بقلم: عبد الفتاح السنوطي
قرية ليانتشانغ (قوانغدونغ) 22 مايو 2019 / برامج تطوير وانتشال القرى والمناطق الريفية من تحت عباءة الفقر تسعى إليها جميع الدول. ولكن الأمر في الصين له طبيعة خاصة وفريدة، حيث تبذل الحكومة الصينية تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ جهودا حثيثة للخروج بالقرى والمناطق الريفية عامة، التي تقع في جغرافية وتضاريس جبلية يصعب معها وصول الخدمات إليها بسهولة، إلى حياة معيشية أفضل لسكانها، علاوة على بناء بنية تحتية ومشاريع اقتصادية وصناعية تزيد من مستوى الدخل للأسر الفقيرة في تلك القرى والمناطق الريفية.
لقد ضربت التجربة الصينية في إعادة البناء والتشييد والتعمير وبرنامج إنعاش القرى الفقيرة والنهوض بها، مثالا فريدا يُحتذى به لكل الدول التي تسعى بجد واجتهاد إلى تطوير الحياة المعيشية لسكانها وتغيير نمط حياتهم إلى الأفضل.
وفي العام ٢٠١٨، خرج نحو ١٣ مليونا و٨٦٠ ألف نسمة من تحت عباءة الفقر في الريف الصيني، وفي نهاية ذات العام انخفض تعداد الفقراء في الصين إلى ١٦ مليونا و٦٠٠ ألف نسمة من ٩٨ مليونا و٩٩٠ ألف نسمة في العام ٢٠١٢.
وخلال زيارة لقرية ليانتشانغ في بلدة ليانجيانغكو بمدينة ينغده في مقاطعة قوانغدونغ، نظمتها جامعة الاتصالات في بكين، في إطار زيارة قصيرة للصين، تعرفت كمراسل لوكالة أنباء شينخوا على التطور الكبير الذي شهدته القرية، وذلك خلال لقاء مع المزارع لو دونغ الذي قال إن القرية كانت في حالة يرثى لها من حيث مستوى المعيشة والدخل والفقر والافتقار للبنية التحتية.
وأضاف لو أن الحكومة الصينية عملت على تطوير وتحديث القرية من جميع الجوانب، وإنشاء مصنع للعب الأطفال بها، وإعادة بناء المنازل والبنية التحتية من كهرباء ومياه وصرف وهواتف وإنترنت، مؤكداً في الوقت ذاته أن زيارة الرئيس شي جين بينغ للقرية في العام الماضي أدخلت في نفوس السكان السعادة ودفعتهم إلى المزيد من العمل والجهد من أجل النهوض بقريتهم.
تقع قرية ليانتشانغ في الجنوب الشرقي من بلدة ليانجيانغكو، ويتدفق نهر ليانخه من جهة الجنوب الشرقي للقرية إلى شماليها الغربي، وهي منطقة جبلية عالية تبلغ مساحتها الإجمالية ٣١.٨٣ كيلومتر مربع، وتقطنها ٤٨٣ أسرة تضم ٢٢٢٥ شخصا يحمل أغلبهم ألقاب لو و دونغ و لين و شي.
وفي ٢٣ أكتوبر ٢٠١٨ قام الرئيس شي بزيارة إلى قرية ليانتشانغ، مؤكدا على عمل بناء المنظمات القاعدية المحلية للحزب الشيوعي الصيني، والتخفيف من حدة الفقر وخدمة القرية والبناء الريفي الجديد.
ولقد كان من اللافت خلال الزيارة وجود سوق لبيع منتجات المزارعين المحلية داخل القرية، تُزينه ميزة لطيفة تتمثل بقيام المزارعين بالرقص أثناء عملية البيع، في دلالة واضحة على سرورهم وسعادتهم بما وصلت إليه قريتهم من جهة، ولجذب الزبائن لشراء منتجاتهم التي يغلب عليها الطابع الزراعي المحلي من جهة أخرى. فيما ينتصب بناء كبير قيد الإنشاء في مدخل القرية يُستخدم كاستراحة للزائرين الذين يتوافدون على القرية بصفة مستمرة خاصة بعد زيارة الرئيس شي لها.
