أجرى وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن مؤخراً جولة إفريقية شملت كل من كينيا ونيجيريا والسنغال. وقد اعتبر مراقبون هذه الزيارة تجسيدا ملموسا للسياسة الأمريكية تجاه إفريقيا. في هذا السياق، علّق ماهانزي، الباحث في معهد الصين للدراسات الدولية، على هذه الزيارة بأنها تعكس بوضوح نوايا واشنطن الاستراتيجية. حيث تأتي جولة وزير الخارجية الأمريكية في افريقيا قبيّل انعقاد الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي نهاية هذا الشهر.
ومنذ أن أثارت رؤية إدارة ترامب لأفريقيا على أنها بيدق للولايات المتحدة ضد الصين استياءً شديداً في الدول الإفريقية، تعلمت إدارة بايدن الدرس وباتت تتجنّب تحديد العلاقات الأمريكية الأفريقية من الإطار الصيني. مع ذلك، وعلى الرغم من أنها تقول بأن سياسة الولايات المتحدة تجاه إفريقيا لا تستهدف الصين، بيد أنها لم تتوقف عن التلميح إلى التعاون الصيني الإفريقي في مختلف تحرّكاتها. وخلال جولته الأفريقية، قال بلينكن إن الاستثمار الأمريكي في البنية التحتية في إفريقيا لا يستهدف الصين أو أطرافا أخرى. لكنه قال أيضًا إن اتفاقيات البنية التحتية التي قدمتها الدول الأخرى كانت غامضة وقسرية، مما تسبب في خروج ديون الدول الأفريقية عن السيطرة. غير أن هذا الجدل، إلى جانب أنه يحمل العديد من الافتراءات على الصين، فإنه يمثل أيضًا صفعة للدول الأفريقية.
وإذا كانت الصين قد جعلت أفريقيا تسقط في "فخ الديون"، ألا تخشى الولايات المتحدة أن تفعل نفس الشيء؟ وهل التذكير الدائم بأن ديون الحكومات الأفريقية لا يمكن تحمّلها سيشجع رأس المال الدولي على دخول أفريقيا؟ وردا على تصريحات بلينكن، قال وزير الخارجية النيجيري أونياما بأن نيجيريا في حاجة إلى الصين لحل عجزها الخطير في البنية التحتية، وأن ديون بلاده لا تزال في النطاق المقبول.
ولم ينس بلينكن انتقاد الشؤون الداخلية للدول الإفريقية، حيث أشار إلى أن الديمقراطية في إفريقيا بصدد "التراجع". مضيفا بأن القادة الأفارقة يتجاهلون حدود مدة الحكم، ويتلاعبون بالانتخابات أو يؤجلونها، ويستغلّون السخط الاجتماعي لكسب السلطة والحفاظ عليها. إلى جانب إعتقال المعارضين، وقمع حرية الإعلام، والسماح للإدارة الأمنية بالسيطرة على الوباء بطرق قاسية.
وفي ضوء ذلك، يخطط بايدن لعقد "قمة الديمقراطية العالمية" الشهر المقبل، لتقديم "وصفات جديدة" لحل أزمة الديمقراطية العالمية، بما في ذلك إفريقيا. ولذلك تشكل تصريحات بلينكن مفارقة في ادعائه إقامة شراكة مع إفريقيا على أساس "الاحترام المتبادل". حيث لم تشهد الديمقراطية الأفريقية التراجع الذي تحدّث عنه وزير الخارجية الأمريكية. بل وفي ظل الوضع الوبائي الحالي، بدا طبيعيا أن تلجأ بعض البلدان الافريقية، بما في ذلك أوغندا والنيجر إلى تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في أوضاع أفضل. كما لا يمكن فصل الانقلابات التي شهدتها مالي وغينيا والسودان وغيرها من البلدان التي استشهد بها بلينكن عن التدخل طويل الأمد للولايات المتحدة والدول الغربية.
وبالتزامن مع زيارة بلينكن إلى إفريقيا، أعلن البيت الأبيض عن اعتزامه عقد القمة الأمريكية الإفريقية الثانية العام المقبل، بعد أن مرّت ثماني سنوات على الاجتماع الأول في عام 2014. وزعم بلينكن أن الولايات المتحدة ستثبت بأنها ستعود بتحرّكات عملية في إفريقيا، مروّجا بذلك إلى مبادرة بايدن حول "بناء عالم أفضل". ومع ذلك، فإنه من مشروع "كهرباء افريقيا" الذي أطلقته إدارة أوباما، إلى مبادرة "إفريقيا المزدهرة" التي أطلقتها إدارة ترامب، ثم إلى مبادرة بايدن حول "بناء عالم أفضل"، ظلّت السياسات الأمريكية تجاه افريقيا مجرّد مفاهيم فارغة ينقصها الصدق.
على سبيل المثال، في يونيو 2013، أطلق الرئيس الأمريكي باراك أوباما مشروع "كهرباء افريقيا" في جنوب إفريقيا، ووعد بأن تقوم الولايات المتحدة بتوليد 20000 ميغاواط من الكهرباء داخل القارة وتوفير الكهرباء لـ 50 مليون مستخدم بحلول عام 2020. لكن حتى نهاية عام 2020، كانت الكمية الفعلية للكهرباء المولدة في إفريقيا 4194 ميغاواط فقط. والسبب في ذلك، يعود إلى أن "المساعدات" الأمريكية كانت منفصلة عن واقع إفريقيا وتجاهلت إنشاء أنظمة نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية، مما أدّى إلى اختلال التوازن بين العرض والطلب في توليد الطاقة في المنطقة. كما تطلب الولايات المتحدة في كثير من الأحيان ما تسميه بإصلاح قطاع الطاقة وتتدخّل بشكل جسيم في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، أما اعتمادها على الاستثمار الخاص، فيتجاهل الواقع الاقتصادي للدول الإفريقية.
وقد أصبحت البلدان الأفريقية أكثر عقلانية في مواقفها تجاه الوعود الفارغة. حيث إنتقد وزير الخارجية الكيني أومامو الولايات المتحدة قائلا، بأنها بحاجة إلى إرسال إشارة مهمة، توضّح للعالم بأنها عادت بالفعل وأنها تهتم بالتنمية في إفريقيا.
في عام 2002، بلغ حجم التجارة الأمريكية -الأفريقية 21 مليار دولار أمريكي، أي ما يقرب من ضعف حجم التجارة بين الصين وأفريقيا في نفس السنة. وبحلول عام 2019، وصل حجم التجارة بين الجانبين إلى 56 مليار دولار أمريكي. وخلال نفس الفترة، ارتفع حجم التجارة بين الصين وأفريقيا من 12 مليار دولار إلى 192 مليار دولار. وفي الفترة من يناير إلى أكتوبر من العام الحالي، بلغ حجم التجارة بين الصين وأفريقيا 207.067 مليار دولار أمريكي، أي بزيادة قدرها 37.5٪ على أساس سنوي. ومن المتوقع أن تصبح الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 13 عامًا متتاليًا. وخلال المؤتمر الوزاري الثامن القادم لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي، ستطلق الصين وأفريقيا بشكل مشترك "رؤية التعاون الصيني الأفريقي 2035"، مما يضع الإطار الرئيسي للتعاون الصيني الأفريقي في السنوات الخمس عشرة القادمة، ويمضي قدما في تعزيز العلاقات بين الجانبين. وقد أثبتت الحقائق وستظل تثبت بأنه طالما أن التعاون الصيني الأفريقي يسير في الاتجاه الصحيح، فلن تتمكّن أي قوة من إيقافه.