人民网 2019:10:25.10:54:25
الأخبار الأخيرة

الصين بعيون العرب: هنا تشجيانج.. فينيسيا الشرق الصينية وقلعة صناعة الحرير والشاي

/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/  2019:10:25.10:51

    اطبع
الصين بعيون العرب: هنا تشجيانج.. فينيسيا الشرق الصينية وقلعة صناعة الحرير والشاي
البحيرة الغربية في هانغتشو

محمود سعد دياب، بوابة الأهرام المصرية

إذا رغبت في معرفة تاريخ الصين الحقيقي، فعليك أن تزور مقاطعة تشجيانج (ZheJiang) جنوب شرق الصين، فهي كانت لوقت طويل العاصمة الثقافية للبلاد، وظلت تصدر العلم والآداب والفنون، وحافظت على الموروث الثقافي الصيني رغم أنها لم تكن يومًا عاصمة البلاد، إلا خلال فترة حكم أسرة سونج الملكية الجنوبية خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي.

مهد صناعة الحرير

رغم كونها من أصغر المقاطعات، إلا أن تشجيانج تجمع بين القوة الثقافية والاقتصادية في آن واحد، وذلك لأنها مهد صناعة الحرير منذ أكثر من 4000 سنة، لازدهار تربية دودة القز وإنتاج الحرير ذو الجودة الأعلى في الصين كلها والعالم بالتبعية، تلك الجودة التي شكلت العامل الأساسي في تلك الصناعة، والتي كانت مصدر القوة الحقيقي للاقتصاد الصيني، والسلعة الرئيسية التي من أجلها نشأت فكرة طريق الحرير القديم، والتي صدرتها لكل العالم، وأنشأت أول ترابط إنساني اقتصادي وثقافي بيـن قارات العالم القديم، حيث تستحوذ على أكبر إنتاجية للحرير الخام منذ قديم الزمان، ومؤخرًا نافستها مقاطعة سيتشوان على تلك الصدارة لتمتعها بظروف مناخية مشابهة.

جنة هانجتشو

في الصين حكمة قديمة تقول: "الجنة في السماء وهانجتشو على الأرض"، في إشارة إلى الطبيعة الخلابة في هانجتشو عاصمة المقاطعة، فقد حباها الله بمناظر طبيعية تحبس الأنفاس من فرط جمالها، خصوصًا في البحيرة الغربية، والتي استغلتها الحكومة الصينية في الترويج السياحي لها بشكل عالمي، حيث أصبح سمك البحيرة له شهرة كبيرة يقصده الزوار من كل أنحاء العالم لدرجة أن سعر طبق الأسماك الواحد وصل إلى 400 يوان صيني، كما يتم تطويرها بشكل مستمر، وقدمت علي سطحها الصين عروض أوبرالية وثقافية باستخدام التكنولوجيا تعبر عن الموروث الثقافي للضيوف الحاضرون منتدى قمة العشرين الذي احتضنته المدينة عام 2016.

أساطير البحيرة

البحيرة الغربية التي تمتد على مساحة 6.2 كلم مربع تقريبًا قطعة مصغرة من الجنة، في المساء تكتشف سحرها وضوء القمر منعكس عليها، وفي وقت السحب ترى البحيرة مثل فتاة خجولة أو وقت شروق الشمس عندما تكون السماء صافية تري أشعة الشمس تخرج من بين قمم الحبال والتلال لكي تضفي إليها جمال على جمال، وقد خصصت الحكومة على ضفاف البحيرة أماكن لإقامة محلات تجارية وفنادق استغلها القطاع الخاص في إنشاء مشروعات سياحية ومطاعم ومقاه عظمت من القيمة الاقتصادية للمكان.

عدة أساطير تروى حول البحيرة، أكثرها إثارة هي قصة الحب بين الجميلة بين بـاي سوتشن وحبيبها شو زيان، حيث كانت باي سوتشن تمثل روح ثعبان أبيض وكان شو شيان رجلاً قويًا، وقعا في الحب عندما التقيا للمرة الأولى على متن قارب على البحيرة الغربية، وتزوجا بعد فترة قليلة، لكن الراهب الشرير فا هاي حاول الفصل بين الزوجين بسجن شو زيان، فحاربت باي سوتشن ضد فا هاي وحاولت بذل قصارى جهدها لإنقاذ زوجها. لكنها فشلت وسجنت تحت معبد ليفنج على البحيرة، وبعد سنوات أنقذتها وزوجها شقيقتها شياو تشينغ، ومنذ ذلك الحين، عاش باي سوتشن وشو شيان معًا بسعادة، ويقال إنه بسبب تلك القصة أصبحت البحيرة مكانًا مثاليًا للتعارف بين المحبين.

