طهران 29 ديسمبر 2022 (شينخوا) مع اقتراب عام 2022 من نهايته، لا يزال التوصل إلى اتفاق بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 بعيد المنال عقب سنة من الصعود والهبوط في محادثات شاقة عقدتها إيران مع القوى الكبرى.
وكان الاتفاق النووي، المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي حينئذٍ دونالد ترامب في مايو 2018، على وشك الإحياء في مارس وبعد ذلك في أغسطس من العام الجاري، عقب جولات من المفاوضات الشاقة التي شاركت فيها الولايات المتحدة بشكل غير مباشر.
ومع ذلك، لم يتحقق إنجاز بسبب عدم رغبة واشنطن وطهران في التوصل إلى تسويات نهائية من أجل إنجاح المحادثات.
مفاوضات غير حاسمة
في وقت مبكر من العام الجاري، صرحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مرارا بهدفها المتمثل في العودة إلى الاتفاق النووي المبرم في 2015. وبالنسبة لبايدن، سيفي إحياء الاتفاق النووي والحد من الأنشطة النووية الإيرانية بوعده الذي قطعه في حملته الانتخابية.
وفي الوقت نفسه، قالت واشنطن إن الأمر متروك لطهران لتقرير ما إذا كانت مستعدة لتفكيك جانب كبير من المعدات التي تستخدمها في إنتاجها النووي في مقابل تخفيف العقوبات، عقب شهور من المفاوضات في العاصمة النمساوية، فيينا.
ولكن المحادثات كانت بعيدة عن تحقيق أي إنجاز. في فبراير، قالت إيران إن "واشنطن غير جديرة بالثقة، وبالتالي يجب الحصول على ضمانات موضوعية حتى لا ينخدع القانون الدولي والعلاقات الدولية مرة أخرى من قبل الإدارة الأمريكية".
وذكر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن حل القضايا الإيرانية المتبقية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحصول على ضمانات بشأن مكاسب إيران الاقتصادية من الاتفاق، ورفع تمديد العقوبات إلى أطراف ثالثة، هي القضايا الثلاث الرئيسية التي تحتاج إلى تسوية.
بعد ذلك، تأرجح الموقف في أوائل شهر أغسطس. كان الجانبان على وشك إبرام الاتفاق بناءً على مسودة مقترح من الاتحاد الأوروبي لقيت ترحيبا من إيران وإدارة بايدن، ما أقنع العديد من المراقبين باتفاق وشيك.
ومع ذلك، سرعان ما انقلب التوافق بين الجانبين رأسا على عقب، إذ رفض البيت الأبيض طلب إيران المتعلق بالضمانات الخاصة بتخفيف العقوبات مُستقبلا، وأصر في الوقت نفسه على عدم توقيع اتفاق قبل انتخابات التجديد النصفي في 8 نوفمبر.
وفي نوفمبر، اشتعلت التوترات مرة أخرى بين إيران والولايات المتحدة، بعدما مررت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا برعاية الولايات المتحدة بشأن إدانة إيران إزاء ما يسمى التعاون غير الكافي مع الوكالة.
وطالب القرار الذي دعمه حلفاء الولايات المتحدة، وهم فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، بالتعاون الإيراني في تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في آثار اليورانيوم التي عثر عليها في مواقع إيرانية غير مُعلن عنها. وردت إيران على ذلك بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم في محطة فوردو النووية إلى 60 بالمئة، وتزويد أجهزة الطرد المركزي في محطة نطنز النووية بالغاز.
فضلا عن ذلك، انتقدت الولايات المتحدة إيران إزاء كونها أصبحت "أكبر داعم عسكري لروسيا" عبر إمداد روسيا بالمسيرات لاستخدامها في الصراع الروسي-الأوكراني. واتهم المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، في ديسمبر إيران وروسيا بالتخطيط معا لإنتاج مسيرات مميتة.
ونفت إيران هذه الاتهامات، معترفة في الوقت ذاته بإرسال عدد محدود من المسيرات إلى روسيا قبل "شهور عديدة" من الصراع الروسي-الأوكراني.
