غزة 24 فبراير 2020 (شينخوا) تتواصل موجة توتر جديدة بين الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة مع إسرائيل لليوم الثاني على التوالي في ظل امتناع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على القطاع الساحلي منذ 2007 عن التدخل حتى الآن.
ويرى مراقبون فلسطينيون، أن حماس تبدو غير راغبة في المزيد من التصعيد مع إسرائيل في المرحلة الحالية وتعطي المجال لتدخل الوسطاء من أجل الحفاظ على تفاهمات التهدئة غير المعلنة في غزة.
وبدأت موجة التوتر الحالية صباح أمس (الأحد) بعد قتل الجيش الإسرائيلي لناشط في حركة الجهاد الإسلامي قرب السياج الفاصل مع قطاع غزة في حادثة لاقت غضبا فلسطينيا بعد التنكيل بجثته.
وعلى إثر ذلك أطلقت سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد "رشقات" من القذائف الصاروخية منذ ساعات المساء وحتى الآن على جنوب إسرائيل التي ردت بسلسلة غارات على مواقع للحركة في مناطق متفرقة من القطاع وفي مدينة دمشق السورية.
ويقول المحلل السياسي من غزة طلال عوكل لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن "إسرائيل ارتكبت جريمة أثارت المشاعر الإنسانية جمعاء، وكان من الطبيعي أن ترد الجهاد الإسلامي بإطلاق الصواريخ".
وأضاف عوكل، " لكن للمرة الثانية، تقدم إسرائيل على استهداف عناصر من الجهاد الإسلامي، وتتحيد حماس عن الرد"، مشيرا إلى أنه " يبدو أن حماس لها حسابات تختلف عن الجهاد الإسلامي".
ويرى عوكل، أن حماس "تسعى وراء اتفاق تهدئة مع إسرائيل ويبدو ذلك واضحا من خلال استئناف قطر ضخ الأموال إلى قطاع غزة، بعد زيارة سرية نفذها وفد أمني إسرائيلي إلى الدوحة مؤخرا من أجل حثها على ضخ الأموال إلى غزة بغرض تحسين الأوضاع المعيشية لسكانها".
إلا أن عوكل يعتبر بأن "حماس لم تكن تضع بحسبانها بأنها ليست المسيطر الوحيد على الأرض، خاصة وأن الجهاد الإسلامي تمتلك قوة عسكرية لا يستهان بها"، معتبرا أن ذلك يساهم بشكل كبير بتقويض أي اتفاقات تهدئة في الفترة المقبلة.
ويقول، "للأسف الشديد، أننا أمام مشهد لا يمكن أن تنعم فيه المنطقة باستقرار بأي حال من الأحوال، لا اليوم ولا غدا، لأنه ببساطة إسرائيل تسعى طوال الوقت إلى تنفيذ مخططاتها السياسية التي تصب بمصلحتها وليس في مصلحة الآخرين".
ويشير عوكل، إلى أن "أي حديث حول قرب التوصل إلى اتفاق تهدئة ما هو إلا تكتيكات سياسية إسرائيلية مرحلية، خاصة في ظل التواطؤ الأمريكي مع إسرائيل بعد إعلانها صفقة القرن وتضييع الحقوق الفلسطينية بشكل كامل".
وحملت حماس في بيان إسرائيل المسئولية عن التصعيد الحاصل في القطاع، معتبرة أن من حق "المقاومة" الرد، لكن جناحها العسكري امتنع عن تبني أي هجمات.
كما أن غرفة العمليات المشتركة التي أسستها حماس مع الأجنحة العسكرية للفصائل في غزة لم تصدر أي تعقيب على التطورات الميدانية الحاصلة حتى الآن.
ويقول الناطق باسم حماس حازم قاسم، إن الحركة تسعى بشكل قوي إلى إجبار إسرائيل على تنفيذ بنود التفاهمات غير المباشرة مع إسرائيل برفع الحصار عن قطاع غزة، عبر الوسطاء العرب والأمميين.
ويضيف قاسم لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن "إسرائيل لا تفرق في جرائمها بين الفلسطينيين في قطاع غزة، فقد شهد القطاع خلال الشهر الماضي، قصف لمواقع تتبع حماس، وأيضا للجهاد الإسلامي"، منوها إلى أن "الجميع في نفس المركب".
ويعتبر، أن "إسرائيل تحاول التنصل من التفاهمات غير المباشرة مع حماس، من خلال اعتدائها على شعبنا، ولكن حماس ستعمل بكل الوسائل المتاحة لها لإجبار إسرائيل على رفع الحصار عن قطاع غزة".
وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة، عقب سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عليه بالقوة، عقب جولات اقتتال داخلي مع الأجهزة الأمنية الموالية للسلطة الفلسطينية في عام 2007.
وإضافة إلى الحصار، شنت إسرائيل ثلاث عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة، الأولى نهاية العام 2008 وبداية عام 2009، والثانية في نوفمبر 2012 وصولا إلى الهجوم الأخير صيف عام 2014 والذي خلف تدمير ألاف المنزل السكنية ودمار هائل بالبني التحتية للقطاع.
وتتوسط مصر والأمم المتحدة وقطر منذ أكثر من عام في تفاهمات سعيا لإدخال تسهيلات إنسانية لغزة ومنع مواجهة مفتوحة جديدة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل على خلفية مسيرات العودة التي بدأت في 30 مارس 2018 للمطالبة برفع الحصار عن القطاع.
ويرجح الكاتب والمحلل السياسي من غزة محمد حجازي، أن تتوصل كل من "حماس وإسرائيل إلى اتفاق تهدئة في المستقبل القريب، خاصة في ظل مطالبة الشارع الإسرائيلي بإنهاء إطلاق الصواريخ من القطاع على البلدات الإسرائيلية، وتحقيق الاستقرار في المنطقة".
ويقول حجازي لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن "حماس تتمسك بخيار الذهاب إلى تهدئة طويلة المدى مع إسرائيل، مقابل رفع الحصار عن قطاع غزة".
ويضيف، أن "إسرائيل أيضا لا تسعى إلى أي تصعيد في الوقت الحالي، فهي مقبلة على انتخابات وبنيامين نتنياهو لن يجازف بمستقبله السياسي خاصة وأنه لم يشهد لأي رئيس وزراء خوض حرب على غزة قبيل الانتخابات وفاز فيها".
ويشير حجازي، إلى أن خيار "التهدئة ما زال هو المسيطر على المشهد لاعتبارات سياسية واقتصادية لدى كل من حماس وإسرائيل".
وشهد قطاع غزة أخر جولة توتر بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل منتصف نوفمبر الماضي استمرت يومين، وأدت إلى مقتل 36 فلسطينيا وجرح العشرات، قبل أن تتدخل على إثرها مصر والأمم المتحدة لوقف إطلاق النار.
وفي حينه بدأت جولة التوتر باغتيال إسرائيل للقيادي البارز في سرايا القدس بهاء أبو العطا في غزة.
وردت الجهاد على عملية الاغتيال بإطلاق رشقات صاروخية باتجاه البلدات الإسرائيلية، فيما قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مواقع عسكرية تابعة للجهاد، دون أن تشمل الغارات المواقع العسكرية التابعة لحماس للمرة الأولى وهو ما يتكرر في جولة التصعيد الحالية.
ويبقي الحديث المتكرر عن اتفاق تهدئة طويل الأمد ومن ثم اختفائه يعزز الفرضية الأكثر ترجيحا بالبقاء في مربع الوسط بين لا هدنة طويلة ولا مواجهة واسعة مدمرة مع إسرائيل.