تعليق: رسوم براءات الاختراع لا تخضع لازدواجية المعايير

هل يمكن لشركة هواوي المطالبة برسوم براءات الاختراع من شركة "فيرشون" الأمريكية؟ لقد تم مؤخرا تأويل هذه المشكلة الفنية من بعض الساسة الأمريكيين على أنها "قضية سياسية". وتعليقا على هذا الموضوع، تحدث النائب الشهير المناهض للصين روبيو، الذي سبق أن تهجم على الصين بدعاوى "سرقة الملكية الفكرية"، واصفا مطالب هواوي بـ “بلطجة براءات". لكن هواوي هي أبعد ما يكون عن مثل هذه الممارسات.

في الحقيقة، إن مسألة الحصول على رسوم براءات الاختراع لا تتعلق برغبة هواوي نفسها، بل بالسلوك الفعلي لشركة فيرشون. فهل استخدمت الأخيرة براءات اختراع تابعة لهواوي، وهل كان استعمالها مطابقا للقانون وهل دفعت مقابل ذلك الرسوم اللازمة. لا شك أن معرفة هذه الحقائق ليست بالأمر المعقد، فإذا كانت شركة فيرشون قد استخدمت براءات اختراع هواوي دون ترخيص ودون دفع النفقات اللازمة، فإن هذه الممارسات هي عين البلطجة التي تحدث عنها النائب الأمريكي.

في الحقيقة، ان الشركات الأمريكية هي الطرف المخطئ فيما يتعلق برسوم براءات الاختراع، وهي رسوم يمكن أن تصل إلى مئات ملايين الدولارات، وهو ما يمكن أن يسمح للعديد من شركات التكنولوجيا الأمريكية باستثمار هذه الرسوم في الابتكار التكنولوجي. وبالعودة إلى نزاع براءة الاختراع بين هواوي وفورشين، يجب النظر إليه على أنه مشكلة سوق أو مشكلة قانونية وليس مشكلة سياسية. وأمريكا يجب أن تتخلّى عن ازدواجية المعايير في هذا الجانب، وتحترم الحقائق الأصلية. 

في هذا الصدد، ذكرت صحيفة "وولستريت جورنال" نقلا عن رويترز أن هواوي قد قامت منذ فبراير 2019 بمراسلة أكثر من 20 شركة من مزوّديها، وطالبت فورشين بدفع مايزيد عن 1 مليار دولار عن أكثر من 230 براءة اختراع. ووفقا لتقارير وسائل الاعلام الامريكية فإن ما قامت به هواوي يعدّ تفاوضا مسبقا بشأن السماح للأخيرة باستعمال براءات اختراعها. في حين نجد مثل هذا التواصل بين شركة ابل ونوكيا وكوالكوم.

على سبيل المثال، أعلنت كل من شركة نوكيا وشركة ابل في بيان مشترك صدر في 23 مايو 2017 عن انهائهما لنزاع براءات الاختراع والتوصل إلى حل شامل، يقضي بتحويل التراخيص في استعمال براءات الاختراع إلى اتفاقية تعاون تمتد لعشرات السنين. لكن قبل ذلك، وتحديدا في ديسمبر 2016، اشتكت نوكيا آبل إلى المحكمة الأمريكية، حيث اتهمتها بانتهاك أكثر من 32 براءة اختراع في الشاشة والرقائق الإلكترونية والبرمجيات. وفي 17 ابريل 2019، أعلنت كوالكوم وآبل عن توصلها إلى اتفاق لإلغاء جميع الشكاوى المتبادلة في مختلف أنحاء العالم. وتضمن الاتفاق بندا يقضي بتقديم آبل تعويضا ماليا لكوالكوم.

لذلك، فإن مشاكل تصاريح براءات الإختراع هي في الأساس مشاكل فنّية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال تبرأة ذمة شركة فيرشون من دفع الرسوم اللازمة أو الحصول على تصاريح استخدام بمجرد اتهام هواوي بممارسة بلطجة براءات الاختراع. وفي النهاية، يبقى قرار دفع فورشين تعويضات مالية لهواوي، رهنا بنتائج المفاوضات بين الشركتين. 

في ظل الاحتكاكات التجارية بين الصين وأمريكا، أحرجت مطالب هواوي بالحصول على رسوم براءات الاختراع من الشركات الأمريكية بعض الساسة الأمريكيين المناهضين للشركة الصينية. كما ان تسييس هذه المشاكل العادية في عالم السوق والاقتصاد، جلعها تصبح مثارا كبيرا للرأي العام. لكن الحقائق الساطعة مثل الشمس قد كشفت المعايير المزدوجة التي يعتمدها بعض الساسة الأمريكيين.