تحول التركيز الأمريكي
حولت الولايات المتحدة تركيزها عن إحياء الاتفاق النووي الإيراني إلى قضية حقوق الإنسان في إيران، وتعاونها العسكري المتزايد مع روسيا.
وجاء تحول واشنطن عقب اندلاع الاحتجاجات في إيران إثر وفاة شابة إيرانية وهي قيد الاحتجاز لدى الشرطة على خلفية انتهاكها قواعد الزي الإيراني في سبتمبر، واتهامات الغرب ضد إيران بإمداد روسيا بالمسيرات.
ومع ذلك، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران، روبرت مالي، إن واشنطن تترك الباب مفتوحا أمام استئناف الدبلوماسية "متى وإذا" حان الوقت، مع مواصلة سياستها المتمثلة في فرض العقوبات والضغط على إيران في الوقت الحاضر.
وكجزء من حملة ممارسة أقصى ضغط، قادت الولايات المتحدة الجهود في رفع إيران من لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة في 14 ديسمبر، ردا على القمع الإيراني للاحتجاجات.
وردا على ذلك، انتقد المشرع الإيراني، جليل رحيمي جهان آبادي، الحملة الكلامية الأمريكية ضد إيران، لكونها تهدف إلى "نسف" محادثات إحياء الاتفاق النووي.
واستطرد قائلا إن الدول الغربية تحاول فرض مطالبها الخاصة على إيران من خلال فرض قيود على التطور النووي والصاروخي الإيراني، ما يوضح السبب في فشل المحادثات حتى الآن في تحقيق نتائج جيدة.
واستنكر وحيد جلال زاده، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، جهود الدول الغربية "في ممارسة الضغط على السلطات الإيرانية خلال المحادثات النووية عن طريق تشجيع الاضطرابات في إيران وتغطيتها في الإعلام الغربي".
آفاق غامضة
أضاف تحول التركيز الأمريكي قدرا كبيرا من عدم اليقين إلى احتمالات التوصل إلى تحقيق اختراقة في محادثات فيينا.
وتم تداول مقطع فيديو على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي في ديسمبر، يظهر فيه بايدن وهو يخبر سيدة خلال فعالية في حملة الحزب الديمقراطي الانتخابية في كاليفورنيا في شهر أكتوبر، بأن الاتفاق النووي الإيراني "قد مات"، لافتا إلى أنه لن يعلن ذلك على الملأ لأسباب سياسية.
وجددت إيران تأكيد أنها لن تتفاوض أبدا تحت ضغط وتهديدات، بعدما ذكر روبرت مالي في مقابلة حديثة مع مدونة "بلاي ليست" الصوتية التابعة لمجلة ((فورين بوليسي)) أن إدارة بايدن تستعد لخيار عسكري إذا فشلت المحادثات في التوصل إلى اتفاق.
وأوضح فؤاد إزادي، المحلل السياسي الإيراني، أن الهجوم العسكري والغزو والحرب سمات لا تنفصل عن الطبيعة الأمريكية، مستشهدا بالعمليات العسكرية الماضية في بعض الدول الإقليمية، ومن بينها العراق وأفغانستان وسوريا.
ولكنه أضاف أن التكلفة الضخمة لشن حرب ضد إيران تمنع واشنطن من الهجوم على البلاد، لأن "الأمريكيين يعلمون جيدا أن أي هجوم سيواجَه برد فعل قوي من إيران".
وقال وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان في اجتماعه مع جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، في العاصمة الأردنية عمَّان في ديسمبر، إن إيران مستعدة لاستكمال محادثات فيينا بناءً على مسودة حزمة المفاوضات، ناصحاً الأطراف الغربية في المحادثات بتجنب تسييس القضية، وتبني نهج واقعي وبناء.
وفي 28 ديسمبر، حذر أمير عبد اللهيان من أن فرصة التوصل إلى توافق بشأن إحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015 لن تظل متاحة إلى الأبد.
وقال أمير عبد اللهيان عقب اجتماعاته مع مسؤولين في العاصمة العُمانية، مسقط، إن الفرصة ستنتهي "إذا لم تكف الأطراف الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة، عن النفاق، وإذا لم يتصرف الغرب بواقعية".