اشار تقرير أصدرته جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو مؤخرًا، إلى أنه في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، استخدم ما لا يقل عن 2600 نزيل في سجن بالقرب من سان فرانسيسكو كمواضيع للتجارب الطبية، وأجريت العشرات من "التجارب الطبية غير الأخلاقية"، بما في ذلك حقن السجناء بالمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب.
وتعتبر هذه فضيحة أخرى مكشوفة في مجال حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، لكن يبدو أن الأطراف والسلطات تحاول تصغير الأمور. وتنص " قوانين نورمبرغ " التي تمت صياغتها بعد الحرب العالمية الثانية رداً على ممارسة النازيين للتجارب البشرية على معسكرات الاعتقال، على ضرورة الحصول على موافقة الشخص المعني في التجارب على البشر. وهذا هو الاحترام الأساسي لكرامة الإنسان واستقلاله. وفي هذا الصدد، كان على الجامعة أن تعترف بأن تلك التجارب كانت "إشكالية" بسبب عدم الحصول على الموافقة المستنيرة من السجناء.
هناك العديد من التواريخ السوداء المماثلة لـ "التجارب البشرية" في تاريخ الولايات المتحدة. وقد ذكرت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية ذات مرة أنه من عام 1946 إلى عام 1948، مولت الحكومة الأمريكية تجارب طبية على حوالي 5500 غواتيمالي، وتعمد إصابة أكثر من 1300 جندي ومومس وسجين ومرضى عقليًا بمرض الزهري والأمراض التناسلية الأخرى، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 83 شخصًا. كما ذكرت "الصحيفة الهندوسية" ذات مرة أنه منذ عام 1932، استخدمت وزارة الصحة العامة الأمريكية ما يقرب من 400 رجل أمريكي من أصل أفريقي كمواضيع تجريبية باسم العلاج المجاني في ألاباما لدراسة ضرر مرض الزهري على جسم الإنسان سراً، دون تلقي اي علاج.
في الواقع، ما كشفته وسائل الإعلام ليس سوى غيض من فيض من "التجارب البشرية" غير القانونية وغير الأخلاقية في الولايات المتحدة. وتثبت هذه الأمثلة المروعة وحدها وبشكل كامل أن الولايات المتحدة التي تزعم دائمًا أنها "حارسة" حقوق الإنسان، هي في الواقع "منافقة" للغاية. وأن كل أنواع الألوان الجميلة التي تحاول الولايات المتحدة رسمها على إطار حقوق الإنسان هي مجرد ألوان وهمية لخداع الشعب الأمريكي والمجتمع الدولي. قال دانيال كوفاليك، المحامي الأمريكي لحقوق الإنسان وحقوق العمال وأستاذ القانون الزائر بجامعة بيتسبرغ، إن ما يسمى بـ "حقوق الإنسان على النمط الأمريكي" التي تروج لها الولايات المتحدة هي في الواقع ذريعة لخداع الناس في الداخل والخارج، وأداة لمجموعات المصالح لتحقيق مصالحهم.
إن جذور النفاق الأمريكي في موضوع حقوق الإنسان ليست سطحية وانما عميقة جداً. وإن العنصرية العميقة الجذور و"القواعد الخفية" لـ "القوي يأكل الضعيف" تعكس قسوة ولامبالاة "الداروينية الاجتماعية". ويمكن أن نرى من الفضائح التي تم الكشف عنها أعلاه، أن معظم الضحايا هم من الأجانب، أو الأفارقة السود، أو السجناء الذين فقدوا حريتهم، حيث أن في الوعي الاجتماعي لتفوق البيض في الولايات المتحدة، لا يبدو أن الأفعال القذرة التي تُرتكب ضد هؤلاء "الأشخاص الأدنى منزلة" مشكلة كبيرة.
وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، تم الكشف باستمرار عن فضيحة الاعتقال التعسفي والتعذيب في خليج غوانتانامو من قبل الولايات المتحدة، وغالبًا ما تكون هناك أطراف تخرج للإدلاء بشهادتها، لكن الولايات المتحدة تفعل ما تريده، ولم "يغلقوا أيديهم" فحسب، بل قاموا بنشر "شبكة السجون السوداء" للعالم كله. ولطالما أصبحت "السجون السوداء" سيئة السمعة في جميع أنحاء العالم مثالًا نموذجيًا للولايات المتحدة التي تدوس بشكل عشوائي على حكم القانون وعلى حقوق الإنسان.
بالنظر إلى الولايات المتحدة، فإن السجون الخاصة ليست أكثر من " مساكن العبيد الحديثة" التي تنتهك حقوق الإنسان. ووفقًا للبيانات الصادرة عن مكتب إحصاءات العدل التابع لوزارة العدل الأمريكية العام الماضي، فإنه حتى نهاية عام 2019، تم سجن أو احتجاز أكثر من مليوني شخص في الولايات المتحدة، من بينهم أكثر من 100 ألف محتجز في سجون خاصة. كما ينتهك بعض مشغلي السجون الخاصة في الولايات المتحدة الذين أعمتهم الارباح حقوق الإنسان في السجون، ويمارسون القمع الشديد والمروع وعديم الضمير على المعتقلين.
لقد ارتكبت الولايات المتحدة نفسها العديد من الأعمال غير الإنسانية فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، لكنها تروج لشعارات جميلة بأسلوب رفيع المستوى وتهاجم أوضاع حقوق الإنسان في البلدان الأخرى ـــ ــ إن نفاق و "انقسام" الولايات المتحدة بشأن قضايا حقوق الإنسان أمر مذهل. وإن فضيحة "التجارب البشرية" جعلت وجه الولايات المتحدة أكثر وضوحا للعالم. وقد تكون رواية حقوق الإنسان التي صاغتها الولايات المتحدة بعناية صاخبة لبعض الوقت، لكنها لا تستطيع الاستمرار في خداع العالم.