة الاجتماعية، وانتشار البيروقراطية في الإدارات الحكومية، وإهمال أو حتى تجاهل مصالح الناس العاديين، والسيطرة الشديدة على الرأي العام. ولا يمكن للولايات المتحدة الاستمرار في خداع الأصوات واحدًا تلو الآخر، ويكون لديها بعض الثقة عند التنمر على البلدان الأخرى، إلا من خلال التزام الصمت حيال هذه الحوادث. ويبقى السؤال، هل يمكن أن تبقى الولايات المتحدة هادئة لو حدث حادث مماثل في دول أخرى؟ يجب على الولايات المتحدة التي تحب التدخل في شؤون الآخرين دون الاعتراف بمشاكلها الداخلية أن تصحح أخطائها أولا، بما يعود بالنفع على الناس والعالم، بدلاً من الحرص على التنمر على البلدان الأخرى طوال اليوم.