محمود سعد دياب
25 يوليو 2019/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/ في فيلم "مرجان أحمد مرجان"، وهو أحد أشهر الأفلام العربية، تحدث الفنان المصري عادل إمام عن الشاي الصيني بالياسمين، وكيف أنه يساعد على الاسترخاء وإزالة التوتر بخلاف فوائد أخرى للمعدة والجسم، ما يسهل عليه مهمة عمله في إقناع المحيطين به بما يخطط له ويريد تنفيذه.
يعد الشاي المشروب الرئيسي في الثقافة الصينية، لذلك يزرع الشاي على مساحات شاسعة في أراضي الدولة التي تقترب من 10 مليون كلم، حيث يعتمد عليه الصينيون بشكل أساسي ويتناولونه بجوار الطعام أو من غيره في أي وقت ومكان.
فلك أن تتخيل مثلا أن جلسات رجال الأعمال لا تبدأ إلا بتقديم الشاي، كما أنه وسيلة لبث الدفء في أي مكان بين المجتمعين حول كوب الشاي الذي يختلف من أخضر وأصفر وأسود بالإضافة إلى شاي الزهور وشاي الياسمين وأنواع أخرى سنورد ذكرها لاحقًا، لكن الأكيد أن الشاي هو المشروب الوطني الصيني ويعتبر جزءا من الحضارة الصينية.
تجولت في مزرعة كبيرة للشاي بمختلف أنواعه على قمم هضاب مدينة هانتشونغ(汉中) بمحافظة شانشي وسط غرب الصين، التي تقع بين جبال تشينلينغ (秦岭) وباشان(巴山)، والتي أنشأها أحد المزارعين الذي تمكن من خلال تطوير نفسه بالعمل في تجارة الشاي، وقام باستئجار مساحة 120 ألف كلم مربع من الهضاب من الحكومة المحلية لزراعة الشاي.
محاربة الفقر
يقول صاحب المزرعة وانغ يو تشوان، لصحيفة الشعب اليومية أونلاين، إن المزرعة كانت تستهدف منها تنفيذ برنامج الحكومة الصينية لمحاربة الفقر، من خلال توفير فرص عمل لقرابة 300 أسرة كل منها مكون من خمسة أفراد وكلهم يعملون في جمع محصول الشاي وزراعته، ومتابعة نموه من خلال مكافحة الفطريات والحشرات للحصول على محصول جيد، مشيرًا إلى أنه يوفر مسكنا ملائما لكل تلك الأسر، وأن كل فرد يحصل على 3000 يوان صيني كل أسبوعين "ما يعادل 500 دولار تقريبًا".
وقال إن حجم استثمارات المشروع يبلغ 40 مليون يوان صيني، ويبلغ حجم الإنتاج السنوي 300 ألف كجم، مضيفًا أن موسم الحصاد يكون ثلاثة مرات في العام الواحد، ويعتمد على مياه الأمطار التي تهطل بشكل مستمر وتكثر خلال ثلاثة أوقات، ما أدى إلى عدم الحاجة إلى تحمل تكاليف صعود المياه إلى تلك المناطق العالية، وأنه يستهدف السوق الصيني المحلي لأن الصينيين أكبر شعب في العالم مستهلك للشاي، مشيرًا إلى أنه أسسه في عام 2014 على مبادئ العدالة الاجتماعية، حيث يتيح لأطفال المزارعين الفرصة للحصول على فرصة للتعليم وعدم مرافقة أباءهم في العمل وقت الدراسة، وفي تلك الحالة يقوم بالاستعانة بمزارعين أخرين لإنجاز المهام في الوقت المطلوب.
وأكد أن عددا كبيرا من مواطني هانتشونغ البالغ عددهم 3 مليون و680 ألف نسمة، أسسوا مشروعات مشابهة بالتعاون من الحكومة المحلية، بهدف مكافحة الفقر كجزء من سياسة وطنية لبناء مجتمع من الطبقة المتوسطة بحلول عام 2020، مشيرًا إلى أن تلك المشروعات نجحت في تحقيق نمو قدره 9.5% في عام 2018، وانتشال قرابة 400 ألف مواطن من دائرة الفقر، خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، فضلا عن أن الرعاية الصحية مدعومة بنسبة 90% في إطار مظلة التأمين الصحي الذي توفرها الدولة.
