في الصورة الملتقطة يوم 28 ديسمبر 2019، قوات تابعة للحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة تتواجد في جنوب طرابلس، ليبيا. |
طرابلس 4 أبريل 2020 (شينخوا) في مثل هذا اليوم من العام الماضي، شنت وحدات عسكرية ضخمة من قوات "الجيش الوطني" بقيادة المشير خليفة حفتر، هجوما مباغتا على مناطق جنوب العاصمة الليبية طرابلس مقر حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليا، تمكنت خلالها من السيطرة على مدن وبلدات بشكل سريع.
العملية العسكرية "الفتح المبين" تلا بيان انطلاقها المشير حفتر عبر منصات الإعلام الحربي التابعة للجيش، مؤكدا حينها أن العملية جاءت لتحرير طرابلس من "الميليشيات الإرهابية ومن قبضة الميليشيات التي عاثت بالأرض فسادا".
ويرى العميد المتقاعد أحمد الحسناوي، الحرب التي شنها "الجيش الوطني" بأنها تحرك "مشروع"، نظرا لحالة الفوضى التي تواصل فيها مؤسسات الدولة أدائها، في ظل تغول الميليشيات على مفاصل الدولة.
وأوضح الحسناوي الخبير العسكري في حديثه لوكالة أنباء (شينخوا) اليوم (السبت)،"عندما انطلقت عملية تحرير طرابلس قبل عام من الآن، اتفق الجميع بالرغم من تأثيرها السلبي على الحالة الأمنية في ليبيا المتدهورة والجاذبة للتنظيمات الإجرامية والإرهابية، بأنها عملية جراحية لابد من خلالها إزالة الورم الخبيث الذي يعطل قيام الدولة".
وتابع "منذ عام 2011 والميليشيات والمجموعات الإرهابية المرتبطة ببعضها، لم تجعل ليبيا في مناخ آمن يمكنها من اختيار النظام السياسي للبلاد، وبالتالي كان لابد للجيش التحرك وإنهاء حالة الفوضى والإفلات من العقاب والقضاء على الميليشيات".
في الصورة الملتقطة يوم 14 أبريل 2019، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (في الوسط) يلتقي قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر (على اليسار) في القاهرة، مصر.
واعتبر العميد الحسناوي، بأن هذا "النجاح عكس لجوء حكومة الوفاق إلى الاستعانة بتركيا لدعمها عسكريا، بعدما ضربت القوة الأكبر للقوات الموالية لها، وشعرت أن سقوط طرابلس وشيك".
وقال بهذا الصدد "منذ توقيع اتفاق التعاون العسكري بين أنقرة وطرابلس، تغيرت المعطيات على الأرض كثيرا، ودخل عقبها الجيش في يناير الماضي بعد ضغوط دولية في هدنة، ليـُسمح لحكومة الوفاق التقاط أنفاسها بعدما كان سقوطها قريب جدا لولا التدخل التركي الداعم لها".
وختم قائلا "بعد هذا السيناريو والتشابك في التحالفات الدولية في ليبيا، يظل شكل الحرب في طرابلس غير واضح المعالم".
وأبرمت حكومة طرابلس وأنقرة في 27 نوفمبر الماضي مذكرتي تفاهم، حول التعاون العسكري، والسيادة على المناطق البحرية، في ظل خلافات بين تركيا من جهة ومصر واليونان وقبرص من جهة أخرى حول التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في البحر المتوسط.
وأثارت مذكرتي التفاهم البحرية والعسكرية جدلا ورفضا واسعا إقليما ودوليا، حيث وصف الاتفاق بين طرابلس وأنقرة بـ"الباطل قانونا"، كون سماح حكومة الوفاق لتركيا السيطرة على منطقة شرق المتوسط، جاء فقط مقابل مساعدتها عسكريا لوقف تقدم حفتر في السيطرة على طرابلس.
أما مختار الطرابلسي، المتخصص في الشؤون الإنسانية، فيؤكد أن الحرب في طرابلس أدخلت ليبيا في نفق مظلم، لا يستطيع أحد التنبؤ بمصيره.
