وثائق سرية حول احداث 11 سبتمبر نشرتها اف بي اي في عام 2016 |
نظمت الإدارة الأمريكية في نهاية الأسبوع الماضي عددًا من الفعاليات المتعلقة بالذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر. حيث بدت وكأنها مراسم توديع النخبة السياسية الأمريكية للحرب على الإرهاب التي استمرت 20 عامًا في الشرق الأوسط.
وقد نشر دينغ لونغ، الأستاذ في معهد الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية مقالا في صحيفة غلوبال تايمز، أشار فيه إلى أن أحداث 11 سبتمبر قد دفعت أمريكا للقيام بتعديلات عميقة لاستراتيجيتها العالمية. حيث حولت الولايات المتحدة تركيزها الاستراتيجي نحو منطقة الشرق الأوسط وغيّرت أجندتها الأمنية إلى مكافحة الإرهاب مدفوعة برغبة في الانتقام. ومع ذلك، آلت الحرب على الإرهاب إلى تدخلات عسكرية ومهام للتحول الديمقراطي وبناء الدولة لا تنتهي. ولم يقتصر الأمر على غرق الشرق الأوسط في مستنقع الاضطرابات فحسب، بل انتهت استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى فشل ذريع، ودخلت حلقة مفرغة من إصلاح الخطأ بخطأ آخر.
وقد حاولت إدارة بايدن إنهاء حقبة مكافحة الإرهاب بسحب قواتها من أفغانستان وفك شيفرة التحقيقات في أحداث 11 سبتمبر. وهذا يعني بأن منطقة الشرق الأوسط، بصفتها ساحة رئيسية لمكافحة الإرهاب، قد تراجعت في استراتيجية الأمن العالمي للولايات المتحدة. كما يعني أيضا تأثر علاقات أمريكا بحلفائها في الشرق الأوسط.
ويعتقد دينغ لونغ أن استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد دخلت "حقبة ما بعد مكافحة الإرهاب"، مما يعني أن الولايات المتحدة ستتخلى عن العمليات العسكرية عالية التكلفة ومنخفضة الفائدة في الشرق الأوسط وتحاول الحفاظ على سيطرتها على الوضع في الشرق الأوسط من خلال خلق توازن عن بعد.
عشية الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر، وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن أمرا يقضي برفع السرية عن النص الكامل لتقرير التحقيقات حول أحداث 11 سبتمبر في غضون ستة أشهر. وتأتي هذه الخطوة أولا في إطار إيفاء بايدن بوعوده الانتخابية، وثانيا، استجابة لضغوط أسر ضحايا الهجمات. لكن السبب الأعمق هو التصدع الحاصل في التحالف بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
ولطالما مثلت نتائج التحقيقات في أحداث 11 سبتمبر، مثارا للجدل في المجتمع الأمريكي، وجذبت الاهتمام إلى خيوط العلاقة الممكنة بين السعودية والهجمات. والسبب في ذلك، لا يتوقف عند كون 15 من الخاطفين التسعة عشر هم سعوديون، وأن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، سعودي الجنسية فحسب، بل أيضًا لأن هناك شبهة بضلوع مسؤولين سعوديين في الهجمات. وقد تم نشر التقرير المتكون من 800 صفحة لأول مرة في عام 2004، لكن 28 صفحة من المحتوى "السري" كانت مفقودة. وفي عام 2016، تم نشر الجزء المفقود للعلن، لكن أجزاء كثيرة من النص لا تزال مخفية، ويُعتقد على نطاق واسع بأن الجزء المخفي يتعلق بعلاقة محتملة بين الحكومة السعودية والهجمات. وكانت الإدارات الأمريكية السابقة قد رفضت الكشف عن هذا الجزء من المحتوى. وهو ما اعتبره البعض، تجنبا للإضرار بالعلاقات الأمريكية السعودية، وليس لأسباب متعلقة بالأمن القومي.
ويعتقد دينغ لونغ أن هناك سببان وراء قرار إدارة بايدن نشر التقرير الكامل.
