تكررت الزيارات رفيعة المستوى بين تركيا والإمارات منذ نوفمبر 2021، وهو ما اعتبره المراقبون بأنه مؤشر على انفراج في علاقات البلدين، وقوبل بارتياح من قبل الرأي العام الدولي. بل وزعمت صحيفة "إندبندنت" البريطانية أن زيارة محمد بن زايد إلى تركيا قد شكلت نهاية "الحرب الباردة" التي استمرت منذ سنوات بين البلدين.
ويعتقد ليو تشونغ مين، الأستاذ في معهد الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، أن التهدئة في العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة تأتي في اطار جملة من العوامل الرئيسية:
أولا، يشكل التعديل الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والتغيرات في العلاقات الإقليمية بين القوى الكبرى الخلفية الدولية والإقليمية لتهدئة العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة. فمنذ مايو 2021، أظهرت علاقات المملكة العربية السعودية مع إيران وتركيا وسوريا، وكذلك علاقات تركيا مع مصر وإسرائيل، بوادر ايجابية متزامنة. ومع تغير الوضع الإقليمي، أدركت تركيا والإمارات دور بعضهما البعض في الشؤون الإقليمية (بما في ذلك قضايا إثيوبيا والسودان) وضرورة قيام الجانبين بتيسير العلاقات الثنائية.
ثانيًا، مع تراجع حدّة التناقضات بين المعسكرين الإخواني والمناهض للاخوان بقيادة كل من تركيا والسعودية، أخذت العلاقات بين تركيا والسعودية ومصر في التحسن، الأمر الذي قلص تأثير عامل الإخوان المسلمين في العلاقات بين تركيا والإمارات. ويرى بعض المحلّلين أنه بعد مرور عشر سنوات على "الربيع العربي"، انتهت معظم الثورات وتلاشت قوة الإخوان المسلمين، ما خفف من مصدرين رئيسيين للتوتر بين أبوظبي وأنقر. "
ثالثًا، تربط تركيا والإمارات علاقات اقتصادية وتجارية وثيقة، لا سيما خطر حدوث أزمة مالية ناجمة عن الانخفاض الخطير الحالي في قيمة الليرة التركية، مما يجعل الاستثمار الإماراتي أمرًا حيويًا لإخماد الضغوط الاقتصادية والسياسية التركية. وقد كانت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا والإمارات قوية منذ فترة طويلة، وحتى عند مرور العلاقات السياسية بين الجانبين بفترات توتر، لم تتدهور العلاقات التجارية بين البلدين. الجدير بالذكر أن استثمارات الإمارات في تركيا تحتل حالياً المرتبة الأولى بين دول الخليج، بإجمالي يصل إلى 4.3 مليار دولار.
وخلال السنوات الأخيرة، شهدت الليرة التركية تدنيا خطيرًا في قيمتها، مما تسبب في اضطرابات سياسية داخلية وتراجع شعبية أردوغان. وعلى الرغم من أن الاستثمار الإماراتي لا يمكن أن يغير المشاكل الهيكلية للاقتصاد التركي، إلا أنها تبدو مثل القشة التي يتعلق بها أردوغان من أجل تعزيز الثقة الاقتصادية.
رابعًا ، وفقًا لتقارير إعلامية، لا تزال هناك صفقة خاصة بين أردوغان ومحمد بن زايد.
حيث قالت بعض التقارير أن زعيم المافيا التركي المقيم في الامارات سادات بكر، يمثل عاملاً رئيسياً في التقارب بين تركيا والإمارات العربية المتحدة. حيث نشر سادات بكر من داخل الامارات فيديوهات على اليوتيوب تتهم كبار المسؤولين في حكومة حزب العدالة والتنمية بالفساد. ولذلك توصلت تركيا إلى اتفاق مع الإمارات، لمنع سادات بكر من نشر فيديوهات لاتخدم صالح حزب العدالة والتنمية، في المقابل قامت تركيا بقطع دعمها عن الإخوان المسلمين. ويرجح محلّلون بأن يغادر سادت بك الامارات.
ويعتقد ليو تشونغ مين أن الانفراج الحالي في العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة لن يغيّر التناقضات بين الجانبين بشكل تام. فمن جهة، لا تزال درجة الانفراج في العلاقات بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط محدودة، وعلى وجه الخصوص، لا تزال هناك شكوك في العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل. وبمجرد أن تشهد العلاقات بين هذه الدول وتركيا صعودًا وهبوطًا، ستؤثر على العلاقات بين تركيا والإمارات. ومن جهة ثانية، لا تزال الخلافات قائمة بين تركيا والإمارات حول العديد من القضايا الإقليمية الساخنة، لا سيما ليبيا وسوريا وفلسطين. أضف لذلك، أن تركيا والإمارات تعدان دولتين نشطتين في منطقة الشرق الأوسط، وهما عرضة للنزاعات الجيوسياسية مع الطرف الثالث. كما تعرف تركيا وضعا سياسيا ودبلوماسيا معقدا. حيث دائما ما تتقلّب الدبلوماسية التركية بسبب التغيرات السياسية الداخلية. وهوما يسبب استمرار تقلب علاقات تركيا مع القوى العالمية الكبرى والدول الإقليمية.