وأكد الطرابلسي لـ (شينخوا)،"أكثر من 3 الآف قتيل و10 الآف جريح على الأقل حصيلة الضحايا الحرب خلال عام، بجانب نزوح أكثر من 150 ألف جراء الأعمال العسكرية الدائرة هناك، وبالرغم من هذه الأرقام المفزعة، لا توجد أي فرصة للحوار وقبول وقف الحرب بين طرفي النزاع".
وأشار المتخصص في الشؤون الإنسانية، بأن الحرب إذا استمرت أشهر إضافية، ربما نشهد نزوح نصف مليون من سكان العاصمة، خاصة وأن المعارك اقتربت من وسط طرابلس، ما ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة في ليبيا".
ولفت إلى أن الهدنة التي قبلها طرفي النزاع مطلع العام الجاري هشة منذ البداية ولم تصمد سوى أيام قليلة، وسرعان ما عادت المعارك وبشراسة أكبر جنوب طرابلس وقرب مصراتة وغربي ليبيا.
في الصورة الملتقطة يوم 11 ديسمبر 2019، رئيس الحكومة الوفاق الليبية المدعومة من الأمم المتحدة فايز السراج (وسط الصورة) يتفقد مطار معيتيقة الدولي في العاصمة الليبية، طرابلس.
وعلى الرغم من سريان وقف إطلاق النار بين قوات حكومة الوفاق وقوات "الجيش الوطني" منذ 12 يناير الماضي بدعوة من روسيا وتركيا، لكن الهجمات المتبادلة بين الطرفين لم تتوقف، الأمر الذي جعل وقف إطلاق النار لا معنى له.
ويتبادل الطرفان المتصارعان في ليبيا الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار، الذي كان قد أوقف معارك بينهما بدأت في الرابع من أبريل 2019، عندما شنت قوات حفتر هجوما للسيطرة على طرابلس.
فرج الدالي، المحلل السياسي الليبي، يرى أن انشغال العالم بتفشي فيروس كورونا المستجد، جعل الأطراف المتصارعة تستعجل في حسم المعارك للسيطرة على طرابلس، ما يجعل المصير "سوداويا" والصورة غير واضحة المعالم لمستقبل العاصمة.
وأضاف "منذ شهور طويلة لم تشهد جنوب طرابلس وغرب ليبيا معارك بهذه الشراسة، وصار مؤخرا مشهد سقوط المدنيين جراء القصف العشوائي نظرا لغزارته مألوف يوميا".
وأكد الدالي، بأن الطرفين (قوات الوفاق وحفتر) يعتقدان أن الفرصة ذهبية، لقضاء كل طرف على الآخر، مع انشغال دولي لتفشي فيروس كورونا، وبالتالي تدخل معركة السيطرة على طرابلس في توقعات غير جيدة، مع مخاوف دولية بتفشي الفيروس في عاصمة يقطنها قرابة نصف سكان ليبيا، نتيجة عدم وقف المعارك التي تقوض نظام الرعاية الصحية.
وختم، "الحرب لا يمكن التكهن بموعد نهايتها وحسمها لطرف بعينه (...)، ربما نرى سنوات من القتال في حال استمرار الاصطفاف الدولي وراء كل طرف معني بالنزاع في ليبيا".
وطالبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ودول غربية وعربية، جميع أطراف النزاع في ليبيا، وقف فوري للاقتتال "لأغراض إنسانية" لمواجهة كورونا.
وتعاني ليبيا من فوضى أمنية وصراع على السلطة بين حكومة في طرابلس تحظى بدعم المجتمع الدولي، وأخرى في الشرق غير معترف بها يدعمها مجلس النواب وقوات "الجيش الوطني" بقيادة المشير خليفة حفتر منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في العام 2011.
وعن المكتسبات التي تحققت عقب مرور عام على الحرب، أجاب الخبير العسكري " قد يظن البعض فشل مهمة تحرير طرابلس، وظاهرا أن المهمة بالرغم من عدم تحقيق أهدافها ببسط السيطرة على عاصمة ليبيا حتى الآن، لكن باعتقادي المهم تحقق في القضاء على الآلاف من المسلحين والإرهابيين وإضعاف قدراتهم القتالية".