وأضاف لو أن "زيارة الرئيس شي لقريتنا فتحت لنا أبوابا كثيرة حيث يتوافد الزائرون على قريتنا ليروا التغيير بأعينهم، وعلاوة على ذلك، يحب المواطنون أن يتبعوا رئيسهم في أي مكان دليلا على حبهم له".
وخلال جولتنا في مصنع لعب الأطفال بالقرية، لاحظنا انشغال المزارعين الذين يعملون في المصنع وتركيزهم في العمل بحب وسرور وكد واجتهاد، فيما كانوا يرمقوننا بنظرات مفعمة بالفخر والاعتزاز والكرامة. "نحن من نصنع المستقبل بأيدينا وعرقنا للأجيال الحاضرة والقادمة"، بهذه الكلمات التي تحمل في طياتها الكثير من المعاني الجميلة، عبر أحد سكان القرية عن واقعهم بينما كان يركز في عمله.
وقال أحد سكان القرية، ويدعى لين شي، إن القرية تغيرت تماما بعد تطويرها وتحديثها، منوها بعدم وجود فقراء بالقرية، وأن الجميع باتت لديهم أعمال توفر وتضمن لهم عيش حياة كريمة وسعيدة.
وتم تحسين مستوى الخدمات بشكل عام في القرية من خلال السياسات الدقيقة والعمل الجاد، حيث تم تطوير البنية التحتية لقرية ليانتشانغ. وحقق التخفيف من حدة الفقر عن طريق التنمية الصناعية وخلق فرص العمل نتائج ملحوظة في القرية، وخطت عملية النهوض بالقرية والمناطق الريفية خطوات كبيرة إلى الأمام في نهاية العام ٢٠١٨.
وحققت جميع الأسر الفقيرة في القرية نصيب دخل أخرجها من الفقر، ووصل نصيب دخل الفرد القابل للتصرف للأسر الفقيرة التي لديها قوة عمل إلى ١٥٧٠٢ يوان (نحو 2400 دولار أمريكي)، وارتقع صافي الدخل الاقتصادي الجماعي للجنة القرية من ٢٠٠٠ يوان إلى ١٦٠ ألف يوان.
وفازت القرية في سبتمبر ٢٠١٨ بلقب أفضل عشر قرى في مدينة ينغده في العام ٢٠١٨. وأصبحت إحدى وجهات السياحة الحمراء. وفي ٢٦ مارس ٢٠١٩ عقدت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية والريفية دورة تدريبية تحت عنوان: "الإبداع المشترك" - المرحلة الأولى من البيئة الجميلة للمجتمع الريفي والحياة السعيدة في مدينة ينغده. وقد تم اختيار القرية كموقع للزيارة.
وخلال تلك الزيارة، لاحظنا المعدات الميكانيكية المستخدمة في عملية الزراعة واستصلاح الأراضي واعتماد القرية للزراعة الحديثة، مع غياب استخدام حيوانات كالأبقار والحمير واستبدالها بالمعدات الزراعية المتطورة التي تساعد المزارعين على إتمام أعمالهم الزراعية بأقل مجهود ممكن وأجود طريقة. وقال أحد المزارعين إن استخدام المعدات الحديثة الآن سهل لنا الكثير من أعمالنا الزراعية وأصبح الإنتاج الزراعي في زيادة مستمرة.
وتشتهر القرية بمحاصيل الأرز والفول السوداني والذرة والبطيخ والخضروات وغيرها، فضلا عن كونها غنية بالغابات الخشبية والاقتصادية وبراعم الخيزران.
وفي الوقت الحاضر حققت حرب الصين ضد الفقر تقدما حاسما، حيث انخفض معدل الفقر من ١٠.٢ فى المائة في العام ٢٠١٢ إلى ١.٧ فى المائة حتى نهاية العام ٢٠١٨، بانخفاض تراكمي بلغ ٨.٥ نقطة مئوية.
ومازالت حرب الصين مستمرة ضد الفقر في القرى والمناطق الريفية، لتُركّز هذا العام على جبهتين، الأولى معالجة الصعوبات والتركيز على مناطق الفقر المدقع والسكان الذين يعانون من مشاكل مستعصية، والثانية المحافظة على الإنجازات المحققة في مكافحة الفقر بشكل مستدام عن طريق التنمية المستدامة.