أصبحت خلال السنوات الأخيرة أكثر اهتماما بتعليم الشعر للأطفال، كيف كانت هذه التجربة؟
منذ عام 2014 اتجهت إلى الأطفال، وانا الآن نادرا ما اتحاور مع الكبار، ألتقي في الغالب مع الأطفال. وأطلب منهم دائما أن يكتبوا ما يفكرون فيه هم، وليس ما يرغب المعلم في سماعه، وأن يلقوا الشعر بالطريقة التي يحبذونها هم، فهذا هو الشعر. الشعر يجب أن يكون صادقا ونابعا من الذات، لكي يمس المتلقي ويجعله يشعر بما يرغب الشاعر في التعبير عنه. والإنسان منذ طفولته لديه أحلام ومشاعر واحباطات كذلك، وعلى المعلم أن يوجه الطفل إلى الطريقة الصحيحة في التعبير. لذلك، دائما ما أقول للأطفال، بأن التعبير هو حقكم الفطري، وهذا التعبير يمكن أن يتجاوز أوامر الآباء.
وعلى هذا الأساس، أنا أشجع الأطفال على أن يكتبوا مشاعرهم، مثلا موقفهم من والديهم. وأحيانا أتفاجأ بكتابات نقدية ولاذعة. مثلا هناك من كتب محتجّا على أبويه بأنهما يستعملان الهاتف لوقت طويل، بينما يقيدون وقت استعماله للهاتف، وهذا يعكس شعور الطفل بعدم تساوي الحقوق. وهناك ايضا من كتب بشكل أعمق: "أبي لا يهمني أن تكون مسؤولا كبيرا، بل يهمني أن أجدك إلى جانبي حينما أسقط وتجرح ركبتي. أمي لا يهمني كم ستجمعين من مال، يهمني أن تحضنيني حينما يفزعني كابوس أثناء النوم". فهذه البنت على ما يبدو من عائلة ثرية، وأبواها وفّرا لها كل شيء، لكن وحدها المشاعر الدافئة التي لم يقدماها لها. ولذلك، فإن هذين الأبوين فاشلين، مهما حقّقا من نجاحات مهنية.
- ماهي أهمية تعليم الطفل الشعر؟
الطفل يمتلك الإدراك والوعي، وتعليم الطفل الشعر، يجعل الطفل في مركز عملية التعليم، وليس مجرّد متلقٍ يتم ملء دماغه بالقوالب الجاهزة. التعليم بالشعر هو تنمية حاسة الإدراك لدى الطفل، لجعله يشعر بأنه كيان مستقل وليس مجرد متلقٍ للأوامر. فالإنسان يجب أن يتولد لديه أولا الشعور بالأنا، الشعور بالكينونة والشخصية المستقلّة، ثم في مرحلة ثانية يتم صقل هذه الأنا بطريقة تهذبها وتطورها. ونحن الآن، في المجتمع الصيني في أمس الحاجة إلى أن يتولّد لدينا هذا الوعي بامتلاك الكينونة المستقلّة. لذلك أنا أعلمهم لكي يمتلكوا الوعي بالأنا، ليس ذلك الوعي الذي يعني الامتلاك، كأن يتنازع الطفل لعبه مع شقيقه. وإنما الوعي بالذات الذي يجعله يقول أنا أشعر...، أنا أرى أن ...أنا أعتقد...، أنا حلمي كذا وكذا، أنا هدفي هو كذا كذا. والشعور بالذات، يتولد عنه الشعور بذات الآخر، واحترامها، ومن ثم تتولد العلاقة المتساوية والندية.
- كيف يتولد هذا الشعور بالأنا والشخصية لدى الطفل؟
يتولد من حساسية الطفل تجاه نفسه، وحساسيته تجاه من حوله. مثل أن يعي الطفل أن النملة أو الدودة التي تمشي على الطريق لا يمكن دهسها، لأنها حياة مثله وتتألم مثله، وعليه أن يحترم وجودها وحقها في الحياة. طبعا هذا الإدراك للذات والكينونة يجب ألا يتحول إلى فردانية، فتتولد عنها الأنانية وعدم الاكتراث بالأخر، وإنما شعور بالذات داخل مجموعة من الذاوت البشرية المتساوية. الشعور بالذات الذي يتولد عليه الشعور بالاخر؛ الآخر الذي يمتلك نفس الحقوق والأهمية التي نمتلكها نحن. في المجتمع الصيني عادة مايتم تجاهل ذات وشخصية الطفل، ويُربى الطفل على: إسمع كلام أمك، إسمع كلام معلمك وغيرها من الطرق التي تؤدي إلى محو ذاته. فالمهمة هنا هي احترام شخصية الطفل، والشعر يمكن أن يربي في الطفل هذا الشعور، لأنه يتيح للطفل أن يعبر عن ذاته ويكتشف ذاته المختلفة عن الآخر.
- هل ترى ان الأباء في الصين يهتمون بهذه النقطة؟
الأباء والأمهات في الصين يحبون أبنائهم كثيرا، لكنه الحب الذي يتحول إلى سيطرة وامتلاك، أكثر من الاحترام والثقة. فنيّة الأبوين هي الحب، لكن ما يشعر به الطفل، قد يكون سيطرة وتحكم. وداخل ثقافتنا الصينية، نجد الميل إلى التحكم أكثر قوة من الميل إلى المساواة. الشعور بالذات تولّد لدي منذ الطفولة، رغم أنها مقاربة مؤلمة، فقد فقدت أمي في سن الرابعة، وأبي كان مشغولا بأمور القرية، ولم يكن هناك من يراقبني. فقط كانت هناك جدّة جارة لنا مشرّدة سكنت بيتنا، فكانت أحيانا تعتني بي انا وأخي، لذلك منذ الطفولة كنت أشعر بأنني أنا وأبي ذاتان متساويتان. ففي حياتي كلها ضربني مرة واحدة، وحينما كبرت قليلا كان دائما يحاورني ويثق في، وكان دائما يعطيني الشعور بأننا ذاتان متساويتان.
أنا اليوم لا أعلّم الأطفال الشعر الصيني القديم، يمكنهم أن يتعلموا ذلك من ابائهم، كما أخبرهم بأنه لا مشكلة حتى وإن نسوا ما حفظوه. انا أعلمهم الشعر الحديث، لا أطلب منهم أن يحفظوا أو أن يدونوا ملاحظات، بل أطلب منهم أن يكتبوا ما يشعرون به.
في الحقيقية، بعد سنوات من تواصلي مع الاطفال، شعرت أن ما أفعله هو تعويض عن فقداني لابني وابنتي. لأنهما لو كاناعلى قيد الحياة، لكانا في عمر الأطفال الذين أعلمهم.