السويداء ـ سوريا 17 يوليو 2022 (شينخوا) مع بزوغ خيوط الشمس يقف المزارع السوري نايف صيموعة الرجل الخمسيني بالعمر، بوسط أرضه التي زرعها بالقمح، وراح يجني سنابل القمح التي انتظرها أكثر من أربعة أشهر لتنضج، ويتأملها بفرح شديد بعد أن أصبحت صفراء بلون الذهب، ويقبلها قائلا ،"الحمد الله على ما أعطيت من زرق"، و"رزق المقسوم وصل"، في دلالة على رضا ما انتجته الأرض من موسم وفير من القمح.
وإلى جواره وقف ابنه وحيد البالغ من العمر(26 عاما ، ليساعد والده في التقاط سنابل القمح من الأرض، وسط حالة من الفرح والسرور، وهما ينشدان بعض الأهازيج الشعبية المستوحاة من تراث محافظة السويداء (جنوب سوريا) التي يسكنها أغلبية من طائفة المسلمين الموحدين الدروز.
ومنذ عهود قديمة وأهالي محافظة السويداء وخاصة الأرياف، يقومون بزراعة أراضيهم بعدة محاصيل حقلية ، مثل القمح والشعير والحمص والعدس وغيرها من الحبوب، ولكن مع قيام الحكومة السورية بتقديم خدمات مختلفة للمواطنين خلال العقود القليلة الماضية، ترك الغالبية منهم العمل في الزراعة ، واعتمدوا على ما تقدمه الدولة لهم من خدمات، وقسم منها هاجر إلى المدن تاركا الريف بحثا عن عمل آخر غير الزراعة ، ويبدو أن الأزمة السورية التي نشبت قبل 12 عاما شكلت هجرة عكسية للناس نحو الريف الأمر الذي أدى إلى انتعاش الزراعة بشكل كبير ، كما أن تدهور الحالة الاقتصادية لدى السوريين ، وغلاء الأسعار، دفعتهم أيضا للبحث عن زراعات أخرى بغية تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي انتشر مؤخرا بين الشرائح الاجتماعية المختلفة في سوريا.
وقال نايف صيموعة الملقب بأبي وحيد، لوكالة أنباء ((شينخوا))، وهو يرتدي شماخ أحمر اللون على رأسه ليحميه من أشعة الشمس ، إن "الأرض هي التي تحفظ الكرامة للإنسان، وبدونها تجوع الناس، لهذا الناس تسعى حاليا لزراعة كل شبر أرض".
وتابع يقول"الكل الآن يعمل من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي ،لأن الغلاء والأزمات العالمية المختلفة ،دفعت الناس والمزارعين للعودة للأرض ، والعمل بها بعد تركها لسنوات بسبب اعتماد الناس على الآخرين ، وتحكمهم بقوت الناس"، مؤكدا أنه "لم يعد أمامنا أي خيار آخر سوى العمل بالأرض ، والاعتماد على الذات لتحقيق الاكتفاء الذاتي".
وعبر أبو وحيد الذي كان يتنقل بين سنابل القمح ، عن فرحه بما انتجته له الأرض من قمح وفير، وقال"الآن أشعر بفرحة عامرة ، بيتي اليوم فيه قمح ، وهذا سيجعلني اتغلب على مختلف الظروف التي يمكن أن تحصل مستقبلا ".
وأضاف أن "أمورنا بتراجع مستمر ، وليس أمامنا من خيار سوى الاعتماد على الذات ، وهذا الموسم الحالي للقمح سيخرج منه طحين للخبز ، وبرغل ، وطعام للدجاج الذي نربيه بالبيوت لكي نحقق الاكتفاء الذاتي الذي كان أجدادنا أسسوا له".
وقال إن "الأرض التي كانت تنتج الخير، وكانت السلة الغذائية لسوريا أصبحت الأن تحت سيطرة الفصائل المدعومة من قبل أمريكا والتي تسرقه وتحرمنا منه "، مؤكدا ان الوطن سيتعافى ولن يبقى هكذا ، قائلا " ما علينا إلا أن يبدأ كل شخص من ذاته ،وأن يحقق لنفسه الاكتفاء الذاتي من خلال العودة للأرض وزراعتها وهذا يحمينا من الحاجة العالمية للغذاء وتأثيرها على الدول والشعوب التي لديها أزمات".
وبدوره رأى الفلاح السوري رؤوف يحيي عز الدين من منطقة صلخد بريف السويداء الجنوبي البالغ من العمر(53 سنة) أن الأرض هي العرض ، وهي التي تحقق الاستقرار للإنسان في بلده .
