فرانكفورت 9 أغسطس 2020 (شينخوا) بعد أن وصل الاقتصاد الأوروبي إلى أدنى مستوياته في أبريل مع فرض عمليات الإغلاق والقيود غير المسبوقة بسبب كوفيد-19 في جميع أنحاء أوروبا، أظهر هذا الاقتصاد الذي يبدو أنه يكتسب زخما بالآونة الأخيرة، علامات على الانتعاش في ظل العديد من المؤشرات الرئيسية.
رغم ذلك، وصف البنك المركزي الأوروبي، هذا الانتعاش حتى الآن بأنه "غير منتظم وجزئي"، مشيرا إلى عوامل عدم اليقين المحيطة بتطورات الوباء، والتوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو، حيث توجد 19 دولة عضو تساهم في أكثر من 85% من إجمالي الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي.
وفي هذا الإطار، ما مدى سرعة أو مرونة أو استمرارية انتعاش الاقتصاد الأوروبي؟
وفقا لتوقعات البنك المركزي الأوروبي، من غير المحتمل أن يعود النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو إلى مستوى ما قبل كوفيد-19 بحلول نهاية عام 2022، ما يشير إلى عملية انتعاش طويلة الأمد، الأمر الذي يوجب أن تكون العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي أكثر استقرارا ونضجا وفائدة.
انتعاش الاقتصاد
لقد انزلق الاقتصاد الأوروبي إلى ركود حاد في النصف الأول من عام 2020. وانكمش الاقتصاد الأوروبي بشكل كبير في الربع الثاني بعد النمو السلبي في الأول، مع انخفاض إجمالي الناتج المحلي المعدل موسميا على أساس ربع سنوي بـ12.1% في منطقة اليورو وبـ11.9% في الاتحاد الأوروبي، على التوالي، وهو ما كان أكبر انخفاض منذ عام 1995، وفقا لمكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي.
وشهدت ألمانيا، باعتبارها أكبر اقتصاد في أوروبا، أكبر انخفاض في ثلاثة أشهر منذ بداية الحسابات الفصلية لإجمالي الناتج المحلي لها في عام 1970، بينما سجلت كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا انكماشا مزدوج الرقم.
ولكن، لحسن الحظ، هناك حاليا علامات للتعافي.
وفقا لبيانات صادرة عن مكتب الإحصاء بالاتحاد الأوروبي ((يوروستات)) يوم الأربعاء، عادت أحجام تجارة التجزئة الأوروبية في يونيو إلى المستوى قبل بدء إجراءات احتواء الفيروس. وارتفع مؤشر مديري المشتريات لقطاع الصناعات التحويلية في منطقة اليورو إلى 51.8 في يوليو، مرتفعا من 47.4 في يونيو، والذي تقول عنه شركة ((IHS Markit)) للبيانات الاقتصادية، إنه أول توسع للاقتصاد الصناعي في منطقة اليورو منذ عام ونصف. وللشهر الثالث على التوالي، تحسنت معنويات المستثمرين في منطقة اليورو، كما أظهر مؤشر ((سينتكس)) الذي شمل أكثر من 1000 مستثمر.
قال كريس ويليامسون، كبير اقتصاديي الأعمال في شركة ((IHS Markit)) "لقد سجلت مصانع منطقة اليورو بداية إيجابية للغاية للربع الثالث، مع نمو الإنتاج بأسرع معدل لأكثر من عامين، مدعوما بارتفاع مشجع في الطلب".
ومن المتوقع أن ينكمش اقتصاد منطقة اليورو بـ8.7% في هذا العام 2020، قبل أن يتعافى بمعدل نمو سنوي قدره 6.1% العام المقبل، وفقا للمفوضية الأوروبية في توقعاتها للصيف، بينما من المتوقع أن ينكمش اقتصاد الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة، بـ8.3% في عام 2020، وينمو بـ5.8% في عام 2021.
وبعد مسار انتعاش منذ مايو، من المتوقع أن يعود النمو الاقتصادي الأوروبي إلى المنطقة الإيجابية في النصف الثاني من عام 2020، ويبدو أنه مدعوم بالعديد من المؤشرات مؤخرا.
عوامل عدم اليقين مستمرة
توقع المستثمرون أن يستمر التعافي في منطقة اليورو بعد الإغلاق، ولكن لن يؤدي إلى "انتعاش" كامل للاقتصاد، وفقا لمؤشر ((سينتكس))، إذ لا تزال هناك العديد من عوامل عدم اليقين تلقي بظلالها وتعقد مسار التعافي الاقتصادي.
قالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، "هناك مصدران رئيسيان لعدم اليقين اليوم"، وهما كيفية تعافي الاقتصاد من الوباء، وكيف سيتغير الاقتصاد استجابة لكوفيد-19.
