في ظل تصاعد الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، هل "تنسحب الشركات الأجنبية من الصين واحدة تلو الأخرى" كما ادعى به بعض الأشخاص في الولايات المتحدة؟ في هذا الصدد، كشفت استطلاعات وأبحاث حديثة ان المزيد والمزيد من الشركات الأجنبية قد زادت استثماراتها في الصين، حيث تجاوز عدد الشركات الأجنبية المنشأة حديثًا في الصين 24 ألف شركة في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، وهي متفائلة بالإمكانات الهائلة للسوق الصينية.
وقال سايد جيفري، نائب الرئيس العالمي لشركة الأجهزة الطبية الأمريكية العملاقة Thermo Fisher Scientific "ان التحديات قصيرة الأجل لن تغير التزامنا بالتنمية طويلة الأجل في الصين". وقد أنشأت شركته مصنعا كبيرا في مدينة سوتشو التابعة لمقاطعة جيانغسو شرقي الصين قبل ثماني سنوات. وفى يوم 21 أغسطس من العام الحالي، قاد جيفري المديرين التنفيذيين للشركة للسفر إلى الصين لتوقيع اتفاقية زيادة الاستثمار مع منطقة التكنولوجيا الفائقة بمدينة سوتشو.
وعلى الرغم من ضغوط زيادة الرسوم الجمركية على الواردات والصادرات، زادت شركة معالجة المياه الأمريكية Pentair استثمارها في مشروعها في مدينة سوتشو أيضا، حيث يقرب مبلغ استثمارها من 16 مليون دولار أمريكي. وقالت تشن شيا، المديرة المالية لشركة Pentair في آسيا والمحيط الهادئ ان Pentair متفائلة بالسوق الصينية، وعازمة على توطيد وتطوير أعمالها في السوق الصينية، مؤكدة على ان التزام الشركة بالاستثمار طويل الأجل في الصين لن يتغير.
لا يمكن الانكار انه تأثرا بالسوق والتكلفة وغيرها من العوامل في ظل تهديدات التعريفة الجمركية المتزايدة من الولايات المتحدة، هناك بعض الشركات الأجنبية وشركات التصنيع التحويلي الصينية الواقعة في نهاية السلسلة الصناعية تقوم بنقل بعض طاقتها الإنتاجية إلى الأسواق الأخرى منخفضة التكلفة، وهو أمر يتماشى مع وضع السوق. وفي الوقت نفسه، زادت الصين من جهودها لإدخال استثمارات أجنبية عالية الجودة وانشاء سوق أكثر تنوعًا للتجارة والاستثمارات الدولية، لتعزيز القدرة التنافسية للسوق الصينية باستمرار.
في هذا الصدد، تشير الاحصاءات الى انه فى الفترة من يناير الى يونيو من هذا العام، استخدمت مقاطعة جيانغسو بالفعل رؤوس أموال أجنبية بقيمة 15.25 مليار دولار امريكى، لتحتل المرتبة الاولى فى البلاد، وأصبحت نموذجا مصغرا لزيادة الشركات الأجنبية استثمارها في الصين. وعلى المستوى الوطني، تجاوزت الشركات الأجنبية المنشأة حديثًا في الصين 24 ألف شركة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، وتجاوز الاستخدام الفعلي لرأس المال الأجنبي 530 مليار يوان، بزيادة 7.3% على أساس سنوي، على وجه الخصوص ، زاد الاستخدام الفعلي لرأس المال الأجنبي في صناعة الخدمات عالية التقنية بنسبة 71.1%، ما يعتبر إنجازا كبيرا يتحقق على خلفية الآفاق المتشائمة للتجارة والاستثمار العالميين.
وعكست زيادة الشركات الأجنبية استثمارها في الصين الإمكانات الهائلة لاقتصاد هذا البلد الذى يمتلك 1.4 مليار نسمة. وتظهر البيانات الاقتصادية للأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، انه في كل ساعة، تخلق السوق الصينية أكثر من 1700 فرصة عمل وتتجاوز قيمة الواردات والصادرات في التجارة الخارجية 3.4 مليار يوان وينفق المواطنون الصينيون حوالي 4.5 مليار يوان على التسوق وتناول الطعام ... وتعكس هذه البيانات للعالم الحيوية القوية للاقتصاد الصيني.
كما تدل زيادة الشركات الأجنبية استثمارها في الصين على الأهمية البارزة للسوق الصينية. حيث ذكرت وسائل الإعلام الأجنبية مؤخرا ان بعض الشركات التي خرجت من الصين سابقا قد عادت إلى هذا البلد لأسباب مختلفة. على مدار السبعين عامًا الماضية، حيث خلقت الصين ظروفا مادية وتقنية جيدة، وبنت بنية أساسية كاملة نسبيًا، وشكلت قدرة قوية لدعم الصناعات، فضلا عن إعداد عدد كبير من الكفاءات عالية الجودة. اليوم، يحتل إنتاج الصين لأكثر من 200 منتج صناعي المرتبة الأولى في العالم، وتمتلك الصين 900 مليون عامل وأكثر من 800 مليون مستخدم للإنترنت وأكبر مجموعة من أصحاب الدخل المتوسط في العالم ... وتوضح هذه الأرقام ان الصين هي إحدى أكثر وجهات الاستثمار جذبا في العالم.
وتظهر زيادة الشركات الأجنبية استثمارها في الصين عزم الصين على تعميق الإصلاح والانفتاح أيضا. ووفقًا لتقرير البنك الدولي، ارتفعت بيئة الأعمال في الصين 32 مكانًا في التصنيف العالمي في العام الماضي. واتخذت الصين خلال النصف الأول من هذا العام سلسلة من الإجراءات لتخفيض الضرائب والرسوم وتحسين الخدمات المالية وتبني قانون الاستثمار الأجنبي وتقليص القائمة السلبية للاستثمار الأجنبي وإطلاق التداول على لوحة الإبداع العلمي والتكنولوجي (ستار ماركت) في البورصة الصينية وتوسيع منطقة شانغهاي للتجارة الحرة ... كل هذه التدابير العملية والايجابية لتحسين بيئة العمل قد عززت ثقة المستثمرين الأجانب في الاستثمار بالصين. حتى الآن، قامت 490 شركة من أقوى 500 شركة في العالم بالاستثمار في الصين، وهو ما يمثل 98 ٪ من المجموع.
وقالت الكثير من الشركات الأجنبية التي شملتها الاستطلاعات والأبحاث "ليس هناك شركة تريد التخلي عن السوق الصينية الضخمة". ومن جانبها، ستواصل الصين تعميق الإصلاح والانفتاح في المستقبل لبناء بيئة استثمارية أكثر استقرارًا ونزاهة وشفافية، لجذب المزيد من المستثمرين الأجانب للمشاركة في فرص التنمية في الصين.