تعليق: "حرب الظل" بين إسرائيل وإيران تهدد أمن المنطقة بأكملها

تصاعدت وتيرة الصراع مجددا بين إسرائيل وإيران  في الأيام الأخيرة. بعد أن نشر الجيش الإسرائيلي في 17 مايو الجاري، أنباء عن ترتيب "محاكاة لهجوم على منشآت نووية إيرانية" في أكبر مناورة عسكرية في تاريخ إسرائيل ستنظم في يونيو المقبل. وكان الحرس الثوري الإيراني قد أصدر في 22 مايو الجاري، بيانًا قال فيه إن الضابط بالحرس الثوري، العقيد صياد خدائي، قد اغتيل في العاصمة طهران ذات اليوم. موجها أصبع الاتهام مباشرة إلى إسرائيل. في حين صرح الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي بأن بلاده سوف ستنتقم من المسؤول عن هذا الهجوم الإرهابي.

وبينما تستعد إسرائيل لإجراء مناورات عسكرية وسط ضجة كبيرة، أدى اغتيال خدائي إلى زيادة حدة التوترات بين إسرائيل وإيران.

وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن خدائي يمثل أعلى شخصية إيرانية يتم اغتيالها منذ مقتل عالم الفيزياء النووية الإيراني محسن فخري زاده عام 2020. وقال رئيسي في حديثه عن هذا الاغتيال، أن "النظام العالمي المتغطرس" يمكن رؤيته في هذا العمل الإجرامي، داعيا مسؤولي الأمن الإيرانيين إلى متابعة القضية بجدية.

وبغض النظر عن التدريبات العسكرية أو حادثة الاغتيال، فهي أمثلة على اشتداد "حرب الظل" بين البلدين. وفي هذا الصدد، يقول سون ده قانغ، المدير والباحث بمركز أبحاث الشرق الأوسط بجامعة فودان، أن إسرائيل وإيران قد كثّفتا المنافسة الاستراتيجية في الشؤون الإقليمية، على غرار العراق وسوريا. وأن هناك حرب ظل تجري بين البلدين على جبهات مختلفة، مثل الاغتيالات والضربات الصاروخية المفاجئة، والهجمات الإلكترونية واسعة النطاق، والطائرات المسيّرة والحرائق المجهولة في مرافق استراتيجية متعددة.

ويرى سون ده قانغ أن إجراء إسرائيل لأكبر مناورة عسكرية في تاريخها، يرجع أساسًا إلى قلقها المتزايد من التهديد الإيراني". حيث تخشى إسرائيل من جهة، أن يسهم ارتفاع أسعار النفط، المتأثر بالصراع الروسي الأوكراني، إلى تخفيف الضغوط المالية على إيران وتتحسن الأوضاع الاقتصادية الإيرانية. ومن جهة ثانية، مع طول أمد المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، واتخاذ إيران إجراءات مضادة ضد العقوبات الأمريكية. تعتقد إسرائيل أن إيران قادرة على إنتاج رؤوس نووية في غضون ستة أشهر. كما، تتوجس إسرائيل من التواجد الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وبناء تحالف مناهض لها في الدول المحيطة بها.

علينا أيضا، ألا نتجاهل دور الولايات المتحدة في الصراع الإسرائيلي الإيراني. حيث ذكر موقع "بوليتيكو" الأمريكي، بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أجرى مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، وقرر عدم إزالة الحرس الثوري الإيراني من "قائمة المنظمات الإرهابية". مؤكدا على أن ذلك يعد "القرار النهائي للولايات المتحدة". وقال التقرير إنه بسبب هذا "القرار النهائي"، قد تصبح المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني أكثر تعقيدًا.

"الإضافة إلى ذلك، لا تزال هناك عدة تناقضات هيكلية بين إسرائيل وإيران، جوهرها معركة القيادة الجغرافية"، يقول سون ده قانغ. ويضيف سون بأن إسرائيل تدعو إلى توحيد الدول المعتدلة الموالية للغرب في الشرق الأوسط لإقامة نظام شرق أوسطي، لمكافحة ما تسميه بـ «القوى الراديكالية» التي تمثلها إيران. بينما تعارض إيران القوى الأجنبية الساعية للهيمنة على الشرق الأوسط وتطالب بإقامة شرق أوسط للشرق أوسطيين.

على الصعيد الغربي، تنشغل الولايات المتحدة والقوى الأوروبية في التعامل مع الأزمة الأوكرانية، ولا تولي إيران اهتماما كافيا. لكن إسرائيل ترغب من خلال التدريبات العسكرية إرسال إشارة مهمة، تظهر قدرتها وعزمها على ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وعدم سماحها لإيران بامتلاك السلاح النووي.

 ويعتقد سون ده قانغ أن التدريبات العسكرية ستزيد من حدة الصراع الإسرائيلي الإيراني، مما يجعل النتائج أكثر خطورة. ومن المرجح أن تتخذ إيران إجراءات مضادة، بما في ذلك إجراء تدريبات عسكرية، واختبار الصواريخ الباليستية، ودعم الوكلاء، وتسريع تطوير برنامجها النووي.

ستؤثر حروب الظل المتكررة بين إسرائيل وإيران على كامل الوضع الإقليمي. وقال سون: "المواجهة الاستراتيجية بين البلدين ستزيد من صعوبة عودة الولايات المتحدة إلى المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني. وتؤدي أيضًا إلى إبطاء وتيرة التحسن في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. كما سيكون لتصاعد التوتر بين البلدين، تأثير غير مباشر على المنطقة بأكملها قد يؤدي إلى انحياز دول أخرى في الشرق الأوسط إلى جانب دون الآخر. وليس من المستبعد أن يعود الشرق الأوسط إلى نظام التحالفات والمعسكرات مرة أخرى. "