أولا، وتحديدا، لا يزال حجم ومدة الوباء، وتدابير الإغلاق المحتملة في المستقبل، غير معروفين أساسا، كما أكدت المفوضية الأوروبية.
ورغم أنه من المنظور الحالي، تتوقع الحكومات والمؤسسات والشركات الأوروبية، التنمية الاقتصادية على نطاق واسع استنادا إلى افتراض أن تدابير الإغلاق ستستمر في التراجع، ولن تكون هناك 'موجة ثانية' من الإصابات أو إعادة الإغلاق، لكن المخاوف تصاعدت مؤخرا مع ظهور إصابات جديدة بجميع أنحاء أوروبا.
ثانيا، لقد ازدادت المخاطر المتوسطة الأجل على الاستقرار المالي بشكل ملحوظ في منطقة اليورو حتى لو لم تلُح في الأفق أزمة مالية شاملة.
إن نقاط الضعف في النظام المالي في منطقة اليورو، تكمن في تشديد الشروط المالية، والزيادات الكبيرة في أعباء الديون، وضعف قدرة البنوك على الوساطة والربحية، ومخاوف السيولة بين مؤسسات غير بنكية معرضة للمخاطر، وفقا لما أظهرته مراجعة أجراها البنك المركزي الأوروبي حول الاستقرار المالي.
ثالثا، إن سوق العمل الأوروبية قد تعاني من المزيد من الآثار السلبية طويلة المدى، حيث يمكن أن تتحول صعوبات السيولة إلى مشاكل ملاءة مالية (أو ضيق مالي)، للعديد من الشركات.
وفي تحليله لمخاطر التراجع المالي، في دراسة استقصائية أجراها مؤخرا، أكد معهد ((آيفو))، الذي يتخذ من مدينة ميونيخ الألمانية مقرا له، أن وضع السيولة في العديد من الشركات في منطقة اليورو يتدهور بسرعة، محذرا من أن عددا كبيرا غير متوقع من حالات الضيق المالي، قد يعرقل الانتعاش الاقتصادي ويسبب مشاكل أكبر من المتوقع للقطاع المصرفي.
علاوة على ذلك، لا يزال ضعف التجارة العالمية ومعه الاضطرابات، إضافة للأضرار التي لحقت بسلاسل التوريد، تلقي بظلالها على الطلب الخارجي على السلع والخدمات من أوروبا، ولا يزال غامضا حتى الآن مدى سرعة تحول السلوك الاستهلاكي في أوروبا وعودته إلى طبيعته على نطاق واسع.
العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي
العلاقات بين الصين وأوروبا لا تنحصر فقط في الجهود الرامية لاحتواء كوفيد-19، بل أيضا في إنعاش الاقتصاد وتحوله، ويُنظر إلى الصين وأوروبا على نطاق واسع كشريكين موثوقين وداعمين لبعضهما البعض ويشتركان في مصالح مشتركة عندما يتعلق الأمر بتعزيز العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المزدوج المنفعة.
منذ تفشي كوفيد-19، لعبت قطارات الشحن بين الصين وأوروبا دورا حاسما في دعم مكافحة أوروبا للوباء من خلال فتح "ممرات خضراء" لنقل الإمدادات والمواد الخام الهامة، وكذلك في تهيئة زخم لاستئناف عجلة الاقتصاد في قارة أورآسيا من خلال استقرار التجارة وسلاسل التوريد.
وبوجود ما مجموعه 5122 قطارا تعمل على هذا الخط، بزيادة 36% على أساس سنوي، ارتفع عدد قطارات الشحن بين الصين وأوروبا بشكل كبير خلال النصف الأول من هذا العام، وفقا لما أعلنته مجموعة السكك الحديدية الصينية.
وعلاوة على ذلك، توفر الصين لأوروبا المزيد من فرص التعاون المتنامية، خاصة بالمجالات الموجهة نحو المستقبل والابتكارية، ومساحة التنمية، مع مواصلة الصين لتعميق الإصلاح وتوسيع الانفتاح.
وفيما يتعلق بالرقمنة على سبيل المثال، أعلنت شركة ((بي أم دبليو)) الألمانية لصناعة السيارات الفاخرة، وعملاق الإنترنت الصيني ((تينسنت))، عن تعاون رقمي جديد في يوليو.
قال يوخن غولر، الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة ((بي أم دبليو)) لمنطقة الصين، في حدث على الإنترنت مؤخرا، إنه "من الواضح أن الصين ستلعب دورا رائدا في تشكيل مستقبل وسائل التنقل. لذلك، نحن (نستثمر) وسنواصل الاستثمار في الصين".