وقال رؤوف الملقب بأبي مهران لـ ((شينخوا)) " أنا أعمل في الزراعة منذ الصغر، ومسألة الأكتفاء الذاتي هي شيء هام وضروري ، وقبل نشوب الأزمة في سوريا كان سكان القرى والأرياف يهاجرون إلى المدن لتوفر الخدمات ، ولكسب لقمة العيش والهروب من الأعمال الزراعية المتعبة، ولكن في ظل هذه الظروف من غلاء للمعيشية وتدهور الحالة الاقتصادية التي نعيشها حدثت هجرة عكسية وعاد السكان إلى الأرياف للعمل في الأرض وممارسة الزراعة من فلاحة وزراعة بغية الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن شراء ما يلزم من السوق".
وأشار أبو مهران الذي كان يحصد حقله في مكان مجاور بريف السويداء الجنوبي الشرقي إلى أن كل من لديه قطعة أرض صغيرة راح يزرعها في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي ، وخاصة القمح الذي يعد المحصول الاستراتيجي الذي لا يمكن لأي بيت الاستغناء عنه فمنه يأخذ الطحين والبرغل وأشياء أخرى تفيد المنزل.
وقال أبو مهران "عندما أحصل على القمح فالخبز أصبح في منزلي، وكذلك مادة البرغل التي نعد منها أصناف متعددة من الطعام وهي مادة أساسية في بيوت اهل الريف" ، مشيرا إلى أن هناك صعوبات تواجه العمل حاليا هي قلة الأيدي العاملة ، وغلاء أجورها ، إذ أن كل واحد دونم أرض ما يعادل 1000 متر مربع يكلف حوالي 30 الف ليرة سورية ( كل واحد دولار يساوي 2814)، أجور حصاد مقابل الحصول على القمح الذي تنتجه الأرض ، وكذلك التبن الذي يخرج منه كعلف للحيوانات وهذا هام جدا في الوقت الحالي إذ أن أغلب المزارعين يحصدون أراضيهم يدويا بغية الحصول على مادة التبن الذي يشكل علفا للمواشي والأبقار.
وتابع يقول "عندما يتحدثون عن الأمن الغذائي العالمي ، والمخاطر المحتملة منه ، فنحن هنا في الريف لا نشعر به لأننا نزرع القمح سنويا ونخزن ما نحتاجه منه ، والفائض لدينا نقوم ببيعه أما للدولة أو لمن ليس لديه قمح .. وبالتالي من لديه أرض يزرعها لا يبالي بالأزمات التي تحدث نحن نأكل مما نزرع ، وهذا ليس بجديد علينا فأجدادنا أسسوا لهذا الحياة ونحن نكمل الطريق ".
وأضاف " الاكتفاء هو نمط حياة بالنسبة لنا، ولكن ظروف التمدن فرضت علينا الابتعاد عنها والاعتماد على الأفران في الحصول على الخبز، وغيره، ولكن اليوم تعود الأمور إلى نصابها والكل يزرع ويضع القمح بمنزله كخطوة على طريق الاكتفاء الذاتي ".
وتابع يقول " بدل أن أجلس تحت رحمة أي بلد يتحكم بقوت العالم، لماذا لا أزرع أرضي وأحصل على القمح والخبز وبالكمية التي أرغب"، مؤكدا أن هذه الأزمة العالمية "اعطنتا درسا قاسيا فهي التي دفعتنا للعمل بالأرض والاعتماد على الذات وتحقيق الاكتفاء الذاتي" .
وعلى بعد أمتار قليلة كان أبو سليمان البالغ من العمر (62 عاما) قد نقل قمحه إلى البيدر ، وكانت الدراسة وهي آلة تقوم بطحن سنابل القمح ليخرج القمح من جهة والتبن من مكان آخر ، وسط حالة من الابتهاج لما حصل عليه من غلة القمح.
وقال أبو سليمان لوكالة أنباء ((شينخوا))، وهو يسحب أكياس القمح التي امتلأت "هذه الأكياس التي بين يدي تشعرني بالراحة والأمان ، فالقمح يجب أن يبقى في بيوتنا، وهذه عادة قديمة "، مشيرا إلى أن الأجداد كانوا يأخذون قمحهم من الأرض ويأكلون خبزا.
وأضاف " الولايات المتحدة الأمريكية تسرق القمح من أرض الجزيرة السورية ، وتحرم السوريين منه ، ولهذا لابد من حث الناس على زراعة أراضيها كي نحقق الاكتفاء الذاتي من القمح لأنه محصول استراتيجي "، مشيرا إلى أن أمريكا تريد تجويع السوريين من خلال سرقة الثروات الموجودة فيه.
وتتهم الحكومة السورية مرارا وتكرار الولايات المتحدة الأمريكية ، وقوات(قسد) المدعومة من قبلها ، بسرقة الثروات النفطية والقمح خلال السنوات الماضية ، وتطالب بخروجها من الأراضي السورية ، لأن وجودها غير شرعي على الأرض السورية.