تاريخ الشاي في الصين
تقول الأساطير أنه قد تم اكتشاف الشّاي في الصّين، في القرن الثالث قبل الميلاد، عندما سقطت ورقة شجر في كوب الماء الساخن للإمبراطور يان ما أدى لتحويل لون الماء إلى الأصفر، وقتها أعجب الإمبراطور بالطعم، وأمر بجعله مشروب موّحد للصينيين، ومنذ ذلك الحين، بدأت الصين بزراعة وغرس آلاف الأطنان من نبتة الشاي وتعتبر اليوم أكبر بلد مصدر للشاي في العالم، ويطلق عليه "تشا" أي شاي وهو الإسم المتعارف عليه في معظم حضارات الشرق ومنها منطقتنا العربية.
أنواع الشاي
يعود وانغ يو تشوان ليقول إن الشاي يعتبر أحد أساسيات الحضارة الصينية، وتقديمه للضيوف يعبر عن مدى الاحترام والتقدير، خصوصًا مع الفوائد الصحية للشاي الأخضر وشاي الزهور والشاي الأسود المختلف في درجة التخمير والمعالجة، كما أن فوائده الصحية لا تعد ولا تحصى منها تخفيض الوزن ودرجة الحرارة وتنظيم الهضم بالمعدة وخلافه.
ويؤكد أن أنواع الشاي أشهرها الأخضر والأصفر وهو شاي الزهور والأبيض وهو قريب من الماء المغلي العادي الذي يقدمه الفقراء للضيوف، والأحمر والأسود الداكن أو المخمر وشاي بوير وشاي الياسمين، مضيفًا أن معظم الصينيين لا يفضلون الشاي الأسود لأنه يكون قويا ويحدث اضطرابات في المعدة تؤدي إلى الأرق.
التنين أشهر شاي في الأخضر
ويضيف أن الشاي الأخضر الصيني هو أقدم أنواع الشاي وأكثرها شعبية، حيث تمتعت به في الصين منذ عدة آلاف من السنين، ويتكون الشاي الأخضر من البراعم الجديدة لمصنع الشاي، ويتم تجفيف أوراق الشاي ومعالجتها وفقًا لنوع الشاي المرغوب فيه، وأضاف أن تقنيات معالجة الشاي الأخضر تنقسم إلى ثلاث فئات: إزالة المياه، الدرفلة، والتجفيف، أما الشاي الأخضر التقليدي فهو ذو لون باهت ونكهة حادة، وأنه يتم إنتاجها في المقام الأول في مقاطعات جيانغشي وآنهوي وتشجيانغ، وأن الشاي الأخضر الأكثر شهرة هو شاي ويست ليك دراجون أو شاي تنين البحيرة الغربية، الذي يتم إنتاجه في هانغتشو.
الشاي الأصفر إمبراطوري
ويستكمل وانغ يو تشوان، مؤكدًا أنه يتم إنتاج الشاي الأصفر عن طريق السماح لأوراق الشاي الرطبة بالتجفيف بشكل طبيعي، فهو له رائحة مميزة، مثل الشاي الأحمر، لكن نكهته أقرب إلى الشاي الأخضر والأبيض، وأنه بصفته عالي الجودة فقد كان يتم تقديمه إلى الأباطرة، حيث كان اللون الأصفر هو اللون الإمبراطوري التقليدي، وأنه ينتشر زراعته في مقاطعة هونان.
الشاي الأبيض
أما الشاي الأبيض فيقول إنه ليس له لون واضح وأقرب إلى الماء الساخن، لكنه في الأساس شاي أخضر غير مجفف تم تجفيفه بسرعة، وأنه ينتشر زراعته في مقاطعة فوجان، وهو أفتح في اللون من الأنواع الأخرى من الشاي ذات النكهة الدقيقة والحساسة، مضيفًا أنه حصل على إسمه من الماء الساخن الذي يقدمه فقراء الصين لضيوفهم، حيث لم يكن لديهم مقدرة لشراء الشاي وكانوا يسمونه تجاوزًا الشاي الأبيض، لكن حاليًا هناك أنواع مختلفة من الشاي الأبيض منها الشاي الفضي.
