لو لم تطرح الصين استراتيجية " صنع في الصين 2025 "، ولو لم تنفذ" خطة الألف الموهبة"، و"لو لم تقف بصرامة لحماية حقوقها في بحر الصين الجنوبي..." منذ اندلاع الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأمريكا، برزت بعض الأصوات تقول "لو" حافظت الصين على مبدأ "داري على شمعتك تقيد"، "واحترمت زعامة الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تتحدّ مكانتها القيادية، لنعمت الصين بالأمن والسعادة".
يبدو هذا كمن يقول لو لم تقف الصين موقفا ندّيا، لما غضبت أمريكا. فكيف يمكن للنّدية أن تكون ههي المشكلة؟
في الوقت الذي تتعرض فيه الصين إلى ضغوط مجحفة وغير مبرّرة، تبدو هذه السلسلة من "اللاوات" شبيهة بمن يتجنّب التفكير في حلول لمواجهة المظالم التي يتعرض إليها وصون حقوقه، ويلجأ إلى جلد ومعاتبة الذات على جرم لم تقترفه يداه.
تعتقد النخب الأمريكية أن الزعامة الأمريكية للعالم هي زعامة أبدية. وتعتبر ذلك مصلحة جوهرية بالنسبة لأمريكا، وأن تحدّي الزعامة الأمريكية هو تحدّ لمصالحها الجوهرية. وعلى مرّ التاريخ، كانت أمريكا معادية لمنافسيها، من بريطانيا إلى اليابان ثم إلى الاتحاد السوفيتي والاتحاد الأوروبي، وهو ما يمثل رد فعل غريزيا لأمريكا للحفاظ على هيمنتها العالمية، وتجسيدا لقانون الغاب في عالم السياسة الدولية، وهو ما لا يمكن تغييره بمحض الإرادة البشرية.
لقد شهدت القوة الصينية نموّا كبيرا خلال العقود الأخيرة، حيث نما نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 160 دولار عام 1978 إلى قرابة 10 آلاف دولار في عام 2018؛ وعلى مستوى الحجم الاقتصادي، تقدمت الصين من المرتبة الـ 15 إلى المرتبة الثانية عالميا. وتعد الصين في الوقت الحالي أكبر اقتصاد عالمي من حيث تجارة السلع، وثاني اقتصاد عالمي من حيث تجارة الخدمات، وثاني مستثمر عالمي وثاني أكبر دولة مستقبلة للاستثمارات. وفي عام 2010 تجاوزت الصين اليابان لتصبح ثاني اقتصاد عالمي، وظلت تحافظ على زخم نمو قوي. لذلك فإن سياسات الضغط والاحتواء التي تمارسها الولايات المتحدة ضد الصين في الوقت الحالي ليست وليدة اللحظة، وإنما هي استراتيجية تم التخطيط إليها مسبقا. ولهذا السبب ليس هناك مجال لكلمة "لو" لتجنّب الاحتكاكات التجارية بين الصين وأمريكا.
يعمد الجانب الأمريكي في الوقت الحالي إلى تصعيد الصراع التجاري مع الصين، ويفرض ضغوطات قوية على شركات التكنولوجيا الصينية ويراوغ في المفاوضات. أمام مثل هذا الوضع، يطالب "أنصار لوْ" البلاد بالمحافظة على سياسة "داري على شمعتك تقيد" وابتلاع الغضب، ويعتبرون أن سبب الاحتكاكات التجارية الصينية الأمريكية يعود إلى عدم محافظة الصين على هذا المبدأ، ويرون بأن ذلك مثل خطأ استراتيجيا، وهوما يعد خبط عشواء وقلبا لحقائق الأمور.
إن التواضع والحذر، والتقليل من الشعارات الفارغة والالتزام بالعمل الجاد وعدم البحث عن الزعامة أو الهيمنة هي روح مبدأ "داري على شمعتك تقيد". لكن ينبغي التأكيد بوضوح على أنه الوقت الذي تتمسك فيه الصين بطريق التنمية السلمية، لا يمكنها أن تتنازل عن حقوقها المشروعة، أو التضحية بمصالحها الجوهرية. ويجب ألا تتوقع أي دولة بأن الصين يمكن أن تساوم على مصالحها الجوهرية، أو أن تبتلع الثمار المرّة التي يمكن أن تضرّ بسيادتها وتنميتها.
فكل تنازل على مستوى حقوق الصين الجوهرية سيعني التخلي عن مستقبل التنمية الصينية. وفي هذه النقطة بالذات، ليس هناك افتراضات تاريخية، وليس هناك مساحة تسع كلمة "لو".