فينيسيا الشرق

تضمن العرض الذي قدم على سطح البحيرة لضيوف منتدى قمة العشرين عام 2016، فقرة عن قصة الحب بين شو زيان وباى سوتشن، وقصة الحب الحزينة في أسطورة أخرى بين ليانج شانبو وتشو يينجتاى، حيث يتم استخدام التكنولوجيا والخدع البصرية في العرض، من خلال مجسمات تعوم على سطح البحيرة وطرقات صغيرة مصنوعة بطوله وعرضه بحيرة يويهو إحدى أجزاء البحيرة الغربية وراقصون أوبراليون يشرحون الأسطورتين مع ترجمة صينية للمشاهدين على شاشة ذكية على شاطئ البحيرة، وهو العرض الذي يقدم مساء كل يوم حتى الآن ويحظى بإقبال زوار البحيرة من الصينيين والأجانب، وتتضمن البحيرة منازل قديمة أقيمت على جرز صناعية وجسور في العصور القديمة يستطيع السائح التجول بينها بالقوارب في مشهد مشابه لمدينة فينيسيا الإيطالية ما جعل البعض يطلق عليها فينيسا الشرق.

بحيرتي ناصر وقارون

وتأتي خطوة الصين في تطوير البحيرة الغربية واستغلالها، تجربة استرشادية يجب أن تستفيد منها دول ذات حضارة عظيمة في حجم مصر التي تشتهر ببحيراتها العذبة مثل بحيرتي ناصر وقارون اللتيـن تمتلكان مميزات مشابهة تستطيع مصر تطويرهـا والترويج لهـا عالميًا بإقامة عروض فرعونية وثقافية تبرز ثقافة وتاريخ مصر وتضيف قيمة سياحية لهما تعمل على اجتذاب آلاف السائحين، فمن من المصريين لا يعرف أسماك بحيرة ناصر وارتباطها بمشروع السد العالي أحد الرموز المصرية في العصر الحديث أو تاريخ بحيرة قارون المذكور في القرآن الكريم.

بالإضافة إلى البحيرة الغربية تتمتع تشيجيانج بثروة سمكية كبيرة، حيث تقع ضمن نطاقها 18000 جزيرة مساحتها 6000 كلم مربع تقريبًا في بحر الصين الشرقي، ونهر فوشون أو تشيانتانج الذي يلتقي مع مصب نهر اليانجتسي ثاني أكبر الأنهار الصينية في خليج هانجتشو الذي يعتبر جرف قاري، وفي ذلك الخليج وعلى طول ساحل البحر تحمل الأنهار مواد عضوية غنية تجتذب مئات الأنواع من الأسماك للتكاثر وهناك أقامت الحكومة مصايد تجارية عملاقة تراعي عدم الاستغلال المفرط للحفاظ على التوازن البيئي وعدم انقراض الأسماك، ففي خليج هانجتشو تجد أرخبيل جزر تشوشان المكون من 400 جزيرة أكبرها جزيرة "تشوشان" التي تعتبر مركز صيد ساحلي رئيسي، وإلى الشرق منها جزيرتا "بوتوشان" و"ماوتوشان" وفيهما جبلان من أكثر الجبال قدسية عند البوذيين والتي تجتذب آلاف الحجاج سنويًا من جميع أنحاء شرق آسيا، وبجوار ذلك ينشط على تلك الجزر الاستزراع السمكي.

موطن الشاي الصيني

بالإضافة إلى الحرير تتميز بزراعتها الشاي على الهضاب والجبال التي تحتل 70% من مساحتها، والسهول الغرينية الخصبة، حيث تعتبر أكبر المقاطعات إنتاجًا للشاي، واستطاعت مع سياسات إصلاحية أن تستعيد مكانتها بعدما تسببت الحرب الصينية اليابانية (1937-1945) في أضرار جسيمة لصناعة الشاي حيث تم إهمال مزارع الشاي وعدم تجديد الشجيرات، بأن تم إدخال طرق محسنة لزراعة وتجهيز الشاي وإنشاء مزارع جديدة.

وبخلاف الشاي، تبرز زراعة الأرز الذي يزرع في جميع أنحاء المقاطعة، وعدد من المحاصيل الأخرى مثل القمح والشعير والقطن والذرة والشعير والبطاطا وقصب السكر والتبغ، حيث تشتهر مستنقعات بحيرة تاي وما حولها شمالي المقاطعة، بزراعة الأرز على مساحات واسعة بالإضافة إلى الغابات الغنية بأشجار الغار والصنوبر والسرو والزان، والبامبو التي تعتبر مصدر رئيسي لصناعة الأخشاب، فضلا عن أشجار التونج التي تستخدم في صناعة البتروكيماويات، وتستمد تلك المنطقة قوتها الزراعية من السهول الغرينية الخصبة.