شاي أولونغ
يقول وانغ إنه يطلق عليه شاي أولونغ، وهو شاي نصف مخمر ذو خصائص فريدة، وأنه مصنوع من مزيج من الشاي الأخضر والأحمر، ويضيف أنه يتميز بأفضل النكهات والصفات العطرية عن باقي أنواع الشاي، وأنه يساعد على الاسترخاء ومفيد لتذويب الدهون ويقصده عادة راغبي إنقاص الوزن
الشاي الأحمر
يقول وانغ إن الشاي الأحمر هو ثاني أكبر فئة من الشاي الصيني، وأنه يتم تصدير معظمه للخارج، موضحًا أنه مكون من براعم أوراق الشاي الذابلة ويتم لفها حتى تتخمر وتجفف، وأنه ينتج عن هذا التسريب لون أحمر جميل ورائحة عطرية خفية .
الشاي الأسود
يؤكد وانغ أن الشاي الأسود هو الداكن اللون من بين أنواع الشاي بعد التخمير، حيث يخضع لعملية تخمير فعلية بمساعدة البكتيريا، وأن تلك العملية تتكون من ست خطوات هي إزالة المياه، والتدوير لأول مرة، والتكديس، التدوير الثاني، ثم التجفيف، موضحًا أنه من المعترف به عمومًا أن الشاي الأسود الداكن نشأ في القرن السادس عشر في مدينة أنهوا بمقاطعة هونان.
شاي بوير
يوضح وانغ يو تشوان، أن شاي بوير هو في الحقيقة شاي غامق اللون لكنه أقل درجة من الأسود الداكن، وأن له ميزات عديدة لأنه مصنوع من خليط من مجموعة نباتات يتم معالجتها بتقنيات معينة يدوية وضغطها لكي تكون شاي بوير، مضيفًا أن تاريخه يعود لأكثر من 2000 سنة، وانه يتم زراعته في مقاطعة يونان جنوب غربي الصين، موضحًا أن الإدارة العامة لمراقبة الجودة والتفتيش والحجر الصحي، أصدرت بيان جغرافي في 5 أغسطس 2008، أتاحت فيه زراعة ذلك النوع في 639 قرية بـ11 محافظة في مقاطعة يونان، وأنه ينقسم إلى نوعين الخام منه اسمه "بوير الأخضر أو شينج بوير" والأسود أو المعالج منه "شوار بوير".
شارع المليارات
في أحد شوارع العاصمة بكين، تتركز الجزء الأكبر من تجارة الشاي في تلك المدينة وما جاورها، وتشمل تجارة جملة وقطاعي ليس على المستوى المحلي فقط ولكن على المستوى الدولي أيضًا، حيث تعقد في هذا الشارع صفقات بمليارات اليوانات، بخلاف ما قام التجار بتخزينه من بضاعة في المخازن يقترب ثمنها من مئات المليارات.
في مدينة هانغتشو وصل تقدير الصينيين للشاي وكونه أحد المكونات الثقافية والتاريخية، لدرجة أنهم أنشأوا له متحف وطني بالمدينة التي تقع في منطقة شينغيانغ الأويغورية ذاتية الحكم، ويعتبر المتحف مركز تقدير المشروبات المفضلة في الصين، حيث يحكي المتحف تاريخا طويلا يمتد عبر قرون وثقافات متعددة، باعتبار الشاي أحد أعظم كنوز الصين.
ففي المتحف تقام أنشطة شعبية ومهرجانات تمارس خلالها طقوس احتساء الشاي الصيني، واستعراض المهارات الفنية، ومعارض صور تحكي تاريخ زراعة الشاي وتطورها وثقافة الشاي الملونة على مدى آلاف السنين، وعادات وتقاليد تناول الشاي، ويمكن للزوار تذوق الشاي من النكهات المختلفة أثناء الاستمتاع بحفل الشاي التقليدي.