بكين 25 فبراير 2020 (شينخوا) في الآونة الأخيرة، سادت تساؤلات حول كيفية تأثير فيروس كورونا الجديد على النمو الاقتصادي للصين، حيث تستحوذ الآفاق المستقبلية للنمو الاقتصادي الصيني على الكثير من الاهتمام من مختلف أوساط العالم.
خلال اجتماع، لم يسبق له مثيل، عقد يوم الأحد في بكين، القى الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهو أيضا الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ورئيس اللجنة العسكرية المركزية، بخطاب مهم شدد فيه على بذل جهود حثيثة فيما يخص الوقاية من فيروس كورونا الجديد والسيطرة عليه، والتنسيق بين ذلك والمُضي قُدما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وطالب شي لجان الحزب والحكومات على جميع المستويات بمواصلة بذل الجهود الحثيثة في مختلف أعمال الوقاية من الفيروس والسيطرة عليه، واستئناف العمل والإنتاج على نحو منظم، موضحا أنه يتعين بذل الجهود لإطلاق العنان للإمكانات الضخمة والقوى الدافعة الهائلة للتنمية الصينية على نحو كامل، والنضال من أجل تحقيق أهداف ومهام التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذا العام.
وقال مراقبون واقتصاديون من أنحاء العالم إن خطاب شي يظهر ثقة الصين في الفوز بمعركتها ضد كوفيد-19 ودفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كما يعتقد اقتصاديون من منطقة الشرق الأوسط عموما أنه على الرغم من أن الفيروس له تأثير سلبي على الاقتصاد الصيني على المدى القصير، لكن بعد انتهاء التفشي، فإن الانتعاش الاقتصادي سيعوض إلى حد كبير الخسائر، معربين عن ثقتهم في متانة الاقتصاد الصيني.
وقال كمال جاب الله الكاتب الصحفي وكاتب العمود المصري، إن اتجاها إيجابيا في أعمال الوقاية من المرض وجهود السيطرة عليه في الصين يتسع الآن، و"لقد رأينا قدرات الصين القوية في مجالات الطب والبنية الأساسية والإدارة الإجتماعية"، ما أثبت أن الأنظمة السياسية والاجتماعية التي تعمل بها الصين لديها قدرة عالية على حشد الجمهور ولديها ميزة في العمل الجماعي.
ونشر الكاتب الصحفي السيد الزهرة مقالة على موقع ((أخبار الخليج)) جاء فيها "الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وعلاقاتها الاقتصادية متشعبة مع كل دول العالم. ولهذا من الطبيعي أن تؤثر محنة الفيروس على العالم كله".
وتابع "لاحظت أن هناك بالفعل تهويلا شديدا جدا في تأثير انتشار الفيروس على الصين، وأحاديث لا تنتهي عن الانهيار الاقتصادي الذي ستشهده الصين، وعن التراجع الحتمي لدور ونفوذ الصين الاقتصادي في العالم، وعن الضربة القاصمة التي تلقاها المشروع الصيني العملاق، طريق الحرير.. وما شابه ذلك من آراء".
وأضاف "رغم كل هذا، ومن دون التقليل من الآثار الكارثية لانتشار الفيروس بالنسبة إلى الصين والعالم، يمكن القول بقدر كبير من الثقة إن الصين سوف تتجاوز هذه المحنة وتتعافى من آثارها، وإنه في نهاية المطاف لن يكون لها مثل هذا التأثير المدمر الذي يتحدثون عنه في الغرب على اقتصاد الصين ومكانتها العالمية".
ويرى أن أسباب ذلك كثيرة، أولا، القيادات الصينية تعاملت مع هذه المحنة بهدوء وعقلانية، وبشكل مدروس وحازم في نفس الوقت. ومنذ اللحظة الأولى لانتشار الفيروس، تعاملت الصين مع الأزمة بشفافية، ولم تخف أي شيء عن العالم، ولم تسع مثلا للتقليل من شأن الكارثة، بل أعلنت كل الحقائق وأطلعت عليها المنظمات المعنية ودول العالم.