أولاً، تراجع أهمية السعودية بشكل ملحوظ بالنسبة للولايات المتحدة. حيث باتت العلاقات السعودية الأمريكية التي انبنت على مقاربة "النفط مقابل الأمن" تواجه اختبارا حقيقيا. فقد اعتادت المملكة العربية السعودية أن تكون أحد المصادر الرئيسية للنفط الذي تستورده الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن ثورة النفط الصخري والتطور السريع لمصادر الطاقة الجديدة، جعلت الولايات المتحدة تحقق استقلاليتها في مجال الطاقة، وتقلّل من وارداتها النفطية من السعودية، وهو ما أثّر بشكل خطير على أساسات التحالف الأمريكي السعودي.
ثانيًا، تعمل إدارة بايدن على إعادة قضايا حقوق الإنسان إلى جوهر الدبلوماسية الأمريكية. بينما تمثل المملكة العربية السعودية أحد المستهدفين من دبلوماسية حقوق الإنسان الأمريكية في الشرق الأوسط. وفي حال كشفت الولايات المتحدة عن المحتوى الأكثر حساسية في تقرير التحقيقات حول أحداث 11 سبتمبر، فأن العلاقات السعودية الأمريكية قد تتأثر بشكل خطير. ومع ذلك، فإن الهدف النهائي للولايات المتحدة ليس كشف الجزء المخفي من التقرير أو تصعيد العلاقات مع السعودية، وإنما توظيف التقرير في زيادة الضغط والتحكم في السعودية. لأن الجزء المخفي من التقرير قد لا يحتوي على أدلة قاطعة على تورط الحكومة السعودية في الهجمات الإرهابية. لكن ذلك قد يساعدها في تسليط المزيد من ضغوط الرأي العام على المملكة العربية السعودية، واسترضاء عائلات الضحايا، وتزويدهم بـ "الأدلة" لمطالب التعويض. وهو مما قد يجر لمملكة العربية السعودية إلى نزاعات قضائية طويلة. وقد حددت إدارة بايدن موعدًا نهائيًا مدته ستة أشهر لإصدار التقرير النهائي دون تشفير، مما يتيح المزيد من الوقت أمام المملكة العربية السعودية.
في سياق التغييرات المفاجئة التي شهدها الوضع في أفغانستان، حدثت أيضًا تغييرات طفيفة في العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي يتراجع فيه الاهتمام الأمريكي بالسعودية، أصبحت قطر "الطفل المدلل" الجديد لأمريكا في الشرق الأوسط. مما يعكس بأن الولايات المتحدة قد بدأت الاعتماد على لاعبين إقليميين جدد، في مواجهة التغيرات الطارئة على المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. فعلى مستوى الوضع في أفغانستان، كانت دولًا مثل السعودية والإمارات بإمكانها أن تمارس تأثيرا أكبر على طالبان، لكن قطر جاءت من الخلف وتحولت إلى الوسيط الأكثر تأثيرًا في الشؤون الأفغانية. فتحت الرعاية القطرية، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع طالبان لسحب قواتها. وخلال الانسحاب الأمريكي الأخير من أفغانستان، قدمت قطر تسهيلات كبيرة للجيش الأمريكي، حيث عبر نصف الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، أي ما يقرب من 60 ألف شخص عبر الدوحة. ولهذا السبب، أجرى وزير الخارجية الأمريكي بلينكولن ووزير الدفاع أوستن زيارة ثنائية خاصة إلى قطر للتعبير عن امتنانهما للأخيرة. وهو إجراء نادر أيضًا فتاريخ الدبلوماسية الأمريكية. وفي المستقبل، سيتعين على الولايات المتحدة الاستمرار في الاعتماد بشدة على قطر في قضية أفغانستان.
استخدمت إدارة بايدن الانسحاب من أفغانستان ورفع السرية عن تقرير التحقيق في أحداث 11 سبتمبر لإحياء الذكرى العشرين للهجمات. آملة في طي صفحة الحرب على الإرهاب وحروب الشرق الأوسط. لكن من الصعب أن يعرف الشرق الأوسط الاستقرار قرييا بعد سلسلة الاضطرابات التي شهدها. كما أن ارتدادات الزلزال الأفغاني والشرق الأوسط المضطرب والقوى الإرهابية المترصّدة، ستعيق عملية الانسحاب الأمريكي. وإذا تمسكت الولايات المتحدة بفكرها في الهيمنة على الشرق الأوسط ولم تراجع أخطائها الاستراتيجية في هذه المنطقة، فإن رغبتها في الخروج من شبح أحداث 11 سبتمبر وممارسة التحكم عن بعد في الشرق الأوسط ستصطدم بمعوقات المنطقة.