أصبحت "أزمة الغذاء" مؤخرا محل نقاش ساخن في جميع أنحاء العالم. وقد استغلّت بعض الدول ذات الدوافع الخفية "أزمة الغذاء" في تأجيج ما تسميه بالتهديد الصيني. حيث زعمت هذه الدول بأن الصين تعمل على تسريع شراء المواد الغذائية من السوق العالمية وتخزينها، مما أدّى إلى تفاقم مشكلة نقص الغذاء العالمي، متهمة الصين بعدم المبالاة بـ "أزمة الغذاء".
وفي الحقيقة، تعد الصين أكبر منتج للحبوب في العالم وثالث أكبر مصدر له، بمعدل اكتفاء ذاتي للحبوب يزيد عن 95٪. وليست لديها حاجة مطلقًا للجوء إلى السوق الدولية من أجل "تخزين الحبوب". وفي هذا الصدد، قال كاليباتا، المبعوث الخاص لقمة الغذاء للأمم المتحدة، إن "الصين قد أدارت مخزونها من الحبوب بشكل جيد، ليس فقط لضمان الإمدادات الغذائية للشعب الصيني، ولكن أيضا للمساهمة في الأمن الغذائي لشعوب العالم".
وتستخدم الصين أقل من 9٪ من أراضي العالم لإنتاج حوالي ربع حجم الغذاء العالمي، لتغذي ما يقرب من خمس سكان العالم، وتقدّم مساهمة هامة في ضمان الأمن الغذائي العالمي.
وخلال السنوات الأخيرة، تبرعت الصين بـ 130 مليون دولار أمريكي لصندوق التعاون بين بلدان الجنوب التابع لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). وهي الدولة النامية الأكثر تقديما للمساعدات المالية، والأكثر إرسالا للخبراء، والأكثر تنفيذا للمشاريع في إطار التعاون فيما بين بلدان الجنوب لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. ومنذ عام 2016، قدمت الصين مساعدات غذائية طارئة لأكثر من 50 دولة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ، استفاد منها عشرات الملايين من الأشخاص المتضررين من الكوارث. ومنحت مساعدات غذائية طارئة لأفغانستان وسريلانكا وكينيا وأوغندا والكونغو (برازافيل) وبنين وليبيريا ودول أخرى، خاصة منذ تفشي فيروس كوفيد -19، وحصلت علىإشادة من المجتمع الدولي والشعوب على نطاق واسع.
وساعدت الصين العديد من البلدان على تحسين قدرة الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي، من خلال إيفاد الخبراء، وبناء المزارع النموذجية، وتدريب المزارعين النموذجيين، وتعزيز أصناف المحاصيل المحسّنة، وتقديم الدعم الفني.
ومنذ عام 1979، انتشر الأرز الصيني المهجن وزرع في عشرات البلدان والمناطق في آسيا وإفريقيا وأمريكا، مع مساحة زراعة سنوية تبلغ 8 ملايين هكتار. بمتوسط محصول أعلى بحوالي 2 طن للهكتار من مثيله للأصناف المحلية الجيّدة. وذهب الباحثون الصينيون إلى الهند وباكستان وفيتنام وميانمار وبنغلادش ودول أخرى لتقديم المشورة والاستشارات، وقاموا بتدريب أكثر من 14000 متخصص في الأرز الهجين من خلال دورات تدريبية دولية لأكثر من 80 دولة نامية.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل الصين جاهدة على تنفيذ اتفاقية تيسير التجارة لمنظمة التجارة العالمية، ودعت جميع الدول إلى إبقاء تجارة الحبوب العالمية مفتوحة، وحثت على رفع العقوبات الأحادية الجانب، والحفاظ على استقرار وسلاسة الصناعة العالمية وسلاسل التوريد.
وبعد الحديث عن مساهمة الصين، دعونا نلقي نظرة على "أزمة الغذاء" والغموض الكامن وراءها. بصفتها أكبر مصدر للحبوب في العالم، فإن الولايات المتحدة مسؤولة بشكل أساسي عن "أزمة الغذاء" الحالية.
ليس هناك شك في أن روسيا وأوكرانيا هما أول وسادس أكبر مصدرين للقمح في العالم، وقد أدى الصراع بين الدولتين إلى إلحاق الضرر بسلسلة صناعة الأغذية العالمية وسلسلة التوريد. لكن رغم ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تدفع الناتو للتوسع شرقًا، وخوض حروب الوكابة، وتبيع الأسلحة من أجل تأجيج الصراع.
بالإضافة إلى ذلك، تحتكر شركات"اي دي أم" و "بونج"و"كارجيل" و"لويس دري فوس" أكثر من 80 ٪ من معاملات الحبوب في العالم، بينها ثلاث شركات أمريكية. وحينما يرتفع السعر الدولي للحبوب، يعمل التجار الأربع الرئيسيين للحبوب، على شراء الحبوب بسعر منخفض وبيعه بسعر مرتفع في سوق العقود الآجلة للحبوب، ويجمعون محاصيل الحبوب في مختلف بلدان العالم ويعملون على دفع أسعار الحبوب، نحو الإرتفاع، مستفيدين من مركزهم الاحتكاري العالمي وقوة رأس المال.
ولا تساهم الولايات المتحدة بشكل جذري في أزمة الحبوب فحسب، بل تعمل أيضا على توجيهها. حيث تستخدم واحدًا بالألف فقط من أرباح احتكارها للحبوب كمساعدات غذائية، ولذلك فإن ازمة الغذاء الحالية تعيد من جديد تسليط الضوء على الدور المهيمن للولايات المتحدة في تجارة الغذاء العالمية.
وقد التزم المجتمع الدولي بالقضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية على مستوى العالم بحلول عام 2030. وفي إطار هذه الخطة، بذلت الصين جهودا حثيثة من أجل تحقيق هذا الهدف، وستواصل ذات الجهود في المستقبل. وحول هذه الخطة، قال وزير الخارجية الأمريكي بلينكين في خطاب ألقاه مؤخرًا عن سياسة الصين، إنه لا ينبغي السماح للخلافات الأمريكية الصينية بأن تقف حائلا في طريق دفع الأولويات التي تتطلب تعاونًا ثنائيًا، بما في ذلك حل قضية أزمة الغذاء.
ولطالما استمعت الصين إلى مثل هذه الخطابات وراقبت أفعال الولايات المتحدة، والتي كانت دائما تخضع إلى ازدواجية القول والفعل. في حين ظلت الصين تفتح أبواب التعاون في مجال الأمن الغذائي العالمي، وكانت مبادرتها لتحقيق التعاون الإنمائي العالمي فعالة دائمًا. وقد حان الوقت الآن للولايات المتحدة لاتخاذ الخطوة الصحيحة.