قال رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي خلال العرض العسكري الذي أقيم في الاكاديمية العسكرية العراقية يوم 6 يناير الجاري، أن الجيش العراقي فاز بالمعركة ضد تنظيم " الدولة الإسلامية"، وسيواصل تطويق ما تبقى من عناصره في المناطق الحدودية، وتعزيز إنجازات انتصار مكافحة الإرهاب، وأن الحكومة ستعمل بجد لتعزيز عملية إعادة الاعمار بعد الحرب.
ذكرت تحليلات اعلامية في الشرق الاوسط أن العراق ممزقا وجريحا بعد الحرب، من ناحية، يجب على الحكومة العراقية أن تتعامل مع تهديدات الانشطة الارهابية، ومن ناحية اخرى، تواجه فجوة التمويل الضخمة المطلوبة لإعادة الاعمار، ما جعل من الصعب تحقيق تقدم في اعمال اعادة الإعمار.
التهديدات الأمنية بعيدة كل البعد عن النزع
في عام 2014، سيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" على مناطق واسعة في شمال وغرب العراق. وفي ديسمبر 2017، أعلن رئيس الوزراء العراقي آنذاك حيدر العبادي أن القوات الحكومية استعادت جميع الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيم " الدولة الإسلامية"، وأن العراق حقق نصرا تاريخيا ضد التنظيم. وعلى الرغم من هذا، فإن تهديدات ما تبقى من تنظيم " الدولة الإسلامية" لا يزال قائما. ووفقا لأحدث تقرير لمجلس النواب الأمريكي، لا يوجد ما يدل على أن تهديدات تنظيم " الدولة الإسلامية " الإرهابية تتناقص. وقد فقد تنظيم " الدولة الاسلامية" معظم مناطق سيطرته في العراق وسوريا، لكن لايزال لديه القدرة على شن هجمات إرهابية في الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم. ووفقا لتقرير الأمم المتحدة، فإن العدد الإجمالي الحالي لعناصر تنظيم " الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا لا يزال يتجاوز 20000.
حذرت ليز غراندي منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق من أن عدم مساعدة المجتمع الدولي الحكومة العراقية على استقرار الوضع الأمني، سيؤدي الى مواجهة نتائج قتال ضد تنظيم " الدولة الإسلامية" مخاطر هائلة. وقال الخبير العراقي في شؤون الجماعات الإرهابية هشام الهاشمي في مقابلة مع وسائل الاعلام أن تجنب عودة تنظيم " الدولة الإسلامية" بحاجة الى القضاء على التربة الخصبة التي تتكاثر عليها المنظمات الإرهابية والأنشطة الاجرامية، وتحقيق المصالحة الاجتماعية في العراق هو المفتاح الرئيسي.
الايكولوجيا السياسية لا تزال هشة
حطمت حرب العراق التي اندلعت في عام 2003 التوازن السياسي والإيكولوجي الأصلي للعراق، حيث عانت البلاد من نزاعات طائفية، وشهدت حدوث أنشطة إرهابية وأعمال شغب بشكل متكرر. وفي عام 2005، أجرى العراق أول انتخابات برلمانية بعد الحرب وشكل حكومة جديدة. ومع ذلك، فشلت الحكومة في السنوات التالية في حل المخاطر الأمنية وتعزيز المصالحة الطائفية بفعالية، ولم تحسن معيشة الشعب.
أجرى العراق انتخابات برلمانية في 12 مايو من العام الماضي، لكن رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي لم يؤد اليمين الدستورية حتى يوم 25 اكتوبر في ظل شغور ثمانية وزراء في الحكومة. كما لم تعط المجموعتان الرئيسيتان في البرلمان العراقي خياراً آخر لوزير الداخلية الجديد، مما ادى الى عدم امكانية الاعتراف بالوزراء الثمانية، ووصلت العملية السياسية في العراق الى طريق مسدود. وأصبح هذا دليلا رئيسيا على ضعف البيئة السياسية في العراق.
تعتقد جينيفر أبدو، باحثة زائرة بمعهد بروكينغز بالولايات المتحدة وخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، أن الخلافات بين الفصائل السياسية في العراق تعمل على إعاقة عملية إعادة الإعمار.
عملية إعادة الإعمار ليست تحديا صغيرا
أعلن الجانب العراقي للعالم الخارجي أن إجمالي الأموال اللازمة لأعمال إعادة الإعمار تبلغ حوالي 88 مليار دولار، وستستغرق أكثر من 10 سنوات لإكمالها تدريجيا، والأولوية هي استعادة حركة المرور ومرافق الطاقة في المناطق المتضررة. ومع ذلك، فإن عملية إعادة الإعمار ليست على طول الطريق، ففي الوقت الحالي، لا يتلقى صندوق إعادة إعمار العراق سوى أقل من 2٪ من الأموال المطلوبة، ولا يمكنه التركيز إلا على الاحتياجات الاكثر إلحاحًا.
وبالإضافة الى السعي للحصول على المساعدات الدولية، سيزيد العراق أيضًا دخله بزيادة صادرات الطاقة من أجل تسريع الأعمال ذات الصلة. ومنذ النصف الثاني من العام الماضي، طرحت الحكومة العراقية عددا من المبادرات لتحسين بيئة الاستثمار المحلي والبحث عن المساعدة في أعمال إعادة الإعمار.
وقد مكَّنت الاستعادة التدريجية للبنية التحتية العديد من الناس من العودة إلى ديارهم. ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، انخفض عدد النازحين في العراق من أكتوبر 2017 إلى أكتوبر 2018 من حوالي 3.17 مليون إلى أقل من 1.9 مليون.
وعلقت وسائل الإعلام في الشرق الأوسط بأن عملية إعادة الإعمار في العراق ستوفر عددا كبيرا من فرص العمل، وتساعد على الحد من تكاثر الإرهاب والأفكار المتطرفة، وتهيئ فرصة لإنهاء الصراع السياسي والطائفي العراقي الذي استمر لعدة سنوات. ولكن يجب علينا أيضا أن نرى أن عراق ما بعد الحرب ممزقا، تم تدمير معظم البنية التحتية واستقطاب خطير بين الأغنياء والفقراء، وأصبحت الطبقة الاجتماعية ثابتة لا تتحرك على نحو متزايد، في حين أن إمكانية تحسين الحكومة العراقية اقتصادها محدودة، ومستقبل عمل اعادة اعمار العراق لا يزال صعبا.
يعتقد الصحافي السياسي والدبلوماسي العراقي البارز صلاح النصراوي أن إعادة الاعمار بحاجة الى مبالغ ضخمة، وأن التهديدات الإرهابية لا تزال قائمة، ولا يزال أمام عملية إعادة الإعمار العراقية طريق طويل. وينبغي أن يواصل المجتمع الدولي تقديم الدعم والمساعدة العراق على استعادة اقتصاده وخلق بيئة مواتية لإعادة إعمار.