طاقة نووية وكهرومائية

تشجيانج غنية بموارد الطاقة المختلفة، حيث استفادت الحكومة الصينية من الانحدار الشديد لمياه نهر فوشون "تشيانتانج" من أعالى الجبال والمرتفعات، في إقامة سد نهر شينان الكبير "أحد روافد النهر الأساسي"، وهي واحدة من أكبر محطات توليد الطاقة الكهرومائية في الصين، والتي أنشأت عام 1965، فضلا عن مفاعل محطة تشينشان النووي، بالإضافة إلى المعادن الطبيعية والبترول.

مهد الثقافة الصينية

رغم أن فترة اتخاذها كعاصمة للبلاد لم تتخط 200 عام، إلا أن تشجيانج مهد الثقافة الصينية الحقيقي، فإذا أردت أن تبحث عن الثقافة الصينية لن تجد الكثير في العاصمة بكين أو حتى العاصمة القديمة شيآن، ففي هانجتشو سوف تجد المكان الذي شهد أزهى عصور الثقافة والأدب الصيني منذ عام 353 ميلادية، تلك الحقبة التي دشنها الخطاط والشاعر وانج شي تشي، صاحب كتاب "لاتينج شو"، الذي يقدسه الصينيون ويعتبرونه أعظم تحفة تاريخية ثقافية في التاريخ، والذي يقدم مجموعات من القصائد المكتوبة بالخط الصيني القديم، ووالذي لا يعرف الكثيرون أسراره والقصص التي دارت حوله في قديم الزمان، خصوصًا وأن أحدًا لا يعرف مكانه حتى الآن.

ففي قصره الموجود وسط غابات أشجار خيرزان البامبو في منطقة لانتج بمدينة شاوتشينج القريبة من هانجتشو، تستطيع اكتشاف الثقافة الصينية في عهد أسرة تانج الملكية التي شهدت أزهي عصور الأدب والشعر، حيث يتضمن القصر غابات البامبو وبحيرة جيانهو الكبيرة والنهر المتدفق من مياه ينابيع جبل كويجيشان، وعدة أماكن تاريخية، ومتاحف أقامتها الحكومة حديثًا تحوي لوحات حجرية وورقية قديمة مكتوبة بالخط الصيني وتحكي كيف كان يعيش الناس في ذلك الوقت، فضلا عن مصنع النبيذ الأصفر ومتحف خاص له وأسرار كثيرة أخرى.

كانت هانجتشو موطن مجموعة من الرسامين المشهورين، في عهد أسرة سونج الجنوبية الملكية عندما كانت العاصمة، وكذلك الخطاطين والشعراء وكتاب المقالات والفلاسفة والمؤرخين، وقد تم تخليد جمال المدينة من قبل رسامي المناظر الطبيعية خصوصًا قصة الحب الأسطورية بين شيا غوي وما يوان على ضفاف البحيرة الغربية، وظلت عاصمة البلاد الثقافية حتى الآن، فقد تخرج منها عدد من الشخصيات الأدبية الوطنية الرئيسية، بما في ذلك الروائي وكاتب المقالات لو شون وماو دون، وكاتب القصص القصيرة يو يو دافو، والشاعريـن شو زيمو وآي تشينج.

ويـعـتبر الصينيون أهل المقاطعة أكثر أهل الصين ثقافةً وتعليمًا، لدرجة أن لها مدرسة عريقة في الأوبرا اسمها أوبرا يوي شاوشينج الشهيرة، فضلا عن العديد من الثقافات الإقليمية المتميزة مع تقاليدها الموسيقية، ومكتبة تيانييجو في مدينة نينجبو، التي شُيدت لأول مرة عام 1561، وتعتبر أقدم مكتبة وإحدى المكتبات الأربع الشهيرة للأدب الكلاسيكي في الصين ، فضلا عن منازل العديد من الشخصيات الأدبية في تشجيانج الرحلون التي تم الحفاظ عليها كمعلم ثقافي وتاريخي، مثل لو شون في مدينة شاوشينج الذي تحول إلى متحف وشو زيمو في مدينة هاينينج.

صور ساخنة

أخبار ساخنة

arabic.people.cn@facebook arabic.people.cn@twitter
×