القاهرة 8 سبتمبر 2022 (شينخوا) شهدت منطقة الشرق الأوسط تغيرا مناخيا غير عادي في صيف العام الجاري الذي قارب على الانتهاء، متمثلا بدرجات حرارة عالية وفيضانات عارمة وحرائق غابات هائلة وعواصف ترابية خانقة، ما تسبب في خسائر مادية وبشرية وبيئية فادحة.
وفي مواجهة التغيرات المناخية وما سببته من كوارث طبيعية، اتفق خبراء عرب على ضرورة تبني سياسات وإجراءات لمواجهتها بأقصى طاقة ممكنة للتقليل من مخاطرها، لا سيما قبيل انعقاد قمة المناخ الدولية (كوب 27) في شهر نوفمبر المقبل في مصر.
ــ طقس متقلب وخسائر كبيرة
دخل السودان في حزام الأمطار الغزيرة التي تحدث فيضانات كبيرة منذ 3 عقود، حيث تزايدت معدلات الأمطار بصورة غير مسبوقة خلال عامي 2021 و2022، مما تسبب في إحداث خسائر بشرية ومادية كبيرة بفعل التغير المناخي.
وقال خبير المناخ في السودان محمد إسماعيل لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن غالبية أراضي السودان معرضة للتغيير بسبب العوامل المناخية، لافتا إلى أن "السودان من البلدان التي تعاني بشدة من تغيرات المناخ".
وشهدت مناطق واسعة من السودان، الذي يأتي علي رأس قائمة من 65 دولة هي الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي في العالم، معدلات أمطار غير مسبوقة أدت إلى تدمير عدد كبير من المنازل.
وأعلنت الأمم المتحدة أخيرا أن نحو 136 ألف سوداني بمختلف مناطق البلاد تضرروا جراء الأمطار الغزيرة والسيول، منذ يونيو.
وذكر المجلس القومي للدفاع المدني في السودان في بيان أخيرا أن السيول والفيضانات أدت إلى وفاة 115 شخصا وإصابة 115.
كما أدت مياه الأمطار الغزيرة إلى انهيار 38857 منزلا بصورة كلية، و54345 منزلا بصورة جزئية فيما تضرر 342 من المرافق و108 من المتاجر والمخازن جراء الأمطار التي أدت كذلك إلى نفوق 2406 رؤوس من الماشية وتضرر 123 ألف فدان من الأراضي الزراعية.
وفي دولة عربية أخرى هي الجزائر، شهدت البلاد خلال السنوات القليلة الماضية، اضطرابا في الطقس، أدى إلى جفاف وحرائق وتراجع في الإنتاج الزراعي.
وخلفت حرائق الغابات التي اجتاحت عددا من الولايات الشمالية الشرقية للبلاد أخيرا 43 قتيلا ونحو 200 جريح، بالإضافة إلى إتلاف أكثر من 2600 هكتار من الغابات والأحراش.
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة الجزائرية الدكتور فارس مسدور إن حرائق الغابات في الجزائر مرتبطة بعدة عناصر أبرزها الجفاف الذي عرفته البلاد.
وفي الكويت، شهد مناخ الدولة الخليجية تغيرا خلال نصف القرن الماضي، إذ تشير سجلات الطقس والمناخ في إدارة الأرصاد الجوية إلى ارتفاع في درجات الحرارة بمقدار 1.8 درجة مئوية خلال الفترة من 1962 إلى 2021.
وقال عالم الأرصاد الكويتي عيسى رمضان إنه عندما يتعلق الأمر بأكثر الأماكن سخونة في العالم، فقد سجلت الكويت أكثر من 50 درجة مئوية في بعض المناطق.
وأشار رمضان إلى "اختلاف المناخ ودرجة الحرارة وتحرّك الرمال والعواصف الترابية في الكويت حالياً، حيث بدأت درجات الحرارة الآن في الارتفاع في المنطقة عما كانت عليه قبل الستينات"، لافتا إلى أن "درجات الحرارة ارتفعت بأكثر من ضعفين إلى 3 أضعاف خلال السنوات العشر الماضية".
ورغم أن مصر لم تسجل في صيف العام الجاري درجات حرارة أعلى من المعدلات خلافا لصيف العام الماضي، حيث تجاوزت درجات الحرارة في حينه 41 درجة، بيد أنها لمست ارتفاعا في نسب الرطوبة، وهي السمة الأساسية لهذا الصيف.
وجعل هذا الأمر المواطنين يشعرون بارتفاع في درجات الحرارة خاصة في شهر أغسطس الماضي، حيث تجاوزت نسبة الرطوبة 90 % في القاهرة وأكثر من 95 % في السواحل الشمالية.
