أنقرة 10 يناير 2019 /عادت التوترات بين عضوي حلف شمال الأطلسي (ناتو) الولايات المتحدة وتركيا، لتتأجّج من جديد عقب تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن التزامه بسحب قواته من سوريا بوتيرة سريعة، وبحثه عن تأمين ميليشيا كردية، ولكن ثمة خبراء يتوقعون أنه ما زالت هناك نوافذ للتعاون بين الجانبين.
وفي حديثه لوكالة الأنباء ((شينخوا))، قال أويتون أورهان، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط - ومقره في أنقرة - "إن وتيرة الخروج الأمريكي، وطريقته يمكن تعديلهما ... ولكن سيحدث الانسحاب في نهاية المطاف. لقد أصبح أمرا حتميا".
وأعرب أورهان عن اقتناعه بأن ترامب سيكون "مصرّا" على الخروج العسكري الأمريكي من سوريا التي تمزقها الحرب لأنه يود استخدام هذا الأمر كورقة مساومة ضد روسيا وتركيا.
دفع دعم واشنطن لمليشيا وحدات حماية الشعب الكردية في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بالعلاقات الأمريكية-التركية إلى نقطة انهيار.
وتربط أنقرة بين الميليشيا الكردية وحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا مسلحا مستمرا منذ عقود في تركيا.
وكان إعلان ترامب الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية وتعهده بسحب 2000 جندي أمريكي يقومون في الأساس بمساندة وحدات حماية الشعب الكردية، فتح الباب أمام آمال في حدوث انفراجة في العلاقات المتوترة مع أنقرة.
ومع ذلك، يبدو أن ترامب رضخ للضغط الذي فرض عليه من قبل إدارته، ليُعلن بعد ذلك أن الخروج الأمريكي من سوريا سيحدث بوتيرة أبطأ، إذ إن الأمر، وفقا لمحللين، ربما يستغرق عدة أشهر أو حتى سنوات.
وأرسل ترامب يوم الثلاثاء مستشاره للأمن القومي جون بولتون، إلى أنقرة لإجراء محادثات.
بيد أن مهمة بولتون باءت بالفشل لأنه قوبل بتوبيخ من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خلفية تصريحات أدلى بها وأشار فيها إلى أهمية وحدات حماية الشعب بعد انسحاب واشنطن من سوريا.
وأجرى بولتون محادثات متوترة بشأن سوريا مع مساعد أردوغان إبراهيم قالين ومسؤولين كبار آخرين من الجانب التركي، قبل أن يُلغي بولتون مؤتمره الصحفي ويتوجّه إلى المطار.
وخلال خطابه في البرلمان، انتقد أردوغان بشدة المقترحات الأمريكية بشأن ضرورة حماية الجماعة الكردية المدعومة من الولايات المتحدة بعد الانسحاب الأمريكي، واصفا هذه المقترحات بأنها "غير مقبولة".
وقبل وصوله إلى العاصمة التركية، أثار بولتون غضب الحكومة التركية بشدة حينما صرّح بأن الانسحاب الأمريكي مشروط بهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية إلى جانب الحصول على ضمانات تركية بشأن أمن وحدات الشعب الكردية.
وأضافت تعليقات بولتون إلى خلافات تأججت يوم الجمعة الماضي عندما أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في مقابلة، عن رغبة الولايات المتحدة في ضمان "عدم قيام الأتراك بقتل الأكراد" بمجرد خروج القوات الأمريكية من المنطقة.
وأشار سركان دميرطاش، وهو محلل وصحفي متخصص في مجال السياسة، إلى حرص تركيا على التمييز بين الأكراد المدنيين والأكراد المقاتلين الذين تم تجهيزهم عسكريا من قبل الولايات المتحدة، منوّها إلى أن وضع الجانبين في سلّة واحدة أمر غير مقبول بالنسبة لأنقرة.
وفي حديثه إلى ((شينخوا))، قال دميرطاش: "من وجهة نظر تركيا، ينبغي للولايات المتحدة أولا توضيح ماذا تعني بلفظ (الأكراد)".
وأضاف قائلا: "إذا كان الأمر يتعلق بالأكراد المدنيين الذين لم يتورطوا مطلقا في أعمال إرهابية، فسيكون ذلك مقبولا بالنسبة لتركيا".
واستدرك دميرطاش: "لكن إذا كان يتعلق بحماية إرهابيي وحدات حماية الشعب الكردية وحتى تحت مظلة اسم (قوات سوريا الديمقراطية)، فإن موافقة تركيا على مثل هذا الاتفاق ستكون إما مفاجأة كبيرة أو تغيُّرا جذريا في سياستها. وحتى الآن، لا توجد مؤشرات على تغيير تركيا لسياستها قريبا".
وتصر تركيا على أن عملياتها العسكرية تستهدف وحدات حماية الشعب الكردية وليس الشعب الكردي. ورفضت أنقرة وجود أي دور للمقاتلين الأكراد في عملية استعادة السلام في الساحة السورية، بل وهدّدت بتدمير هذا الفصيل.
وفي رأي دميرطاش، فإن موجات التفاؤل الأولية بشأن الانسحاب الأمريكي من سوريا آخذة في التلاشي، كما أن "تركيا والولايات المتحدة عادتا إلى نقطة الصفر في سوريا"؛ حيث نقطة خلاف.
وبدا أورهان أكثر تفاؤلا بشأن سبل نزع فتيل التوترات الأخيرة، حيث قال إن الولايات المتحدة ينبغي أن تعالج شواغل حليفتها بشأن المقاتلين الأكراد من خلال نقل هؤلاء المقاتلين بعيدا عن الحدود التركية.
واختتم أورهان حديثه قائلا: "بهذه الطريقة، سيحدث توغّل عسكري تركي، ولكن بدون أي مواجهة مع الأكراد السوريين"، وبالتالي بدون ضغط سياسي مع الجانب الأمريكي، على حد قوله.