بقلم: الدكتور علي عبيد الظاهري، سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى جمهورية الصين الشعبية
بكين 2 ديسمبر 2019 ( شينخوا ) يعد الثاني من ديسمبر يوما مهما بالنسبة لي كمواطن إماراتي وبالنسبة لبلادي، الإمارات العربية المتحدة، إذ يوافق هذا اليوم العيد الوطني للبلاد، ويمثل كذلك في هذا العام الذكرى الـ48 لتأسيسها. إنه ليوم خاص، نتذكر فيه تأسيس الإمارات العربية المتحدة بإماراتها السبع. وفضلا عن كونها فرصة للاحتفال ببلدنا الفتي والدينامي، فإن هذه الذكرى تعد مناسبة أيضا للتأمل في الشوط الذي قطعناه للبناء على أسسنا والتقدم المعني الذي أحرزناه.
إنه عام بالغ الأهمية أيضا، حيث يوافق الذكرى الـ35 لتأسيس العلاقات الثنائية بين الإمارات والصين. وبالنسبة للصين فهو بالطبع عام جدير بالاهتمام، إذ يصادف الذكرى الـ70 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
وإذا ما قمنا بتقييم التقدم السريع لدولة الإمارات العربية المتحدة، فسنرى أنه مدهش للغاية، حيث تطور اقتصادها الدينامي والمتنوع ومدنها على نحو سريع خلال سنوات قليلة. ونما إجمالي الناتج المحلي للبلاد بأكثر من ثمانية أضعاف خلال تلك الفترة.
إن الإمارات العربية المتحدة دولة نامية مثل الصين. وإن أوجه التشابه بينهما تؤكد على عصر ذهبي للتعاون والصداقة بين بلدينا.
ويتجلى هذا العمل في التعاون الثنائي المتنامي، مدفوعا بالقيم المشتركة والثقة المتبادلة، اللتان تمثلان حجر الزاوية لنقاشات الاجتماعات رفيعة المستوى بين القيادات الحكيمة لبلدينا، علاوة على التعاون المتزايد بين شركاتنا وشعبينا.
وقد أثمرت مستويات التعاون الثنائي المتقدمة بشكل أكبر مع زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات في يوليو عام 2018، حيث تم، بالتوافق مع قيادة الإمارات، إرساء الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين. وجرى صقل هذه العلاقة خلال الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبي، إلى منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي. وتواصل تعميق هذه الشراكة من خلال زيارة الدولة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، إلى جمهورية الصين الشعبية في شهر يوليو من هذا العام.
إن الكثير من العمل الذي تقوم به الإمارات والصين معا يرتكز على أساس مبادرة الحزام والطريق. وينطلق البلدان بسرعة من تلك النقطة إلى مجالات تعاون أكثر تقدما، وهو ما يدفع سلسلة القيمة للترقي باستمرار صوب علوم وتكنولوجيات أكثر تقدما.
فعلى سبيل المثال، في مجال الطاقة، نفخر بأن البلدين يتحركان قدما باتجاه رؤيتهما لمستقبل أكثر اخضرارا وكذا باتجاه اتفاقية باريس للتغير المناخي. فالصين أحد المساهمين في مضي الإمارات قدما نحو الحياد الكربوني. ويعد مشروع نور أبوظبي بمثابة أكبر محطة مستقلة للطاقة الشمسية في العالم بقدرة توليد تبلغ 1177 ميجاواط. وهو مشروع مشترك مع ائتلاف يضم شركة جينكو الصينية القابضة للطاقة الشمسية. وسيمكن المشروع أبوظبي من زيادة إنتاجها من الطاقة المتجددة وتقليل استخدام الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء، بما يساعدها على جعل الطاقة أكثر استدامة وكفاءة ويقلل انبعاثات الإمارات من ثاني أكسيد الكربون بواقع مليون طن متري سنويا، وهو ما يعادل إزالة 200 ألف سيارة من على الطرق.
كما يعمل صندوق طريق الحرير الصيني على تمويل مشاريع البنية التحتية في الإمارات. فعلى سبيل المثال، يعمل مجمع الصين- الإمارات لعرض تعاون القدرات الصناعية في ميناء خليفة، في عاصمتنا أبوظبي، على تعزيز التعاون بين بلدينا في مجال القدرات الصناعية الدولية. وهنا أيضا، تعمل يدا بيد مجموعة الاتحاد للطيران وشركة جيانغسو المحدودة للتعاون والاستثمار الخارجي.
ومع تطور بلدينا جنبا إلى جنب، يتنامى التعاون بينهما أيضا. وستكون الإمارات حلقة وصل رئيسية لمبادرة الحزام والطريق مع مواصلة تطوير قطاعيها للوجستيات والشحن. كما نشعر بالسعادة لمشاركة شركة "ييوو" لتجارة الجملة في محطتنا اللوجستية الجديدة "سوق التجار"، التي تبلغ مساحتها 5.5 مليون متر مربع، علاوة على استثمارات بقيمة 2.4 مليار دولار أمريكي. وستعمل هذه المحطة على تخزين السلع الصينية وشحنها من ميناء جبل علي إلى بقية العالم، فضلا عن أنها ستكون قريبة من موقع إكسبو دبي 2020.
سيظل التعاون في مجال الطاقة ركيزة هامة للعلاقات بين بلدينا. وسيكون هناك المزيد من التعاون في مجال الأعمال ذات القيمة المضافة في كل من الصناعات الأولية والمتقدمة، بما في ذلك التكرير والبتروكيماويات علاوة على الشراكات التجارية ذات القيمة المضافة على طول سلسلة الإمداد.
وفي هذا العام وحده، وقعت شركة نفط أبوظبي الوطنية والشركة الوطنية الصينية للنفط البحري اتفاقا للتعاون في قطاع الطاقة مع أكبر مستورد للنفط في العالم. ويشمل الاتفاق تطوير الغاز عالي الحموضة في أبوظبي، والتنقيب عن الهيدروكربونات البحرية، وبيع وشراء الغاز الطبيعي المسال الذي تعد الصين أكبر مشتر له في العالم.
تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة، شأنها في ذلك شأن الصين، بتراث عريق يمتد على مدار قرون، لكنها في الوقت ذاته، دولة فتية ونشطة وحيوية. وقد تم التعبير عن ذلك بشكل رائع خلال فعاليات احتفالنا بعيدنا الوطني، حيث تم السماح لنا بعرض "جمل يشمي" ثمين من متحف اليشم. ويرجع تاريخ جمل اليشم هذا، الذي يرمز بقيمته الثمينة إلى تاريخ العلاقات الإماراتية- الصينية، إلى 1400 عام خلت إبان عهد أسرة تانغ الامبراطورية، حيث كانت التبادلات التجارية مزدهرة بين الحضارتين العربية والصينية.
إن دولة الإمارت العربية المتحدة تسعى حاليا لتجديد روابطها التاريخية مع الصين، ليستقبل البلدان معا عصرا جديدا، ينطلقان معه من مستوى تبادلات تجارية ثنائية راهنة تبلغ 70 مليار دولار أمريكي، للوصول بها إلى 100 مليار دولار أمريكي بحلول 2020 و 200 مليار دولار بحلول 2030. وإن الزيارات المتبادلة لقيادات البلدين ووفودهما التجارية، ما هي إلا أساس يضعه البلدان لاستشراف آفاق ذلك العصر الذهبي للتجارة المتبادلة بينهما ولعلاقاتهما الثنائية، والذي سيمتد بلا شك لسنوات عديدة رائعة قادمة.