واشنطن 2 يناير 2019 / من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي الأمريكي في عام 2019 بسبب عوامل من بينها تضاؤل تأثير التحفيز المالي ومزيد من تشديد الأوضاع المالية وتزايد تقلبات السوق وحالة عدم اليقين التجارية، حسبما ذكر خبراء.
ومع تسجيل معدلات نمو سنوية بلغت 2.2 و4.2 و3.4 في المائة للأرباع الثلاثة الأولى من عام 2018 على التوالي ونطاق 2 في المائة متوقع للربع الأخير، قدر الاحتياطي الفدرالي بأن الاقتصاد الأمريكي سينهي العام بتوسع نسبته 3 في المائة، وهو أعلى بكثير من متوسط المعدل السنوي الذي تبلغ نسبته 2.2 في المائة للفترة ما بين عامي 2010 و2017.
إلا أن الاقتصاديين حذروا من أن هذه الطفرة تقودها إلى حد كبير التخفيضات الضريبية وزيادة الإنفاق التي أقرتها الحكومة الأمريكية، وأن هناك دلائل على أن فوائد تلك الإجراءات تتضاءل فيما سيؤثر تشديد السياسة النقدية من جانب الاحتياطي الفدرالي بشكل أكبر على نمو الاقتصاد الأمريكي.
وقال جيريمي كوهين سيتون الباحث بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي وهو مركز أبحاث في واشنطن، قال خلال مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)) "إن التحفيز المالي أصبح عائقا ماليا وإن تشديدا أكثر في الظروف المالية سيعني أن النمو سيتباطئ".
وتوقع أن يتوسع الاقتصاد الأمريكي بنسبة حوالي 2.5 في المائة في عام 2019.
وذكر أن "الركود يتضاءل، وبالتالي سيكون لديك المزيد من ضغوط الأجور"، مضيفا أن الاحتياطي الفدرالي سيواصل تشديد السياسة النقدية حيث أن التضخم في الولايات المتحدة "سيتجاوز الهدف (2 في المائة) قليلا".
وكان الاحتياطي الفدرالي قد رفع أسعار الفائدة أربع مرات في عام 2018، وتوقع معظم مسؤولي الاحتياطي الفدرالي رفع أسعار الفائدة في عام 2019.
وقال رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي جيروم باول في مؤتمر صحفي عقد يوم 19 ديسمبر "من المرجح أن ينمو الاقتصاد بطريقة ستدعو إلى رفع أسعار الفائدة على مدى العام المقبل مرتين". وتوقع الاحتياطي الفدرالي أن يتباطئ نمو الاقتصاد الأمريكي إلى 2.3 في المائة في عام 2019.
كما أكد باول في المؤتمر الصحفي أن قرارات الاحتياطي الفدرالي المتعلقة بالسياسات "لا تسير على مسار تم تحديده مسبقا".
وأضاف أن "هناك درجة عالية إلى حد ما من عدم اليقين بشأن كل من مسار ووجهة أي زيادات أخرى".
لكن بعض الخبراء جادلوا بأن رفع أسعار الفائدة الأخير من جانب الاحتياطي الفيدرالي والذي تم في ديسمبر وسط تقلبات السوق كان "موضع شك" و"تحركا خاطئا".
وأشار تيم دوي من جامعة أوريجون مؤخرا إلى أنه لا يوجد "سبب مقنع" لرفع سعر الفائدة، غير أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي "يصرون على تحديد السياسة على خلفية التوقعات على المدى الطويل ويشعرون بأنهم مضطرون لمواصلة هذه السياسة".
وقال المحللون إن ما سيضيف إلى مخاطر الهبوط هو احتمال حدوث حالة من الجمود المطول بشأن ميزانية الحكومة، والتي تسببت في شل ربع الحكومة الفدرالية لأكثر من أسبوع حتى الآن وجعل حوالي 800 ألف عامل فدرالي يأخذون إجازة أو يعملون بدون أجر.
وعلى الرغم من أن تأثير الإغلاق الحكومي الجزئي على الاقتصاد الكلي لا يزال محدودا في الوقت الحالي، إلا أنه لن يمكن إغفاله إذا ما استمر الإغلاق، خاصة في ظل تقلبات السوق.
