أنهى الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم 16 يوليو الجاري رحلته الأولى إلى الشرق الأوسط بعد توليه منصبه. وقد كتب بايدن مقالًا قبل الرحلة نشره في وسائل الإعلام الأمريكية، زعم فيه أنه سينفذ هجوماً دبلوماسياً قويا في الشرق الأوسط، على أمل أن تفتح هذه الزيارة "فصلًا جديدًا" أكثر تفاؤلاً. ومع ذلك، كانت النتيجة الفعلية بعيدة عما كان يأمله، حيث اشتكى منه مستخدمو الإنترنت في إسرائيل، واحتج عليه الجمهور في فلسطين، واستجوبه صحفيون في المملكة العربية السعودية.
لقد قام بايدن بزيارة الشرق الأوسط على عجل لهدفين رئيسيين: ـ
أولاً، التحكم في أسعار النفط
أظهرت أحدث البيانات الصادرة عن وزارة العمل الأمريكية يوم 13 يوليو الجاري، اليوم الذي سافر فيه بايدن إلى إسرائيل، أن مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي في يونيو ارتفع بنسبة 9.1٪ على أساس سنوي، وهو أعلى بكثير من توقعات السوق وأعلى قيمة منذ نوفمبر 1981. ويعتبر ارتفاع أسعار النفط من العوامل المهمة التي أدت إلى استمرار تدهور التضخم المحلي في الولايات المتحدة. وقد أثار هذا استياء الناس في الولايات المتحدة وأصبح أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض معدل الدعم لبايدن. وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قد نشر في وقت سابق أنباء مفادها أن الضغط على منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لزيادة إنتاج النفط لخفض أسعار النفط النقطة التي سيركز عليها بايدن عندما يلتقي بقادة دول الخليج في السعودية.
ثانياً، كسب الحلفاء والضغط على روسيا وإيران
أصبحت حاجة الولايات المتحدة للفوز بحلفاء تقليديين في الشرق الأوسط أكثر إلحاحًا مع استمرار احتدام الصراع بين روسيا وأوكرانيا وتعطيل المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني. وذكر بايدن في مقال نشرته في وسائل إعلام أمريكية قبل رحلته إنه سيعزل إيران عن حلفاء ويجبرها على استئناف تنفيذها للاتفاق النووي الإيراني من خلال الضغط الدبلوماسي والاقتصادي. ومن جانب آخر، سيزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إيران في 19 يوليو الجاري، ويعقد قمة مع رئيسي تركيا وإيران. وتحاول دول الخليج الممثلة بالسعودية تجنب الانحياز إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا، كما تظهر بوادر التهدئة في العلاقة بين إيران والسعودية.
في نظر حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، تعتبر زيارة بايدن "الجمل لا يذكر ربه إلا عند الزلق"، ذات مغزى رمزي أكثر من مغزى عملي. وكما قال ناصيف معلم، المستشار السياسي في المركز الفلسطيني لقضايا السلام والديمقراطية، فإن الولايات المتحدة تهتم بمصالحها الخاصة فقط، وزيارة بايدن هي مجرد عرض للعلاقات العامة. ويمكن أن نرى من جدول زيارة بايدن والتصريحات ذات الصلة أن مصالح ومطالب حلفاء الشرق الأوسط ليست بالفعل في اعتباراته. ويعتبر الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة، نقطة ارتكاز مهمة لاستراتيجيتها العالمية، لكن لم يعد يُنظر إليه على أنه أولوية.
في السنوات الأخيرة، قلصت الولايات المتحدة باستمرار استثماراتها في الشرق الأوسط وأضعفت استثماراتها الأمنية في المنطقة، وتحول اهتمامها من الشرق الأوسط إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وكان أول قرار رئيسي يتعلق بالشرق الأوسط تحت إدارة بايدن هو إنهاء الدعم العسكري الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن. وبخصوص إيماءة "العودة" الحالية، اخترقت وسائل الإعلام الأمريكية الحقيقة بحدة -لولا ارتفاع أسعار النفط الذي هدد بإعادة انتخابه، فقد لا يذهب الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط على الإطلاق. وإن ما تريد الولايات المتحدة فعله في الشرق الأوسط مشابه جدًا لما تفعله ي مناطق أخرى، أي الدفع بالحلفاء إلى الأمام وإخراج نفسها من هذا "المستنقع".
في الواقع، سئمت دول الشرق الأوسط منذ فترة طويلة نهج الولايات المتحدة في المغادرة والعودة العشوائية، وقد رأوا منذ فترة طويلة أن الولايات المتحدة لن تجلب سوى المواجهة والاضطرابات. وأفادت وسائل إعلام سعودية أنه خلال لقاء بايدن مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حذر الأخير بايدن من أن لكل دولة قيمها الخاصة وأن فرض قيمها الخاصة على الدول الأخرى لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية، ويتضح فشل الولايات المتحدة في تطبيق " القيم الأمريكية" في العراق وأفغانستان من حقيقة أن "السعودية لا ترحب بدبلوماسية القيم الأمريكية".
الشرق الأوسط ليس باحة خلفية لأي أحد كان. وقد أدركت دول الشرق الأوسط بشكل متزايد استقلاليتها الاستراتيجية، وبدأت المزيد من الدول في صياغة سياسات خارجية بناءً على مصالحها الخاصة، وبشكل عام تتخذ السعي لتحقيق السلام والتنمية كمطالب رئيسية لها. وفي الوقت الحاضر، أكثر ما تتمناه شعوب منطقة الشرق الأوسط هو التنمية وما يحتاجونه أكثر هو الأمن. ويجب على المجتمع الدولي، وخاصة القوى الكبرى، أن يكون حريصًا على احتياجات هذه الشعوب، ومساعدتها على حل قضيتين رئيسيتين هما التنمية والأمن، وتقديم المساعدة البناءة لهذا الغرض، ليس العكس.