وأفاد أنه في نفس الوقت، شرعت الصين فورا في اتخاذ إجراءات صارمة وحازمة للحد من انتشار الفيروس بما في ذلك مثلا إغلاق مدن بأكملها. ومن الواضح أن الإجراءات الصينية بدأت تؤتي نتائجها في انحسار تدريجي لانتشار الفيروس والمسألة مسألة وقت قبل أن تتمكن من احتواء هذه الكارثة، ثم إن الاقتصاد الصيني ليس اقتصادا عشوائيا يتخبط بحسب التطورات والأزمات أيا كانت، وإنما هو اقتصاد على أعلى درجة من الانضباط، ويقوم على تخطيط مدروس بعيد المدى.
وأعرب عن اعتقاده من أنه على الرغم من شدة وطأة المحنة، وتأثيراتها الكبرى التي لا شك فيها، فإن الصين ستتمكن في نهاية المطاف من تجاوزها والمضي في طريقها.
فيما قال رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في رابطة "GSMA"، جواد عباسي، إن تأثير فيروس كورونا الجديد على الاقتصاد الصيني سوف يقتصر فقط على الفترة الحالية، حيث سيعود الاقتصاد إلى معدلات نموه الطبيعية عقب انحسار الفيروس.
وأوضح أن التقنيات الحديثة وآليات العمل عن بعد ستساهم في الحد من تأثر الاقتصاد على نحو كبير، مقارنة بما كان سيحدث لو كان الفيروس ظهر قبل 20 عاما.
ويرى بعض الخبراء، بحسب وسائل إعلام عربية، أنه مقارنة بعام 2003، تحسنت قدرة الاقتصاد الصيني بشكل كبير على التعافي من الأضرار الناجمة عن أي تفش لفيروس، مع وجود "نظام مناعة اقتصادي" أكثر تطورا، مشيرين إلى أن الاقتصاد الصيني بات أكثر مرونة بسبب التقدم في التكنولوجيا والخدمات. إذ يتحول استهلاك الجماهير إلى التجارة الإلكترونية والتعليم عبر الإنترنت وخدمات الفيديو المباشر، حتى لا يدخل الاقتصاد في ركود دون ذهاب الناس إلى الأماكن العامة.
وقال الخبير الاقتصادي، محمد حمزة الحسيني، إن التأثير الكلي لفيروس كورونا الجديد في الصين على الاقتصاد الصيني لم يتضح بعد لأن أزمة الفيروس ما زالت قائمة. لكنه أشار إلى أن العالم أجمع عند تفشي فيروس "السارس" في الصين عام 2003 على أن الصين ستستغرق ما لا يقل عن عشر أو 15 سنة حتى تستطيع النهوض اقتصاديا مرة أخرى، لكن العملاق الصيني بعد عام 2003 نهض نهوضا اقتصاديا كبيرا أجبر العالم على احترامه وتقديره وحقق نجاحات اقتصادية مهولة وتعافت الدولة اقتصاديا خلال فترة وجيزة.
وأضاف أنه على الرغم من الصعوبات المؤقتة في الوقت الحالي، لا يزال للاقتصاد الصيني إمكانات كبيرة. فالسوق الاستهلاكية الضخمة والقوة الكامنة من التحول الاقتصادي والدعم الفعال والسياسات الحكومية للصين، كل هذه عوامل رئيسية تدعم النمو الاقتصادي المطرد.
ويرى الخبراء الاقتصاديون عموما أنه من غير المرجح أن يستمر فيروس كورونا الجديد لفترة طويلة، ومن بين العوامل الرئيسية أن الصين لا تزال لديها قدرات قوية للتعبئة الاجتماعية في حالات الطوارئ، مثل الرقابة المتينة على حركة المرور في المدن التي يبلغ عدد سكانها عشرات الملايين، والحد من الشائعات بحزم، وتعبئة الكوادر الطبية الوطنية ونشر الموارد الطبية، الأمر الذي يمنح المجتمع الدولي الثقة في الاقتصاد الصيني وبأن الصين لديها القدرة على التقليل من تأثير الفيروس إلى الحد الأدنى وضمن أقصر وقت، وبما يؤكد بأن أساسيات الاقتصاد الصيني والاتجاه الإيجابي طويل الأجل لن يتغير بسبب الفيروس.