ومن المحتمل أن تؤثر المخاوف بشأن فقدان زخم النمو في آسيا وأوروبا على نمو الولايات المتحدة، حيث قال كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي المنتهية ولايته موريس أوبستفيلد للصحفيين في أوائل ديسمبر "بالنسبة لبقية العالم يبدو أن بعض الهواء يخرج من البالون. وهذا سيعود ويؤثر أيضا على الولايات المتحدة".
ومن ناحية أخرى، فإن ما يتردد عن استياء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من باول، واضطراب سوق البورصة، والنزاعات التجارية المستمرة كلها أمور تثير الشكوك في الاقتصاد الأمريكي في عام 2019.
فبعد فرض تعريفات جمركية على واردات الصلب والألومنيوم في أنحاء العالم على أساس الأمن القومي، لم يتضح بعد ما إذا كانت الحكومة الأمريكية ستفرض رسوما جديدة على السيارات وقطع غيار السيارات المستوردة في عام 2019.
وحذرت المفوضية الأوروبية في وثيقة مكتوبة أرسلت إلى وزارة التجارة الأمريكية في يونيو من أن صادرات الولايات المتحدة التي تقدر بنحو 300 مليار دولار أمريكي من المحتمل أن تتأثر بإجراءات انتقامية من اقتصادات أخرى قد تخضع لتعريفات السيارات المحتملة.
وبالإضافة إلى ذلك، لم يعرف بعد ما إذا كانت الحكومة الأمريكية قادرة بشكل كافي على الاستجابة لاقتصاد متباطئ أو حالات طوارئ أخرى وتحقيق الاستقرار في السوق. يخشى المستثمرون من أن يؤدي نقص الخبرة إلى جانب نقص الموظفين إلى دفع الحكومة الأمريكية إلى سوء التقدير وفشل السياسات، ما يزيد من عدم استقرار السوق.
وأفادت وفقا وسائل إعلام أمريكية بأن المشاركين في السوق ألقوا باللائمة على وزارة الخزانة الأمريكية لإرسالها، في بعض الأحيان، "إشارات مشوشة ومربكة".
وفي خطوة لتهدئة تقلبات السوق، عقد وزير المالية ستيفن منوشين في 23 ديسمبر اجتماعات فردية مع الرؤساء التنفيذيين لستة بنوك أمريكية رئيسية.
وذكرت وزارة الخزانة في بيان أن "البنوك كلها أكدت توافر سيولة كافية للإقراض بالنسبة لأسواق المستهلك والأعمال".
لم تكن جهود منوشن للتواصل مع القطاع المصرفي الخاص نادرة فحسب بالنسبة لمسؤول بارز بالحكومة، ولكن كانت أيضا دون جدوى حيث انخفض مؤشر داو جونز ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 ومؤشر ناسداك بأكثر من 2 في المائة في أول يوم تداول بعد بيان وزارة الخزانة.
وقالت صحيفة ((نيويورك تايمز)) إن منوشين أجرى "نوع المناقشات التي عادة ما تكون مخصصة للحظات الأزمات".
وأشار توماس سايمونز،الخبير الاقتصادي البارز في شركة جيفريز المحدودة في نيويورك، إلى أن العوامل الفنية، بما في ذلك أوامر البيع المدفوعة بالاعتبارات الضريبية وانخفاض حجم التداول في نهاية العام، يمكن أن تفاقم هبوط البورصة.
ونقلت وكالة ((بلومبرج)) عنه قوله إن "الأسابيع القليلة الأولى من يناير ستوضح ما إذا كان هذا البيع في ديسمبر ذي صلة من الناحية الفنية أم متأصل في الواقع بشكل أساسي".
ورغم تسجيل ارتفاع في المؤشرات الرئيسية يوم الاثنين، إلا أن الأسهم الأمريكية انهت عام 2018 بأكثر الانخفاضات السنوية حدة منذ الأزمة المالية لعام 2008، وحذر كثيرون من ظهور سوق هابطة بعد ما يقرب من عشر سنوات من الاتجاه الصعودي.