برالياس، لبنان 28 يناير 2022 (شينخوا) حول خيمة قماشية متهالكة تكاد تنهار من هول العاصفة القوية التي تضرب لبنان انشغلت النازحة السورية جميلة المحمد (54عاما) وأولادها الأربعة في إزالة الثلوج التي تراكمت فوقها محاولين وبصعوبة إعادة ترميمها من جديد في أعقاب الأضرار الفادحة التي لحقتها.
جميلة التي فقدت زوجها خلال الحرب السورية وهربت مع أطفالها من ريف حلب منذ أكثر من 10 سنوات إلى مخيم بر الياس شرق لبنان أعربت لوكالة أنباء ((شينخوا)) عن عجزها وعدم قدرتها على مقاومة المصاعب الجمة التي تطوقها من كل جانب.
وبلهجة يائسة، قالت الموت يطاردنا كيفما اتجهنا فبالكاد نتمكن من تأمين ما نقتات به في ظل البطالة وارتفاع أسعار كل شيء من مآكل ومشرب ودواء، فجاءت هذه العاصفة بصقيعها وثلوجها لتضاعف من مآسينا في ظل عدم توفر نار التدفئة من حطب ومازوت والتي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني خلال أقل من عام .
وأضافت أن العاصفة الثلجية القوية التي تضربنا منذ حوالي أسبوع زادت ولعدة أضعاف من مآسينا فالرياح والثلوج كادت تحطم الخيمة على رؤوسنا، تزامنا مع تسرب مياه الأمطار الغزيرة إلى داخلها لتبلل الفرش والوسائد وتأتي على الكثير من المحتويات التي نحتفظ بها .
ويتعرض لبنان والدول المحيطة منذ حوالي الأسبوع لعاصفة ثلجية قوية تدنت خلالها الحرارة في معظم المناطق اللبنانية الجبلية إلى عدة درجات تحت الصفر ولامست الثلوج المناطق التي يصل ارتفاعها الى حوالي 300 متر عن سطح البحر، حسب دائرة الأرصاد الجوية.
وزادت العاصفة وهي الأولى من نوعها منذ عقود مأساة النازحين السوريين وخاصة الذين يعيشون في خيم قماشية وبلاستيكية باتت هالكة نتيجة لمرور الزمن والذي تجاوز 10 سنوات على معظمها، ليتزامن ذلك مع وباء كورونا وتردي الوضع الاقتصادي وانهيار العملة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي والذي انعكس سلبا على أوضاع النازحين المعيشية وكذلك على المواطنين اللبنانيين.
بجوار مخيم جب جنين شرق لبنان مجموعة من الأطفال النازحين والذين تتراوح أعمارهم بين السبعة والعشر سنوات يدوسون بأحذيتهم الصيفية المهترئة على الثلج محاولين جمع القليل من أغصان الأشجار والبلاستيك علهم يتمكنون من أشعال الصوبيا ولفترة قصيرة ليتسنى لهم تنشيف ملابسهم المبللة.
وقال الطفل جلال المحمد نتبع نظام تقنين قاسي في أشعال نار التدفئة وبمعدل نصف ساعة صباحا وساعة ليلا بسبب النقص وارتفاع أسعار المازوت والحطب .
وداخل عشرات الخيم نساء وفتيات يخرجن خلسة وبسرعة مخبئات رؤوسهن لنشر قطعة بللها المطر على حبل الغسيل أو لتصويب فوهة صوبيا عكستها الرياح، ثم يسارعن للاختباء في خيم لا يثقون باحتضانها لهن في مثل هذه العواصف، كما قالت لشينخوا الفتاة العشرينية سائدة الغزال.
وأضافت خيمتنا غارقة بالوحول منذ عدة أيام أخوتي الصغار يرتجفون بردا بعد أن بللت الأمطار ملابسهم التي يرتدونها وطافت المياه على ملابس أخرى داخل حقيبة وسط الخيمة وليس لنا من حيلة سوى الانتظار لسطوع الشمس ولو لفترة قصيرة علنا نتمكن من تجفيف البطانيات وملابسنا وأحذيتنا.
وقال شاويش مخيم قب الياس شرق لبنان ماجد الحويري (60 عاما) لقد كتب علينا هذا الكم المتصاعد من العذاب فبتنا نقارع في هذه الفترة أعتى العواصف التي تضرب لبنان تزامنا مع تردي اقتصادي ومعيشي غير مسبوق، أدى إلى ارتفاع أسعار كل الحاجيات وشح في التقديمات الدولية التي تهاوت مع انهيار العملة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي مما ضاعف الضغوط المعيشية التي تضربنا من كل صوب.
وأشار النازح من ريف حلب إلى مخيم القرعون شرق لبنان جمال السريوي إلى أن الخوف من تداعيات هذه العاصفة جعل العائلات تتجمع في خيمة واحدة بمعدل عائلتين أو ثلاث في كل منها للتناوب ليلا على حمايتها من الرياح والثلوج بعدما باتت الخيم عرضة للهبوط والتمزق رغم محاولات تدعيمها في حين تحولت التربة إلى مستنقعات آسنة.
وفي خيمة مقابلة عبرت النازحة التي عرفت عن نفسها بـ(أم غسان)عن خوفها من غضب هذه العاصفة التي لم نواجه مثلها منذ نزوحنا فالخوف ينتابني من تطاير خيمتنا وأفكر باللحوء مع أطفالي الأربعة إلى مرآب أحد المنازل المجاورة حتى تحسن الأحوال الجوية .
من جهته شاويش مخيم المرج شرق لبنان أدهم العويصي شكا من الظلمة المسيطرة على معظم مخيمات النازحين في ظل التقنين القاسي، بحيث تصل الكهرباء ساعة أو ساعة ونصف في أحسن الحالات والظلام يحد من إمكانية النازحين في ترميم الخيم خلال ساعات الليل .
وقال نلجأ في الكثير من الحالات إلى أضواء ولاعات السجائر الصغيرة لتضيء لنا قليلا محيط الخيم علنا نستهدي على الأضرار التي تعرضت لها، كما نجد صعوبة كبيرة في إصلاح ما تعطل بسبب سرعة الرياح وغزارة الأمطار وكثافة الثلوج وإمكانياتنا المحدودة.
وأوضح أن معاناة النازحين تتجدد سنويا مع كل شتاء، لكنها هذا العام ترافقت مع ظروف استثنائية يعيشها اللبنانيون والسوريون اقتصاديا واجتماعيا وصحيًا نتيجة تفشي كورونا وانهيار اقتصادي غير مسبوق، لافتا إلى أن 90% من النازحين باتوا تحت خط الفقر المدقع بلبنان.
وطالب الجهات المعنية بضرورة إعادة فتح الطرقات التي أقفلتها الثلوج بالسرعة القصوى ونقل من تضررت خيمهم إلى أماكن آمنة وتأمين وسائل التدفئة واستبدال الخيم المنهارة وتأمين وجبات أكل جاهزة وأدوية وملابس شتوية خاصة للأطفال.
وأشار إلى أن ما تقدمه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السوريين وغيرها من المنظمات، غير كاف لتسديد حاجاتهم بعد التدهورالاقتصادي، متوقعا تفاقم أوضاع النازحين أكثر مستقبلا في ظل انعدام أي حلول جدية وعملية بالأفق.