تعليق: توسع الناتو نحو آسيا المحيط الهادي يصطدم بثلاث عقبات

أجرى الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ منذ وقت قريب، زيارة إلى كل من كوريا الجنوبية واليابان. وهدفت الزيارة إلى تعزيز التعاون مع كوريا الجنوبية واليابان في المجال العسكري. كما وشت بمحاولة الناتو التحول من تحالف أمني عبر الأطلسي إلى منظمة أمنية عالمية، مما سيمثل تهديدا للتنمية السلمية لمنطقة آسيا المحيط الهادي.

وعقب المحادثات التي جمعت ستولتنبرغ ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، أصدر الجانبان بيانا مشتركا، أكّدا فيه بأن "الأمن عبر الأطلسي وأمن المحيطين الهندي والهادئ مرتبطان بشكل وثيق". وأن "ما يحدث في أوروبا اليوم قد يحدث في شرق آسيا غدا". معلنان بأن الشراكة بين الطرفين قد ارتقت نحو "آفاق جديدة".

وتطرق الجانبان في بيانهما المشترك إلى الصين، حيث لم يقتصر الأمر على وصم الصين بأنها "منافسة للنظام الدولي القائم على القواعد"، بل شدّدا أيضا على أن تطور قدرات الصين العسكرية يمثل مبعثا للقلق الشديد. وزعم ستولتنبرغ أيضًا أن الصين تسيطر على البنية التحتية لبعض أعضاء الناتو، مما سيؤثر أيضًا على أمن الناتو. وعلى الرغم من أن البيان المشترك، قد ذكر بأن الجانبين لم يعتبرا بعد الصين خصما لهما، إلا أنهما أكّدا على عملهما معا لمواجهة التحديات التي تفرضها الصين.

كما شهد التعاون بين كوريا الجنوبية وحلف شمال الأطلسي تقدما سريعا نسبيا. ففي يونيو من العام الماضي، شارك الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول في قمة الناتو التي عقدت في مدريد بإسبانيا للمرة الأولى. وفي نوفمبر، أنشأت كوريا الجنوبية بعثة دبلوماسية لدى الناتو. ورغم أن الجانبين لم يصدرا بيانا مشتركا أثناء زيارة ستولتنبرغ إلى كوريا الجنوبية، إلا أنهما قد أكّدا خلال الاجتماع على أن الأمن عبر المحيط الأطلسي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ مرتبطان ارتباطا وثيقا.

وأثناء جلسة الأسئلة، التي تلت كلمة ستولتنبرغ في أكاديمية تشوي جونغ هيون في الكورية الجنوبية وجامعة كيو اليابانية، قدم الأمين العالم لحلف الناتو، إجابات دقيقة وموحية حول قضايا الردع النووي المثيرة للقلق بالنسبة لليابان وكوريا الجنوبية. موضحا أنه رغم الناتو يهدف إلى تحقيق عالم خالٍ من الأسلحة النووية. لكنه يبقى تحالفا نوويا ضخما، تقوده الولايات المتحدة ويوفر لأعضاء الناتو أنظمة إيصال. ويبدو جليا من ذلك أن الناتو يحاول استخدام "التهديد النووي" لإكراه وإغراء دول آسيا المحيط الهادئ لتعزيز التعاون معه.

في هذا السياق، يعتقد تشونغ فيتنغ، مدير مركز أبحاث الأمن الإقليمي التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن الناتو يواجه أيضًا ثلاثة تحديات إذا كان يريد تعزيز حضوره في "آسيا والمحيط الهادئ".

أولاً، توسيع الهيكل الأمني للتحالف القائم على أوروبا، نحو أجزاء جديدة من العالم، سيواجه تحديات إدارة تضاربات المصالح لأعضاء الناتو في منطقة آسيا المحيط الهادئ. وهذه مشكلة طويلة الأمد في نظام التحالف الأمريكي في إدارة التحالفات. ولعلّ أبرز مثال يجسّد هذه المشكلة، هي تخلي الولايات المتحدة عن حلف الناتو لتشكيل تحالف "أوكوس" الأمني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، من أجل تجنب معارضة فرنسا وألمانيا.

ثانيًا، "الحرب الباردة الجديدة" التي تشنّها الولايات المتحدة ضد الصين لا تحظى بشعبية. يعد الناتو أحد مخرجات الحرب الباردة، وهو منظمة تخضع للسيطرة الأمريكية، لكن لا الدول الآسيوية ولا معظم الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو تريد الانضمام إلى "الحرب الباردة الجديدة" التي تواجه فيها المعسكرات بعضها البعض. وحينما أجاب ستولتنبرغ على أسئلة الجماهير الكورية واليابانية، كان عليه أيضًا أن يعترف بأن جميع أعضاء الناتو لديهم علاقات اقتصادية وتجارية وثيقة مع الصين، وأنه ليس هناك أي عضو منهم يؤيد القطيعة مع الصين. وهذا ما يجعل الناتو يواجه معضلة تحقيق التوازن بين الأمن والاقتصاد.

ثالثًا، تحديد التحديات الأمنية وفق القيم الأيديولوجية، ووضع العربة أمام الحصان. تضم منظمة حلف شمال الأطلسي حاليا 30 دولة، يبلغ تعداد سكانها حوالي مليار نسمة. وقد تعوّد الناتو تحديد التهديدات الأمنية وفقا لاعتبارات قيمية مثل "الديمقراطية" و "حقوق الإنسان". ومع ذلك، فإن التحديات الأمنية للعالم الذي يبلغ تعداده السكاني 8 مليارات نسمة، بما في ذلك المليار نسمة التي تهيمن عليها القيم الغربية، لاتزال مختلفة تماما. حيث تحتاج البشرية إلى تغيير مفاهيم الأمن للاستجابة بشكل صحيح للتحديات الأمنية في مجالات مثل تغير المناخ، والفجوة بين الأغنياء والفقراء، والرعاية الطبية، والتوظيف، والخدمات العامة الأساسية الأخرى.