وأكد مدير عام مركز التنبؤات والإنذار المبكر بالهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية الدكتور محمود شاهين أن التغيرات المناخية تؤثر على العالم أجمع بما في ذلك مصر، والظواهر الجوية المصاحبة للفصول أصبحت أكثر حدة.
وأوضح أن تأثيرات التغيرات المناخية في مصر "متوسطة مقارنة بالدول الأخرى سواء في شبه الجزيرة العربية أو أوروبا"، لافتا إلى تأثير التغير المناخي على قطاع الزراعة في مصر حيث تأثرت بعض المحاصيل مثل المانجو والزيتون سلبا خلال العام الماضي.
ــ أسباب متعمقة وتحديات مشتركة
يتشاطر الخبراء العرب الرأي في ارتباط الكوارث الطبيعية بالتغير المناخي الذي اشتدت حدته خلال السنوات الأخيرة في العالم كله، بالتوازي مع ضعف الوعي وقلة الاستعدادات لمواجهة هذه المعضلة.
وأرجع خبير البيئة والمناخ والمستشار السابق بوزارة البيئة السودانية الدكتور محجوب حسن ارتفاع معدلات الأمطار في السودان خلال السنوات الأخيرة إلى التغير المناخي.
وأوضح حسن أن"التغير المناخي يكتسح العالم بأسره وليس السودان فقط، وكل ما نراه الآن هو من آثار التغير المناخي والتحول الجغرافي في مواعيد الأمطار والفيضانات".
لكن الخبير البيئي السوداني انتقد في الوقت نفسه، استعدادات الجهات المعنية للتعامل مع كارثة السيول والأمطار، قائلا "معلوم أن السودان قد دخل في حزام الأمطار الغزيرة منذ ثلاثة عقود، وفي كل عام تتكرر المأساة بسبب أن الاستعدادات أقل من المطلوب لمواجهة السيول والأمطار".
وفي هذا السياق، أقر حاكم ولاية الخرطوم أحمد عثمان بضعف الاستعدادات لمواجهة الفيضانات والسيول هذا العام.
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة الجزائرية الدكتور فارس مسدور إن الجزائر شهدت في السنوات القليلة الماضية اضطرابا في الطقس، وهو ما أدى إلى جفاف وحرائق وتراجع في الإنتاج الزراعي.
وأردف قائلا إن المنطقة برمتها تشهد تغيرا مناخيا خطيرا أثر على مردود القطاع الزراعي في الجزائر بشكل كبير وبالتالي كانت النتيجة ارتفاعا غير عادي في الأسعار، لكنه توقع أن يتغير الأمر إيجابا مع قرب فصل الشتاء.
وتعليقا على الجفاف الشديد الذي عانت منه الجزائر منذ السنتين الماضيتين، قال المنسق الرئيسي للوكالة الوطنية الجزائرية للسدود والتحويلات أوغلاون مراد قبل حلول فصل الصيف، إن نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني بلغت 44 % فقط.
واعتبر مدير عام مركز التنبؤات والإنذار المبكر بالهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية الدكتور محمود شاهين أن مصر دولة نامية تأثرت بشكل كبير بالتغيرات المناخية والمتسبب الرئيسي في هذه التغيرات هو الدول ذات الاقتصادات الكبرى من خلال الاستخدام الجائر والزائد عن الحد لمشتقات الفحم والبترول.
ــ إجراءات جادة وتطلعات لـ ((كوب 27))
في مواجهة التحديات المشتركة المتمثلة في التغير المناخي، اتخذت دول المنطقة بالفعل إجراءات في محاولة للتقليل من مخاطر الكوارث الطبيعة الناجمة عن اضطراب الطقس.
ففي مصر بلغت نسبة الاستثمارات الخضراء 40 % من إجمالي الاستثمارات العامة وتستهدف القاهرة الوصول بها إلى 50 % خلال 2024/2025، بحسب ما أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أخيرا.
وقال السيسي إن العالم يحتاج إلى 800 مليار دولار حتى العام 2025 لمواجهة قضية المناخ.
ويستضيف منتجع شرم الشيخ المصري في نوفمبر المقبل قمة المناخ ((كوب 27)) وهي من أبرز الجهود الرامية لمواجهة التغير المناخي.
وطالب مدير عام مركز التنبؤات والإنذار المبكر بالهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية الدكتور محمود شاهين قمة المناخ بـ"خطوات جادة وسريعة وتكاتف بين دول العالم من أجل خفض انبعاثات الغازات".
ودعا شاهين إلى ضرورة قيام الاقتصادات الكبرى بدور "قوى وفعال" في تعويض الدول النامية عن خسائرها بسبب التغيرات المناخية.
وأكد أهمية التوصل إلى اتفاقيات "حقيقية" لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل كبير من أجل الوصول إلى الحالة الطبيعة لكوكب الأرض وعودة الغلاف الجوي إلى استقراره مرة أخرى.
ويأمل خبير المناخ في السودان محمد إسماعيل في أن تسهم القمة المرتقبة في وضع "خارطة طريق عالمية" لمواجهة خطر التغيرات المناخية.
وقال إسماعيل "كلنا نأمل في أن توفر القمة المقبلة التزامات إضافية لخفض معدلات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى التغير المناخي".
وأضاف "نأمل كذلك أن يتمكن قادة العالم من توفير آليات مناسبة لدعم الدول النامية، ومساعدتها على التعامل مع تداعيات التغير المناخي والتحول إلى الطاقة النظيفة".
وفي إطار جهود دول منطقة لمواجهة التغيرات المناخية، تعمل الكويت على تشجير أماكن كبيرة في الصحراء بنباتات وشجيرات وأشجار فطرية من البيئة المحلية لا تحتاج إلى ريّها بالماء، وفق الناشط البيئي ومستشار وزيرة البلدية الكويتية شبيب سعد العجمي.
وعن التحديات التي يواجهها العالم عموماً والكويت خصوصاً، قالت جنان باهزاد عضو مجلس إدارة الجمعية الكويتية لحماية البيئة إنه "تحد عالمي لا يتوقف عند الحدود الوطنية، وهو قضية تتطلب حلولاً تحتاج إلى تنسيق على المستوى الدولي".
وأضافت "نحن بحاجة إلى دول مثل الصين للتعاون مع الكويت، حيث يتطلب الوضع تعاونًا دوليًا لمساعدة الدول النامية على التحرك نحو اقتصاد منخفض الكربون".
ــ دور صيني رائد في مواجهة تغير المناخ
يحظى دور الصين في مواجهة التغيرات المناخية بتقدير وإشادة الخبراء العرب.
وقال مدير عام مركز التنبؤات والإنذار المبكر بالهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية الدكتور محمود شاهين إن الصين رائدة في خفض الانبعاثات الكربونية ووعدت بتحقيق الحياد الكربوني قبل الدول الغربية، واصفا ذلك بأنه "خطوة جيدة جدا".
وأوضح أن الصين جادة في مواجهة التغير المناخي وتتزعم الجهود الدولية في هذا المجال وإسهاماتها جيدة جدا، ولولا جهودها لأصبحت مكافحة التغير المناخي أصعب.
وأكد الخبير المصري أن التكنولوجيا والخبرات الصينية في مجال الأرصاد الجوية متقدمة، مشيرا إلى أن "هناك بروتوكولات تعاون بين مصر والجانب الصيني، كما أن الصين تعقد دورات ومؤتمرات بشأن قراءة ودراسة صور الأقمار الصناعية ومصر تحضر هذه المؤتمرات".
واتفق أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة الجزائرية الدكتور فارس مسدور مع شاهين قائلا إن التكنولوجيا الصينية خطت خطوات متقدمة جدا في هذا المجال، ودلل على ذلك بأن الصين لديها استقرار كبير جدا في مجال مكافحة الحرائق وأيضا في اقتصاد المياه.
ونوه مسدور في السياق بتجربة الصين في المناطق التي تعاني شحا كبيرا في المياه مع وجود مناطق فيها وفرة كبيرة.
وأوضح أن الصينيين وصلوا إلى الموازنة بين المناطق الوافرة والمناطق الفقيرة في مجال المياه، ويمكن للجزائر أن تستفيد من التجربة الصينية في هذا المجال وأن تنتهج نهجها بما يتوافق مع طبيعة الجزائر وطقسها.
بدوره، أشاد خبير المناخ في السودان محمد إسماعيل بخطة الصين المتمثلة في تحقيق الحياد الكربوني قبل حلول العام 2060، وقال إن "مثل هذه الخطط الطموحة تدفع الجهود العالمية الرامية إلي تعزيز التوجه نحو الطاقة النظيفة".
فيما أشادت جنان باهزاد عضو مجلس إدارة الجمعية الكويتية لحماية البيئة بمساهمة الصين في ملف المناخ العالمي، قائلة إن "تعهد الصين بحياد الكربون وخفض الانبعاثات سيسهم في مكافحة تغير المناخ العالمي، وهو ما لن يكون حلاً سهلاً من دون اتخاذ تدابير جذرية وتعاون عالمي في أقصر إطار زمني".